في كل عام تتجدد القضايا الدينية في أذهان الناس عن رمضان لا سيما فيما يتعلق بالصيام، وكيفية إدارة الوقت فيه، ووسائل الحصول علي ثواب موائدالرحمن، وزكاة رمضان، وهو ما قامت بطرحه "روزاليوسف" علي الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الذي كعادته أبدي آراء جديدة ومهمة تحدد التحرك الشرعي السليم في هذه القضايا. وأكد المفتي خلال حواره أن زكاة رمضان لا يجوز إخراجها لصناديق عشوائية، وغنما لابد من التحقق منها، وأن الجمعيات الخيرية هي أفضل طرق توزيع للزكاة اليوم، وأن موائد الرحمن ليست بحاجة إلي أي ضوابط رسمية لتنظيمها، وغير ذلك من الأمور التي طرحاها في سياق الحوار التالي: لشهر رمضان أهداف وحِكَم، وعلي الصائم أن يتَحَرّي هذه الأهداف وتلك الحِكَم، نريد من فضيلتكم إلقاء الضوء علي هذا المعني؟ - الصيام هو عبادة شهر رمضان، وللصوم حكم عظيمة منها: الارتياض علي الصبر، وتعلم ضبط النفس، وتحمل المشاق وترك المألوف والانتصار علي النفس الأمارة بالسوء، ومنها أيضًا: تعويد الإنسان علي الإحسان والشفقة، فإنه إذا ذاق طعم الجوع والعطش رَقَّ قلبُه تجاه إخوانه من المحتاجين والفقراء، وبالجملة فالصيام مدرسة يزداد فيها المسلم قربًا من الله تعالي بصنوف العبادات والمجاهدات، وهو سبب لحصول التقوي عند العبد. كتب الله الصيام علي أمة الإسلام كما كتبه علي الذين من قبلهم. فما الغاية من الصيام؟ وهل كان صيام من سبقنا من الأمم كصيامنا؟ - الغاية المنشودة من الصيام هي تزكية النفس وتحقيق التقوي، قال تعالي:{يا أَيهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيامُ كَمَا كُتِبَ عَلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وفي الآية ما يدل علي أن الصيام فُرِض علي الأمم السابقة قبلنا أيضًا؛ وليس هناك دليل صريح يبين لنا كيفية صيامهم بالتفصيل، وقد يكون مختلِفًا في محله ومدته وكيفيته، وقد ورد عن بعض السلف ما يفيد هذا، ويوجد نحوه في كتب أهل الكتاب المقدسة الموجودة بين أيدينا الآن، فيكون قوله تعالي: {كَمَا كُتِبَ عَلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُم} تشبيهًا في أصل فرض ماهية الصوم لا في التفاصيل والكيفيات. إدارة الزكاة كيف تري مواقف المسلمين اليوم من أدارة الزكاة لا سيما في شهر رمضان؟ - الزكاة إحدي الأدوات التي علمنا إياها ربنا في الإسلام من أجل إحداث التغيير والتنمية التي نسميها في عصرنا التنمية الشاملة، وهي لها جانب يجب أن تصل للفقراء والمساكين للمعونة المباشرة من أجل أن يستهلكوها لأن الاستهلاك مهم جدا لزيادة الإنتاج، فلو أنتجنا ولم نستهلك لكان ذلك فيه كساداً. والقضية أن الله سبحانه وتعالي جعل هناك طلباً في زيادة الإنتاج والاعتدال في الاستهلاك من أجل أن تدور عجلة المجتمع فالزكاة تساهم في دوران عجلة المجتمع والتنمية والإنتاج، ولها جانب آخر وهو جانب هدوء البال، ولذلك رأينا الزكاة تعطي للغارمين، ولإخراج الناس من السجون، ومن أجل انتفاء النزاع والخصام بين الخلق، فالمديونية التي تكون بين الدائن والمدين المتعسر تحدث شغباً اجتماعياً، وخصاماً، ونزاعاً، ولذلك الزكاة تقوم بهذا. كما تقوم الزكاة في مجالات مختلفة في مجال ابن السبيل الذي له صور كثيرة عندنا في هذا العصر، ومنها طالب العلم الوافد للدراسة، وأيضا جانب في سبيل الله ومنها في مجال الصحة، والتكافل الاجتماعي والبحث العلمي ومجال التعليم، وكل هذه المجالات مهمة تحركها الزكاة. فالزكاة لها جانب من الفقراء والمساكين ولها جانب آخر مع الصحة والتعليم والبحث العلمي والتغيير والتنمية الشاملة. وكيف ننظم إخراج الزكاة في رمضان ؟ - في العشرين سنة الماضية بدأ المجتمع المدني يعمل ويقوم بدوره، فرأينا المؤسسات الخيرية تكثر وأصبحت أكثر فاعلية، ولدينا الآن ما يقارب من 20 ألف جمعية خيرية عاملة في مصر، وكان كثير جدا من هذه الجمعيات لا تدار إدارة حسنة، وتحتاج إلي تطوير وتدريب، إلا أنها بدات تنشط ونريد مزيداً من النشاط والحراك الاجتماعي من أجل قيام المجتمع المدني بواجبه . وماذا عن إخراج الزكاة للمساجد؟ - الزكاة عندما تخرج لصناديق المساجد هي تقوم أيضا بواجب معين، وهذا الواجب مثلا عن طريق بنك ناصر الاجتماعي وتجربته، حيث يجمع نحو 200 مليون جنيه في السنة منها زكاة رمضان فتصل للمستحقين، والمسجد يحقق الأمر "خذ من أغنيائهم وردها علي فقرائهم" فالزكاة تخرج من اغنياء المنطقة وتذهب إلي فقرائها فلا تخرج للخارج. فوضع الزكاة بالمساجد لتوزيعها علي فقراء المنطقة تجربة جيدة ونحن نؤيدها، لكن لابد علي واضع الزكاة أن يتأكد من جدية صندوق الزكاة الذي يضع فيه زكاته، لأن هناك صناديق عشوائية ولكن هذا لا يجعلنا نحجم بالكلية عن صناديق الزكاة في المساجد لأنها فكرة رائدة وجيدة ومفيدة وناجحة، والمخالف يتطلب منا جميعا أن نقف ضده ونحوله لصناديق معتبرة. هناك من يتحفظ علي إخراج الزكاة من السني للشيعي، فما تعليق سيادتكم؟ - الإسلام لا يعرف لا سنياً ولا شيعياً في مسألة إخراج الزكاة، فالزكاة تذهب لجميع المسلمين الفقراء ولا ينظر في مذهب أو غيره. إلي أي مدي نحن بحاجة لضوابط تنظيمية رسمية لموائد الإفطار كتصريح لإقامة تلك الموائد؟ وتحديد أماكنها بعيدا عن شوارع المرور؟ - موائد الرحمن موجودة من أيام الفاطميين وباستمرار والشعب عنده تربة لإيصال المسألة لهدفها، وعليه فهذه الموائد لا تحتاج إلي رسميات ولا إلي تدخل " فدعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض". بعض الناس يخصص جزءاً من زكاة المال وزكاة الفطر لإنفاقها علي موائد الرحمن، فما حكم ذلك؟ - لقد حددت الآية الكريمة مصارف الزكاة في قوله تعالي: "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"، وعليه لا يجوز إخراج زكاة الفطر ولا زكاة المال علي موائد الرحمن، لأن الزكاة شرعت لسداد احتياج الفقراء والمساكين، وموائد الرحمن ليست خاصة بالفقراء والمساكين، بل يأكل فيها الأغنياء والفقراء. وهل يجوز تقديم الإفطار في رمضان إلي أسر وأفراد علي الرغم من مقدرتهم علي العمل؟ - ورد في الحديث الصحيح : أنه من فطر صائماً ابتغاء وجه الله كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء. وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً". رواه الترمذي والنسائي وبناء علي ما سبق: يجوز تقديم وجبات الإفطار في رمضان إلي كل صائم حتي مع مقدرته علي العمل لينال الثواب العظيم من الله. إلا إذا كان الإفطار خاصاً بالفقراء والمساكين، فلا يقدم إلا لمن توفرت به هذه الصفة، سواء كان قادراً علي العمل أم لا، ولا يقدم للأغنياء سواء كانوا قادرين علي العمل أم لا هل الأفضل للمرأة في شهر رمضان أن تصلي في البيت أم في المسجد؟ - لا بأس من حضور المرأة إلي المساجد وصلاتها خلف الرجال، إذا كانت محتشمة ولا يخشي منها الفتنة. فقد كانت النساء علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم يحضرن الجماعات ويصلين خلف الرجال. ولكن صلاتها في بيتها أولي من صلاتها في المسجد، فعن عبد الله بن عمران أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلي المساجد، وبيوتهن خير لهن". رواه أحمد. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات _ أي غير متعطرات" رواه أبو داود. وقد أنكرت عائشة رضي الله عنها خروج النساء إلي المساجد لما رأتهن يخرجن وعليهن بعض الزينة، أو علي غير الهيئة التي كن يخرجن عليها علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالت رضي الله عنها: "لو أدرك رسول الله صلي الله عليه وسلم ما أحدث النساء بعده لمنعهن المسجد كما مُنعه نساء بني إسرائيل".