حين دعا الاسلام إلي العمل وحث عليه نهي عن البطالة وهي قعود الرجل فارفل لايعمل حيث إن البطالة تؤدي إلي فساد المجتمع واضطرابه. فعندما يتعطل عدد كبير عن العمل سواء أكانوا مكرهين علي ذلك أو كسلا منهم. ضاعت جهود كبيرة علي الأمة كان يمكن أن تنتج وتكسب وتؤدي دورها في تقدم الإنتاج ودفع عجلة الصناعة. والبطالة مشكلة اقتصادية واجتماعية وإنسانية ذات خطر, فإذا لم تجد العلاج الناجح تفاقم خطرها علي الفرد وعلي الأسرة وعلي المجتمع. وحسب مقولة الراغب الاصفهاني من تعطل وتبطل انسلخ من الإنسانية إلي الحيوانية وصار من جنس الموتي والمتتبع للفظ بطل في الحديث النبوي ومشتقاته يجد أنه ورد قرابة40 مرة مثل إن الله يكره الرجل البطال والبطالة تقسي القلب ويقول ابن وهب لا يكون البطال من الحكماء ويقول بعض السلف سيروا إلي الله عرجا ومكاسير ولا تنتظروا الصحة, فإن انتظار الصحة بطالة وما إلي ذلك. ويقول الرسول صلي الله عليه وسلم إن الله لا يحب الفارغ الصحيح لا في عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة ويفسر الفارغ بأنه الذي لا عمل له. وتشبيه المتعطل الفارغ هو أدق تكييف لهذه الحالة من الضياع الاقتصادي والاجتماعي والديني. وهذا الحديث يشرح لنا سلوك المتعطلين في المجتمعات الحديثة مما نراه ونسمعه عنهم في الاضرابات الكثيرة التي يقومون بها من تدمير وتخريب وتعطيل للإنتاج وكلها صور من قسوة القلب التي أشار إليها حديث الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم. إن العلاقة بين البطالة والكسل تحدد لنا كيفية علاج البطالة تلك الظاهرة المدمرة اجتماعيا واقتصاديا وتجعل مسئولية علاجها وتقع أول ماتقع علي عاتق المتعطل نفسه إذ أنه بطالته بسبب كسله وهذا الأسلوب يتمايز علي الأساليب الاقتصادية المعاصرة. وتنحصر أسباب البطالة في عدم وجود فرص للعمل وعدم وجود الكفاءات و كساد في الأسواق ونقص المعرفة والخبرة. كما أن للبطالة أخطارها علي الفرد والأسرة والمجتمع بأسره. أما آثارها علي الفرد اقتصادية وصحية ونفسية واجتماعية. اقتصاديا بمعني تفقده الدخل وصحيا تفقده الحركة ونفسيا يعيش في فراغ واجتماعيا تجعله ناقما علي غيره. وأما آثارها علي الأسرة فهي تفقد رب الأسرة شعوره بالقدرة علي تحمل المسئولية ويواجه المجتمع حالة من التوتر والقلق وأما آثارها وأخطارها علي المجتمع اقتصاديا تعطل طاقات قادرة علي الإنتاج واجتماعيا انتشار الشرور والجرائم نتيجة الفراغ والقلق. وللبطالة أنواع عديدة منها:. بطالة إجبارية, بطالة اختيارية, بطالة الكسول, بطالة المضطر, بطالة تعبدية أو التواكل. وقد يبتلي الإنسان بالبطالة الإجبارية نتيجة عدم تعلمه مهنة في الصغر أو تعلم مهنة ثم كسل سوقها لتغير البيئة أو تطور الزمن وقد يفتقر إلي رأس المال الذي يشتري به أدوات لازمة لمهنة أو مع معرفته بالتجارة, وقد يكون من أهل الزراعة ولكن لا يجد أدوات الحرث. وفي كل هذه الصور وغيرها يتجلي دور الزكاة. فالمضطر الذي لا حيلة له في إيجاد العمل مع رغبة فيه وقدرته عليه ينبغي أن تتكفل الدولة بإيجاد العمل له وإعفائه من حصيلة الزكاة