قلب مصر يغلي وإن لم يتفجر بها براكين.. وبركان أيسلندا وكل براكين الأرض مازالت تنبه البشرية أن باطن الأرض يغلي ويتأجج نارا. ومن هذه الحقيقة الخطيرة بدأ العالم الاتجاه الي قلب الأرض للحصول عي طاقة جديدة أسمها الطاقة الحرارية الأرضية الكامنة وتحويلها الي كهرباء.. ورسم العلماء أول خريطة في العالم للمواقع التي يتفجر قلبها بالحرارة والتي أكدت أن مصر دخلت ضمن هذه الدول وبالذات منطقة شرق خليج السويس التي تبشر بالحصول علي طاقة حرارية تؤدي إلي تيار كهربائي قد يخدم كل انحاء مصر.. ولا يقل عما يمكن أن تقدمه محطة نووية تموله الحكومة الأمريكية وعن تفاصيل الأبحاث تحدث د. أبو الهدي محمود الصيرفي رئيس هيئة الطاقة النووية الي تحقيقات الأهرام شارحا حقائق مثيرة تخرج من باطن الأرض ويتابعها العالم كله الآن. أن قلب الأرض يغلي وتصل درجة الحرارة فيه الي آلاف من الدرجات الحرارية حيث توجد الصخور والمعادن في حالة انصهار.. * ولكن كيف أمكن استغلال هذه الحرارة المتفجرة في قلب الأرض؟ يجيب رئيس هيئة الطاقة النووية هناك استخدام مباشر في التدفئة في بيوت أوروبا الباردة عن طريق حفر آبار تضخ بخار الماء والماء الساخن من قلب الأرض الي شبكة مواسير تنتشر في البيوت أو الصوب الزراعية أو المزارع السمكية وهناك الاستخدام غير المباشر الذي يعتمد علي توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الحرارية باستخدام توربينات عملاقة.. هذه التوربينات تحتاج الي طاقة حتي تدور وباستخدام القوة المندفعة من بخار الماء يمكن تدوير التوربينات العملاقة وبالتالي الحصول علي الكهرباء..و ليس أمام البشر الا الألتجاء لمصادر الطاقة الجديدة المتجددة مثل الرياح والشمس والحرارة.. ثم الطاقة الحرارية الأرضية الكامنة ومصر لديها مخزون هائل من الطاقة المتجددة حيث يوجد بها في منطقة الزعفران أعلي سرعات للرياح في العالم.. وكذلك سطوع الشمس علي مدي السنة. دخان من الأرض * وكيف يمكن اكتشاف المناطق الواعدة من هذه الطاقة؟ هناك مظاهر سطحية كما يشرح د. أبو الهدي تعبر عن وجود هذه المناطق الغنية بالطاقة الحرارية الكامنة مثل مناطق الأحزمة النشيطة بالزلازل والبراكين.. والمناطق المدخنة التي بها انبعاثات مستمرة من بخار الماء.. وأيضا العيون الحارة مثل عيون حلوان والواحات في الصحراء الغربية وشرق منطقة خليج السويس وحمام فرعون * وعن أساليب التنقيب عن هذه الطاقة يجيب رئيس هيئة الطاقة النووية هناك اسلوب منهجي مثل الكشف عن البترول والغاز والذي يعتمد علي دراسات باستخدام تحليل صور الأقمار الصناعية والتصوير الجوي والخرائط الجيولوجية واستخدام طرق الكشف والتنقيب واستخدام القياسات الكهربائية والمغناطيسية وعمليات الرصد الحراري كلما اتجهنا الي العمق في الآبار الأستكشافية وآبار المياه الجوفية. * ولكن هل بدأت الدول بالفعل في اقتحام هذا الأمل الجديد؟ د. أبو الهدي يؤكد لي أن أول استخدام بدأ في إيطاليا سنة1904 عندما قام مواطن إيطالي بعمل بئر اختبارية في منطقة غنية بالطاقة الحرارية الكامنة, واستطاع ان يحصل علي تيار من بخار الماء القوي قام يدفعه الي مواسير تنتهي بتوربين..واستطاعت قوة البخار تدوير التوربين وبذلك حصل المواطن البسيط علي كهرباء من هذا التصميم البدائي.. * ولعل التساؤل الهام الآن: هل تعتبر تكلفة هذه الطاقة اقتصادية ؟ بالأرقام يشرح لي د.أبوالهدي عن أحدث دراسة في2001 ثبت ان حجم الاستثمار يتراوح بين800 الي3000 دولار لانتاج كيلوات من الكهرباء من الطاقة الحرارية وذلك يمثل قيمة البنية الأساسية.. ولكن تكلفة الكيلوات/ ساعة تتكلف من2 الي10 سنتات فقط ويتوقع أن تصل التكلفة من1 الي8 سنتات.. وقد تكون التكلفة في البداية عالية ولكن مع تطور الأبحاث تتحسن اقتصاديات هذه الطاقة.. كما أنها تتناسب مع سعر البترول, فكلما ارتفع سعره أصبح الالتجاء الي هذه الطاقة أكثر اقتصاديا. مصر علي خط النار * ولكن أين مصر من كل هذه المنظومة ؟ يجيب رئيس هيئة الطاقة النووية ان مصر دخلت بالفعل في طريق الحصول علي الكهرباء من حرارة الأرض مع بداية سنة1978 عندما قامت دراسة عن منطقة البحر الأحمر بالتعاون بين جامعة نيومكسيكو الأمريكية وهيئة المساحة الجيولوجية المصرية كان يقودها العالم الأمريكي بول مرجان حيث قامت بإجراء بعض القياسات الحرارية الأرضية سواء علي سطح الأرض أو خلال بعض الآبار الضحلة الموجودة في منطقة الوديان الموصلة بين وادي النيل الي البحر الأحمر مثل وادي قنا و قنا سفاجا و القصير جفت قيس فيها التدرج الحراري.. وأيضا مناطق حمامات فرعون وانتهت الأبحاث والقياسات الي خريطة تبين موقع الدراسات التي تمت.. وأكدت الدراسة ان مخزون مصر من الطاقة الحرارية الكامنة يتركز في شرق مصر وبالتحديد في شمال خليج السويس وتعتبر منطقة حمامات فرعون مثالية حيث تصل درجة حرارة سطح الآبار والعيون فيها الي70 درجة فإن من المتوقع ان يصل العمق الي درجات هائلة الارتفاع كافية لوجود بخار الماء الذي يمكن ان يدير توربينات عملاقة تستطيع بدورها انتاج تيار كهربائي شديد يغطي كثيرا من الاحتياجات. * ويبقي التساؤل: أين دور وزارة الكهرباء والطاقة ولماذا لم تتحرك الجهود للاستفادة من هذه الطاقة في خط واحد مع الجهود المبذولة الآن لاستخدام الطاقة النووية ؟ هناك بصيص من الأمل كما يضيف د. أبو الهدي بعد أن وافق د. حسن يونس وزير الكهرباء والطاقة علي عمل اجتماع مشترك بين المتخصصين في هيئة الطاقة النووية وهيئة الطاقة الجديدة المتجددة وتشكيل مجموعة عمل بين الهيئتين لإجراء داسة محددة في مناطق خليج السويس وحمام فرعون.. سوف تطبق في هذه الدراسة المناهج العالية لتقييم مخزون الحرارة الأرضية والتوسع في الدراسة لتشمل منطقة خليج السويس بالكامل.. وفي نفس الوقت لنا مشروع بحثي مع جامعة كنتاكي الأمريكية ونحاول استخدام التكنولوجيا الأمريكية للكشف عن المزيد من أسرار هذه الطاقة الواعدة.. ويضيف الرجل آملا: نحن نفتح الباب لأول مرة للكلام عن الطاقة الحرارية الكامنة.. وعندنا أمل أن يجد كل الاهتمام من الدولة!