اكثر الناس حديثا عن كراهية شعوب العالم للولايات المتحدة هم الامريكيون والواقع الاحصائي يؤكد هذا الاستخلاص الذي قد يبدو غريبا بالنسبة لنا.. ما تجمع لدي من مواقع الانترنت الامريكية التي تتحدث عن كراهية العالم للولايات المتحدة عددها وتنوعها والمستوي الثقافي للمشاركين فيها يفوق كل تصور. وسأحاول ان استعرض فيما يلي من حديث جانبا من الدراسة التي تتضمن تسجيلا زمنيا للتاريخ الطويل للتدخلات الامريكية في شئون شعوب العالم وبصفة خاصة في حياة شعوب الشرق الاوسط الضغوط والتدخلات والمؤامرات والاغتيالات والانقلابات وتسليط آلتها العسكرية بكل طاقتها التدميرية وسأعتمد في هذا علي الوقائع الثابتة التي جمعها الشرفاء من المفكرين والكتاب الامريكيين والتحليلات التي قام بها كبار الاساتذة في الجامعات الامريكية ولنبدأ باحدث تحليل عن الواقع الحالي للتدخل الامريكي بالعراق علي لسان الاستاذ الجامعي الامريكي نعوم تشومسكي. قصة مستنقعين في حديث لمجلة نيوز ويك الامريكية في اوائل يناير تحت عنوان "قصة مستنقعين" قال تشومسكي: "نجحت ادارة بوش في جعل الولاياتالمتحدة احد اكثر دول العالم اثارة للخوف والكراهية وهو يعتقد ان المجموعة التي حول بوش تصنع اكثر الادارات خطورة في التاريخ الامريكي".. ونعوم تشومسكي من اكثر المثقفين الامريكيين تأثيرا خلال القرن العشرين وهو استاذ في معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا تكمن شهرته في اعتباره العقل القائد في حركة معاداة الحروب في بداية الستينيات خلال مغامرة فيتنام لكنه مازال اليوم في اوج نشاطه. كانت تساؤلات محرر النيوزويك مايكل هاستنجز تدور حول مستقبل اوضاع العراق والفوارق بين حركة معاداة الحرب زمن فييتنام وحركة اليوم بالنسبة للعراق باختصار شديد سأورد اهم ما قاله تشومسكي في ذلك الحوار: * في الحالة الاولي كان هدف امريكا تحطيم فيتنام لكي لا تصبح نموذجا ناجحا في التنمية المستقلة بالنسبة لباقي دول المنطقة كان من الممكن تخريب فيتنام والانصراف لكن هذا لم يكن ممكنا في حالة العراق. * وعن سؤال حول مدي نجاح معاداة الحرب في الحربين قال ان الاحتجاجات بدأت بعد مرور سنوات علي بداية حرب فيتنام اما بالنسبة للعراق فقد اندلعت الاحتجاجات العارمة في أنحاء العالم قبل ان تبدأ الحرب بطريقة غير مسبوقة. * لقد نجحت ادارة بوش في جعل الولاياتالمتحدة واحدة من اكثر الدول اثارة للخوف والكراهية في العالم. من البربرية إلي الانحطاط! الأستاذ ريتشاد سبيد المحاضر في قسم التاريخ في جامعة كاليفورنيا بهارفارد يطرح في مقاله هذا رؤيته لكتاب جديد بعنوان "كراهية امريكا تاريخ" لمؤلفيه باري وجوديث روبين. وقبل ان يقول اي شيء صدر الاستاذ سبيد مقاله بقول مأثور عن الكاتب الشهير اوسكار وايلد الذي قال امريكا هي البلد الوحيد في العالم الذي مضي من البربرية الي الانحطاط دون حضارة ما فيما بينهما". يبدأ سبيد بسؤال: لماذا يكرهوننا؟ .. ويقول:" يبدو ان هذا السؤال قد اصبح علي كل لسان هذه الايام "ويضيف" ان لكل رأيه في تفسير هذا في نظر البعض ان كراهية امريكا ترجع ببساطة الي ان الناس يكرهون ديموقراطيتنا ويري البعض الآخر ان السبب يكمن في ان الولاياتالمتحدة تأخذ جانب اسرائيل في مواجهة الشعب الفلسطيني اما في اوروبا فهناك ما يشبه الاجماع علي ان الامريكيين يتصرفون بعجرفة رعاة البقر وانهم متعصبون دينيون ييدون فرض طرق حياتهم علي باقي شعوب العال". يقول الاستاذ:" وقد اثار هذا - في السنوات الاخيرة - موجة كراهية مرضية تجاه الولاياتالمتحدة لكن يبدو ان قلة من الناس هي التي تعرف ان هذه الكراهية والاحتقار لامريكا ليست جديدة" وهو يشير هنا الي كتاب" كراهية