يعرف التعصب في تراث علم النفس السياسي بأنه الميل لإصدار حكم مسبق يتصف بالجمود حيال موضوع معين, وأن تكوين ذلك التعصب يضرب بجذوره في أعماق عملية التنشئة الاجتماعية منذ الطفولة, وأنه شديد الارتباط بعملية التدريب علي الانتماء. إن الانسان وهو أقوي الكائنات يبدأ حياته, وليدا ضعيفا بالغ الضعف, عاجزا عن كفالة حياته, ومن ثم فإن استمراره حيا يتوقف علي رعاية الكبار ولايتحمل اولئك الكبار مسئولية اعاشته فحسب, بل يقدمون له مع الغذاء والحماية الملامح الرئيسية لشخصيته خاصة فيما يتعلق باتجاهاته نحو جماعته ونحو الجماعات الأخري, وتشارك الاسرة في عملية التنشئة الاجتماعية هذه بقية المؤسسات الإعلامية والدينية والتعليمية. وتختلف عملية التنشئة الاجتماعية بين جماعة وأخري فيما يتعلق بتحديد مدي الاختلافات العرقية والتاريخية والدينية والجغرافية بل والسلوكية المسموح بها في نطاق تشكيل جماعة الانتماء ومن ثم فإن عملية التنشئة الاجتماعية إيا كان نمطها تتضمن حتما نوعا من التدعيم لتمايز تلك الجماعة عن جماعات الآخرين الذين تتعدد صورهم, وتتباين الأساليب التي نتدرب علي إتباعها حيالهم, فهناك الآخر المجهول والآخر الصديق والآخر العدو وتتسم الأساليب التي نتدرب علي إتباعها حيال الآخر المجهول بطابع الاستكشاف الحذر, ومحاولة التعرف, بهدف تبين ما إذا كان ذلك المجهول صديقا أم عدوا, ونتدرب كذلك علي اساليب التعامل مع الآخر الصديق, وهي تتسم غالبا بطابع التعاون المتبادل, والتنافس السلمي, في إطار من الحرص علي التمايز. أما بالنسبة للآخر العدو, فأساليب التعامل معه شديدة التباين, إذ يتدخل في تشكيلها طبيعة توازن القوي بين جماعة الانتماء وذلك الآخر العدو وقد تجمع تلك الأساليب بين التجاهل, والمقاطعة, والملاينة, والعنف.. إلي آخره. ومن خلال تفاعل تلك الصور الثلاثة للآخر, يتشكل ما يمكن أن نطلق عليه عالم الآخرين, وقد يكون ذلك العالم في مجمله أميل إلي أن يكون معاديا يكاد يخلو من الآخر الصديق. وقد يكون أحيانا عالما صديقا يقل فيه وجود الآخر العدو كما قد تغلب عليه في بعض فترات النمو النفسي أو التغير الاجتماعي كونه عالما مجهولا علينا استكشافه وتصنيفه, وغني عن البيان أن تشكيل العقل المتعصب يقوم علي ترسيخ صورة العالم المعادي لجماعة الانتماء. ونظرا لأن التعصب قد اكتسب سمعة اجتماعية سيئة, فإنه يندر أن يصف أحدنا نفسه بأنه متعصب, وكثيرا ما نلصقها بالآخرين. ولقد أتيح لي ولعدد ممن درسوا علي اجراء عدة دراسات تهدف للتعرف علي أهم الخصائص النفسية التي تميز الشخص المتعصب بصرف النظر عن موضوع تعصبه سواء كان حزبا سياسيا أو زعيما تاريخيا أو مذهبا دينيا, أو حتي فريقا للعب الكرة. وأسفرت تلك الدراسات عن مجموعة محددة من الخصائص. ويستطيع كل منا أن ينظر إلي أي جماعة أخري تختلف عنه في الدين أو الجنس أو الثراء أو اللون أو المهنة أو حتي الموطن الأصلي, ثم يرصد مدي موافقته علي العبارات التالية, ليعرف مباشرة درجة تعصبه: 1 إن السمة الغالبة لدي أبناء الجماعة الأخري هي ضعف القدرة علي استعمال المنطق, وإلا فكيف نفسر عجزهم عن الاقتناع بمواقفنا, وتمسكهم بترهاتهم الساذجة؟ ويختلف تحديد طبيعة تلك الترهات باختلاف هوية الجماعة المقصودة, فقد تكون فكرا إيديولوجيا, أو معتقدا دينيا, أو حتي نشرات دعائية, أو مجرد هتافات جماهيرية. إن مجرد الاستماع إلي ما يقولونه مضيعة للوقت, فضلا عن أن النقاش الفردي معهم قد يعرض البسطاء منا لتضليلهم. 2 إن الحوار مع أبناء الجماعة الأخري بهدف إقناعهم بالحقيقة ودعوتهم إلي طريق الحق الذي هو في صالحهم في النهاية لم يعد مجديا. إنهم متعصبون جامدون لاتجدي معهم سوي القوة, وأن تظل لنا اليد العليا باستمرار, وألا تخدعنا محاولة بعضهم ادعاء الموضوعية واللين إن أي محاولة للتساهل معهم سوف لاتعني لديهم سوي ضعفنا وتخاذلنا. 3 إن أبناء الجماعة الأخري في الحقيقة خارجون علي الأصول الصحيحة التي ينبغي الالتزام بها, والتي نلتزم نحن بها دائما. وبطبيعة الحال تختلف تلك الأصول باختلاف هوية الجماعة المقصودة, بحيث قد تتمثل في صفارة الحكم, أو حسن الخلق, أو الشرعية القانونية, أو الدين الصحيح, أو النظرة الموضوعية...الخ 4 إن وجهة نظرنا تمثل رأي غالبية جماعتنا بكل تأكيد, وأية مؤشرات تشير إلي غير ذلك فإنها أيا كانت مجرد زيف وتضليل خاصة أن أولئك الآخرين مهرة في عمليات الخداع والتزييف. 5 ينبغي ألا نفرق في مواجهتنا لأبناء الجماعة الأخري بين المفكرين والمنفذين, أو حتي بين الموافقين والمعارضين في صفوفهم, فكلهم نسيج واحد, يحاولون بلعبة توزيع الأدوار هذه تشتيت جهودنا وإيقاعنا في حبائلهم. إن ما يبدونه من تنوع في المواقف ليس سوي نوع من الخديعة. 6 ينبغي أن ننقي صفوفنا من أولئك المتخاذلين الذين يدعون إلي اقامة حوار معهم. صحيح ؟؟ أنهم أبناؤنا ولكنهم إما سذج نجح الآخرون في تضليلهم, او لعلهم عملاء نجح الآخرون في دسهم داخل صفوفنا. ولعلنا لا نبالغ إذا ما أشرنا إلي أن قراءتنا للواقع المصري الراهن ترجح أن غالبية القائمين علي صناعة المزاج العام في بلادنا قد اتفقوا رغم تباين مشاربهم ومبرراتهم علي تدعيم صورة مؤداها أننا جميعا علي شفا كارثة, وأن كل جماعة منا محاطة بعالم من الآخرين يناصبونه العداء, ولسنا في حاجة لتبين تأثيرات ذلك المناخ علي تعاملنا مع الواقع المحيط بنا, فهي تأثيرات جلية لاتحتاج إلي بيان.