إن الوضع الاقتصادي في مصر الآن ليس بجديد فقد مرت به البلاد من قبل فيما بين عام1985 و1988 حيث ارتفع سعر الدولار أمام الجنيه بأكثر مما نراه الآن, وهذا الوضع يضع الاقتصاد تحت ما يعرف باسم ظاهرة الركود التضخمي. هنا تكمن المشكلة, لأن هذا النوع من المشكلات الاقتصادية يفسر علي انه ارتفاع في الأسعار بسبب ارتفاع التكلفة الإنتاجية وليس بسبب ارتفاع الطلب الكلي علي الاستهلاك, و ذلك لأن مصر تستورد أكثر مما تصدر وإلا كان ارتفاع الدولار مقابل الجنيه ميزة لمصلحة مصر وليس عيب يضر بوضع الميزان التجاري وميزان المدفوعات ويعقد من عجز الموازنة العامة أكثر. فالوضع ليس بالسهولة, كما يتصور البعض, بحيث يمكن معالجته ببعض الإجراءات الاقتصادية التقليدية. فالسياسات النقدية والمالية المعتاد عليها في حل المشكلات الاقتصادية مثل التضخم أو الركود( البطالة) لا تصلح هنا. وذلك ببساطة لأن المشكلة مزدوجة فارتفاع الدولار أمام العملة المحلية دفع بالأسعار للتضخم دون ارتفاع في الدخول بل أدي لانخفاض في القوي الشرائية للجنيه( أي انخفاض الدخول الحقيقية للمواطن العادي). وعليه فالعمل علي حل المشكلة المركبة من قبل الحكومة يجب ألا يقتصر علي محاولة خفض معدلات الأسعار بوضع سياسات نقدية, ومالية انكماشية كما هو متعارف عليه في مثل هذه الحالات للحد من التضخم, وذلك لأن مثل هذه السياسات سوف تؤدي إلي خفض في معدلات التضخم إلا أنه سوف يؤدي إلي ارتفاع معدلات الركود( البطالة), والعكس بالعكس, محاولة حل المشكلة عن طريق وضع سياسات نقدية ومالية توسعية سوف يؤدي إلي خفض معدلات الركود( البطالة) إلا انه سوف يؤدي أيضا إلي ارتفاع معدلات التضخم. فإتباع مثل هذه السياسات التقليدية وان كان حلا لمشكلة منهم فهو معقد للأخري. فالأمر واضح إن حاربت التضخم سوف تتفاقم مشكلة الركود( البطالة) والعكس بالعكس. الخيار صعب كلاهما مهم ومؤثر في حياتنا اليومية, ولا يجوز الاختيار بينهما. فلا خفض عجز الموازنة وحده قادر علي حل المشكلة ولا تعويم الجنيه وحده سوف يأتي بالحل اليسير. إنما نحن بحاجة إلي تزاوج بين السياسة المالية والنقدية للعمل علي حل هذه المشكلة المركبة بصورة هيكلية تتطلب من الدولة الدخول من جانب الطلب مرة, والدخول من جانب العرض مرة أخري, مرة لدعم المستهلك و مرة أخري لدعم المنتج, وذلك للحد من ارتفاع الأسعار, وخفض تكلفة الإنتاج, مع محاولة حقيقية للخروج من الركود الاقتصادي( قبل أن يتحول إلي كساد عام) ولخفض معدلات البطالة وزيادة الدخول الحقيقية, مما يؤدي إلي الخروج من الأزمة الحالية في أسرع وقت ممكن, وان تحقق هذا سوف يتحرك المضاعف الاقتصادي المصري بسرعة وذلك للمرونة النسبية في الجهاز الإنتاجي في كثير من القطاعات الإنتاجية( مثل السياحة والزراعة والتصنيع المحلي وبعض الخدمات). وسوف تحل مشكلة الدولار والميزان التجاري وميزان المدفوعات ويتقلص عجز الموازنة تلقائيا, ولن نكون بحاجة إلي قروض داخلية أو خارجية إلا لتمويل نفقات استثمارية ومشروعات تنموية تعود بالنفع علي جموع الشعب. وهذا ما فعله من قبل الرئيس الأمريكي رونالد ريجان عام1985 وما فعله الراحل العالم الجليل الدكتور عاطف صدقي رئيس وزراء مصر عام.1988 فنحن لا نعيد اختراع العجلة, الحل خارج الصندوق, وقد يكون في العودة إلي أسلافنا أسوة حسنة. فقراءة التاريخ عظة. المزيد من مقالات د. أيمن رفعت المحجوب