امريكا تاريخ" الذي يقول ان الاوربيين المستنيرين كانوا مقتنعين بأن امريكا تعتبر متخلفة بالنسبة للعالم القديم وانه لاشيء جيد يمكن ان يصدر عنها. يقول سبيد ان الكتاب يضع الكراهية المعاصرة لامريكا في سياقها التاريخي باستعراض الظاهرة علي مدي ثلاثة قرون في المرحلة الاولي من كراهية امريكا حاولت الصفوة الفكرية الاوروبية ان ترجع التخلف الامريكي الي البيئة الطبيعية التي يعيش فيها الامريكيون وفي المرحلة الثانية والتي بدأت في العصر الثوري ارجع تحلل الامريكيين الي البشر وحتي في ايام جيفرسون كان ينظر الي الامريكيين باعتبارهم سلالة خليط من لغات تجمع من مجرمي اوروبا المنبوذين المتعصبين دينيا الفاشلين .. وباختصار حثالة المجتمع الاوروبي. كراهية الرأسمالية اذا انتقلنا الي التاريخ القريب خلال القرن التاسع عشر كانت عداوة امريكا التوجه الثقافي لكل من اليمين المحافظ الذي يحتقر الجماهير واليسار الرومانتيكي الذي تحمس وتخوف في نفس الوقت تجاه الطبقات الخطيرة ومع تفجر الثورة البلشفية اكتسب العداء الامريكي دعما حكوميا فانضمت معاداة الرأسمالية الي معاداة الولاياتالمتحدة في الدعايات المنتشرة التي يقوم بها الاتحاد السوفييتي والي اليمين ربطت الفاشية بين معاداة السامية ومعاداة امريكا. وخلال 45 سنة هي عمر الحرب الباردة خفتت معاداة امريكا في اوروبا الغربية لان دول تلك المنطقة كانت تعتمد علي الولاياتالمتحدة في مواجهة الاتحاد السوفييتي وهي في الحقيقة خفتت في اماكن عديدة ما عدا فرنسا التي كانت دائما مصدرا قويا لكراهية امريكا. لكن مع انهيار الاتحاد السوفييتي واختفاء الامبراطورية الروسية بدأت ثانية موجة خوف هستيرية من القوة الهائلة الكبري للولايات المتحدة. ما نسيه المؤلفان في ختام تعليقه علي الكتاب يقول الاستاذ ريتشاد سبيد "يصف المؤلفان في سلسلة من الفصول كيف تجسدت كراهية النمط الامريكي بين شعوب امريكا اللاتينية ثم بين شعوب الشرق الاوسط "ويستطرد سبيد قائلا ان المؤلفين حاولا ارجاع تلك الكراهية لامريكا في الشرق الاوسط الي رغبة حكام هذه الشعوب في التغطية علي فشل المجتمعات الاسلامية في التوافق مع الحداثة ويقول ان المؤلفين باري وجوديث روبين يعتقدان ان مثقفي العالم الثالث يتبنون بشكل عام مقولات العداء لامريكا القديمة لكي يطبقونها علي النظام السائد فيما بعد انقضاء الحرب الباردة. ويلخص سبيد رأيه في الكتاب قائلا: "من الواجب الاشارة الي ان المؤلفين قد فشلا في مناقشة كراهية ابناء الشعب الامريكي للنمط الامريكي في الحياة منذ حرب فيتنام ..كراهية امريكا هي في الحقيقة دليل فهم لنمو وانتشار ايديولوجية اخري للشعور بالاضطهاد وهي تحمل اوجه شبه لا تخطأ من معاداة السامية السلالة الشريرة الاسبق".. الاسباب الحقيقية لكراهية أمريكا بعيدا عن محاولات التفلسف والتبرير سنحاول فيما يلي من حديث ان نطرح بشكل واضح سر الكراهية العميقة من جانب شعوب العالم والعالم الثالث بصفة خاصة تجاه امريكا النظام وامريكا الدولة وامريكا احتكارات السلاح والبترول والمقاولات والا اقول امريكا الشعب باعتبار ان الشعب الامريكي برغم خضوعه للحلم الكاذب الذي تصنعه وسائل اعلام رؤوس الاموال الكبري هو الضحية الاولي للنظام الحاكم في الولاياتالمتحدةالامريكية.. بعيدا عن هذا كله سنحاول ان نرصد جرائم الولاياتالمتحدة في العالم وفي الشرق الاوسط بالتحديد الجرائم المعلنة التي يتبجح بها بوش وطاقمه من قبيلة المحافظين الجدد والجرائم الخفية التي تتولاها الاجهزة السرية للنظام الامريكي الاغتيالات والمؤامرات والانقلابات وسنبدأ بسرد تاريخي لتدخلات امريكا غير الشرعية في الشرق الاوسط من 1918 وحتي اكتوبر 2001.