العالم مملوء بالزعماء والأقوياء والأغنياء, بل والعلماء والمفكرين والكتاب والفنانين والخطباء والمنظرين, إلا أن القادة قليلون, ولعلي في هذا المقال أحاول أن أضع بعضا من مواصفات القائد الذي يبحث عنه العالم, والقائد لا يشتري بمال أو يغري بمركز, ومن أهم مواصفاته: القائد الخادم لا المخدوم, والخدمة هنا ليست مهانة او ضعفا كما يظن البعض, كما أنها ليست انتقاصا من العزة والكرامة. فالمصلحون عبر التاريخ رفعتهم خدمتهم أكثر من شهاداتهم العلمية ونياشينهم العسكرية وأنواطهم العالمية. وألا يشتري بالمال ولا يغريه الكرسي ولا يثنيه النقد ولا يخيفه التهديد كما لا يغيره الوعيد. القائد الناجح هو من يحترم وعده ويزن كلمته فلا يعطي وعدا لا يقدر علي تحقيقه, ولا تخرج منه كلمة دون حساب لها, فكلمته كتفاحة من ذهب في إناء من فضة. لهذا توضع كلمات القادة في أساليب دقيقة لأنه يحاسب علي الحرف من الكلمة. وهو من يضع الخلق القويم في الكلمة والسلوك والتصرف فوق كل اعتبار آخر مهما كلفه ذلك ولو كانت التكلفة وظيفة أو مغنما ماديا, والتاريخ يسجل لقادة أو زعماء ضحوا بالكرسي ولم يساوموا عليه مقابل مال أو جاه أو شهرة أو شعبية. وهو من يملك فكره وقراره وإرادته, وليس هذا معناه الاستبداد بالرأي أو العناد في الفكر, وإنما القائد الناجح يعرف أن يختار مستشاريه الذين يقدمون المشورة عن علم ودراية وحكمة واستقلال. القائد الناجح هو من لا يتردد في المبادرة حتي تخرج القرارات في الوقت المناسب, فالتردد والإبطاء تضيع معه الفرص ويمضي الزمن وقد يفوت الأوان فلا يصبح للقرارات معني إذا ما جاءت مترددة ومتأخرة, كمن يقرر السفر بعد مغادرة القطار, وعندئذ لا يصبح للقرار فائدة, ولا يتبقي إلا الندم الذي لا يجدي نفعا مع العدم. وهو من يملك نفسه في الزحام, والزحام لا يغير من تفرده ولا ينقص من قيمته, فلا يضيع في الزحام مهما بلغ عدد المزاحمين أو المنافسين أو حتي المنتقدين والمعارضين, إذ يبقي القائد قائدا وتزاحم الآخرين يضفي عليه تميزا, فيعرف القائد بين المتزاحمين والمعارضين بالأكثر لمعانا وتميزا بين معارضيه لا بين مؤيديه. وهو من يؤثر ويغير بالقليل الذي لديه مع أمانة التصرف وحكمة التوجيه ووضوح الرؤية وحسن استخدام الموارد فيحقق بالقليل أكثر مما يحققه آخرون من الكثير. وآخر الوصايا للقائد الناجح هو من لا يتوافق مع الخطأ مهما كان مؤيدوه عددا أو عتادا. والتوافق هو نوع من المسايرة للخطأ أو أنصاف الحلول أو الحلول المرنة التي يمكن تطويعها حسب الميول, ويستطيع كل تيار أن يفهم القرار أو طرق الحلول بأساليب مختلفة غير واضحة المعالم والقابلة للتطويع وفق المزاج أو سيرا مع كل لون وكل تيار. المزيد من أعمدة د. القس صفوت البياضى