إن كان محتاجا ولا يملك حد كفايته ويصرف له ما يكفي حاجته, وأما إن كان منأصحاب الحرف والمهارات أو قادرا علي مزاولة مهنة ما فيمكن أن يعطي ما يمكنه من مزاولة مهنته بحيث يعود عليه من وراء ذلك دخلا مناسبا له ولعائلته. أما البطالة الاختيارية فهي بطالة من يقدرون علي العمل ولكنهم يجنحون إلي القعود ويستمرءون الراحة ويؤثرون أن يعيشوا عالة علي غيرهم. فالدين الاسلامي يقاوم هؤلاء ولا يرضي عن مسلكهم حيث يأثم فيها الأفراد ويحاسبون عليها يوم القيامة, وهؤلاء لا حظ لهم في الزكاة حيث أن منح الزكاة لمثل هؤلاء يزيد من البطالة ويعطل القدرات الإنتاجية لأفراد المجتمع ويحد مما يمكن أن يحصل عليه مستحقوا الزكاة الحقيقيون حيث قال رسول الله عليه الصلاة والسلام لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي والإسلام ينكر بطالة الكسول علي عدم عمله ويحاسب الفرد والدولة علي ذلك.. أما البطالة التعبدية فهي التي دفع إليها تصور معين لمباديء الدين أي أن يفهم الإنسان أن بعض مباديء الدين تستدعي ترك العمل وبالتالي فلا يعمل وهؤلاء يكون الدين فهم براء وفي السيرة تصحيح لتلك المفاهيم الخاطئة. وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل اليمن حين سألهم من أنتم؟ قالوا نحن متوكلون قالم كذبتم ما أنتم متوكلون, إنما المتوكل رجل ألقي حبة في الأرض وتوكل علي الله.وقال لأناس فارغين لا يعملون حين سأل عنهم فقيل له هم المتوكلون قال كذبتم هم المتآكلون الذين يأكلون أموال الناس بالباطل. ثم قال لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق وهو يقول اللهم ارزقني وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة والتوكل لا ينافي الأسباب التي أقر الله بها. فهذا هو التوكل الحقيقي علي الله وهو المطلوب في الإسلام ظاهرة إيمانية خلقية. وقد وضع الإسلام طرقا لمواجهة هذه المشكلة مثل:. المواجهة الأدبية والمواجهة عن طريق الأوامر الملزمة ثم الإجراءات العملية فيما يلي:. 1:. المواجهة الأدبية بترسيخ القيم الاجتماعية مثل:. احتقار المجتمع والدولة للعاطل بإرادته مثل قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه إني لأري الرجل فيعجبني فأقول:.آله حرفة؟ فإن قالوا لا سقط من عيني. 2:. الأوامر الملزمة:. بأن تأمر الدولة الأفراد بالعمل كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا معشر الفقراء ارفعوا رؤوسكم واتجروا فقد وضح الطريق فاستبقوا الخيرات ولا تكونوا عيالا علي المسلمين. 3:. الإجراءات العملية فيها قطع العونة والمساعدة عن كل من يقدر علي العمل, فعندما وجد الفاروق رضي الله عنه سائلا محترف السؤال ومعه مخلاة فيها طعام أخذها منه وطرحها لإبل الصدقة ونهره. هكذا لم يدع الإسلام في كتاب الله وسنه رسوله الكريم شاردة ولا واردة إلا أحصاها ولا مشكلة إلا وضعها في موضعها الصحيح وعمل علي تطهير المجتمع من مخاطرها. وهكذا لا تري دولة من دول العالم قديما ولا حديثا اتخذت في معالجة البطالة أسلوبا حكيما كما اتخذه الإسلام ولا نجد نصوصا في قوانينها كما نجد ذلك في شريعة الإسلام.