زرت الولاياتالمتحدة منذ1985 نحو اربعين مرة... وغطت هذه الزيارات نحو نصف الولاياتالمتحدة كما غطت معظم الجهات. وطالما فكرت مليا في احد الاسئلة التي مااكثر ماسمعتها في حياتي وهي: لماذا يكره كثيرون حول العالم الولاياتالمتحدة ؟.. و كنت اسمع هذا السؤال وبعقلي العديد من علامات الاستفهام. فمعظم الشباب في اكثر المجتمعات بغضا للولايات المتحدة يحلمون بالهجرة لها ولان يصبحوا امريكيين! ودقائق من الحوار مع هؤلاء الكارهين لامريكا تثبت ان معظمهم شديد الاعجاب بكل من الحلم الامريكي والحريات العامة في الولاياتالمتحدة وخضوع الكل للدستور والقوانين, وايضا ب قيمة المواطن الامريكي كإنسان.. كانت كل هذه الاعتبارات تمر امام عيني عندما اسمع عبارات الكراهية والبغض للولايات المتحدة من الكثيرين في شتي بقاع العالم ومن اشخاص يمثلون جميع الاطياف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والمعرفية والثقافية.. و كنت ايضا اذكر نفسي بأمرين.. الاول هو ذلك البعد من ابعاد الطبيعة البشرية الذي يجعل الادني يبالغ في انتقاده الاكثر تقدما وثراء.. والثاني ذلك الرصيد من البغض اليساري لامريكا.. وجدير بي انا بالتحديد ان اعرف طبيعة وخامة ومصادر واهداف هذا البغض اليساري انا الذي كانت اول مؤلفاته هي ثلاثة كتب عن الماركسية! والحق اقول, ان شيئا من كل ماذكرت لم ينجح في حضي علي ان اشارك هؤلاء الكارهين للولايات المتحدة مشاعرهم, فأكرهها كما هم يفعلون, اذ ان من العسير علي الا اري اوجه التفوق الامريكي في عشرات المجالات او اتجاهل العناصر التي تجعل جل من يكرهون امريكا ي يحلمون بالهجرة لها وبأن يصيروا هم انفسهم من مواطني الولاياتالمتحدة.. كما انه من العسير علي رجل يعرف دقائق تقنيات علوم الادارة الحديثة الا يكون معجبا بآليات عمل وابداع وتفوق الكيانات الاقتصادية الامريكية او الا يكون معجبا بما تحدثه الجامعات الامريكية من ارتقاء للعلم ولحياة البشر.. ومع ذلك, فأنني لااستطيع ان انكر وجود والحاح وقوة السؤال المهم: لماذا تحظي الولاياتالمتحدة بكل هذا الكم من الكراهية تقريبا من معظم البشرية! وخلال سنوات العقد الاخير بدأ( فيما اظن) السبب الحقيقي لهذه الكراهية يظهر امامي بوضوح.. فأتتبعه واتأمله وافحصه, فيزداد يقيني بأنه هو بالفعل السبب الحقيقي لهذه الكراهية, وان كان احد لم يعبر عنه بالوضوح الذي امل ان انجح في توفيره في هذا المقال. استطيع اليوم وبعد الخلفية التي صورتها في القسم الاول من هذا المقال ان الخص علة كراهية مليارات البشر للولايات المتحدةالامريكية في عجز قيادات المجتمع الامريكي عن اعتبار قيم المجتمع الامريكي جزءآ متكاملا عضويا من المصالح الامريكيةفالولاياتالمتحدة التي تخدم سياساتها الخارجية المصالح الامريكية لم تدرك منذ صارت الولاياتالمتحدةالامريكية اكبر قوة علي سطح الارض عشية استسلام اليابان في اغسطس1945 قيم المجتمع الامريكية وقد ساعد علي استفحال هذا الفصام بين القيم الامريكية كل من العوامل التالية: البرجماتية( الطبيعة والروح العملية البحتة) التي يتسم بها العقل الامريكي, وافتقار العقل الامريكي النسبي للحس التاريخي وللحس الثقافي لاسباب تاريخية وجغرافية لاتحتاج لتوضيح فضلا عن غلبة الدافع المالي علي الثقافة الامريكية. لكن وكما قال فولتير فإن الحماقة تظل حماقة و لو كررها الف الف انسان! وقد كانت حماقة السياسية والساسة الامريكيين منذ اغسطس1945 ان احدا لم يقف ويصيح: ياسادة! قيمنا هي اهم مصالحنا.. والانفصام الكائن بين قيم المجتمع الامريكي ومصلحة ليس هو مصدر هذه الكراهية فقط بل وسيجلب علي الولاياتالمتحدةالأمريكية من المضار ماسيضر ابلغ الضرر بمصالحها بالمعني الضيق الذي لايفهم الساسة الامريكيون حتي اليوم غيره! فكيف نفسر لاي انسان علاقة الادارات الامريكية لسنوات مع حكام جمهوريات الموز في امريكا اللاتينية؟ وكيف نفسر لاي عاقل الصمت الامريكي المخزي تجاه انتهاكات حقوق الانسان وحقوق المرأة و حقوق الاقليات في المجتمعات الحليفة للادارات الامريكية؟ وكيف نفس لاي انسان معرفة الادارات الامريكية بقصص فساد مرعبة لشركاء لها حول العالم, وصمت هذه الادارات لعقود عن هذه الحالات المذهلة من الفساد؟ وهل مما يتسق مع القيم الامريكية التحالف التكتيكي منذ اكثر قليلا من ثلاثين سنة مع اسامة بن لادن لمحاربة الاتحاد السوفيتي في افغانستان ؟ وهل مماتجيزه الانساق القيمية للمجتمع الامريكي مساعدة نظم ثيوقراطية شرق اوسطية مناهضة لكل قيم الحداثة للوصول للحكم في بلدان مثل تونس ومصر ؟.. بأختصار: كيف نبرر لمليارات البشر ان امريكا ترضي لشعوب غير امريكية بما لاتقبل1% منه لمواطنيها ؟ من هنا تنبع الكراهية التي هي بالقطع مبررة. والغريب ان الدوائر السياسية الامريكية لاتري هذه الهوة بين مايقبل في الخارج ولايمكن قبوله في الداخل, وانها لاتري ان هذا يفرز موجات عاتية من الكراهية للولايات المتحدة, وانها لاتري ان قيم المجتمع الامريكي يجب ان تكون ركن الاساس للمصالح والسياسات الامريكية, وان اخراج قيم المجتمع الامريكي من قائمة المصالح لامريكية سيجلب مضارا هائلة وخسائر بالغة الجسامة للمجتمع الامريكي. المزيد من مقالات د. طارق حجى