علي الرغم من التوصل إلي اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و غزة والذي يطلق عليه مجازا( هدنة) وذلك منذ مساء الأربعاء21 نوفمبر من خلال وساطة كل من مصر وقطر وتركيا, وذلك بمباركة أمريكية, وإشادة أوروبية, فإن إسرائيل اخترقت ذلك الاتقاق بعد24 ساعة من إنجازه عندما أطلقت النار علي مجموعة من المزارعين عند عودتهم إلي أراضيهم بالقرب من خطوط الهدنة, مما أدي إلي مقتل أحدهم. و لم يكن ذلك هو التجاوز الوحيد, فحتي وقتنا الراهن تقوم إسرائيل بخروقات مستمرة غير مكترثة لردود الأفعال سواء من جانب الفصائل في غزة أو من جانب مصر التي تعد الضامن للطرفين في تطبيق تلك التهدئة( الهشة) في غزة. وتستوجب تلك الخروقات الكشف عن ماهية الأهداف التي تريدها إسرائيل, علاوة علي الرسائل التي تحاول أن تبعث بها إلي جمهور الناخبين بالداخل. والتي يمكن استقراؤها واستخلاصها من خلال مضامين اتفاق التهدئة والذي أفصحت الأيام الماضية عن العديد من الأمور الغامضة التي طغت علي العديد من بنوده, والتي كشفت عن مدي الاختلاف ما بين المعلن عنه والتفاهمات السرية غير المعلن عنها, فمن ناحية لم ينكسر الحصار المفروض علي القطاع ولم يتوقف استهداف المواطنين ولا الاجتياحات الجزئية, بما يعني أن الفائز بتلك التهدئة هو إسرائيل, حيث استطاعت من خلال دور مصر أن تلزم حماس ليس فقط بوقف إطلاق الصواريخ علي إسرائيل بل التزامها بمهمة حماية الحدود الأمنية الجنوبية لإسرائيل من خلال إلزام الفصائل الفلسطينية الأخري بهذا الاتفاق وفي مقدمتها الجهاد الإسلامي. وقد كانت الفتوي الصادرة من غزة, التي تحرم اختراق الهدنة بأي شكل من الأشكال طالما احترمها الطرف الآخر إلا من بين الدلائل التي تشير إلي حرص حماس علي عدم التصعيد مع إسرائيل وأن لا تفقد حليفها الإخواني في مصر. كما لم تكن الإشادة الأمريكية والإسرائيلية بالدور المصري في تلك الهدنة إلا تعبيرا عن أنه يوجد خلف الكواليس تفاهمات أخري تضمن من خلالها واشنطن حماية أمن إسرائيل, أي أن إسرائيل أرادت أن تبعث برسائل عدة وتخرج من حالة الصمت المؤقت( المتفق عليه) وارتضاءها بأن تبدو وكأنها كانت الطرف الخاسر من تلك التهدئة, في الوقت الذي كانت تشاهد حماس وهي تحتفل بانتصار ضبابي وهدنة تضمن تقويضا للمقاومة. لتبرهن لجمهور الناخبين في إسرائيل أن عملية عمود السحاب نجحت في ردع المقاومة في غزة, من خلال استنفاد معظم مخزونها من الأسلحة وأنها غير مهيأة لخوض معركة جديدة, خاصة أنها لم تعالج بعد آثار الهجوم الأخير. هذا في الوقت ذاته الذي أعلنت فيه واشنطن التزامها بتمويل إضافي للقبة الحديدية وغيرها من البرامج الصاروخية الدفاعية لحماية إسرائيل, والقادرة علي اعتراض صواريخ شهاب الإيرانية. علاوة علي تلك الأهداف والرسائل الإسرائيلية فإنه يوجد درسا يجب أن تستخلصه المقاومة في غزة مفاده أن مصر بقيادة الإخوان وبتوجيهات جهاز المخابرات المصرية- الذي يتحكم في خيوط العلاقات المصرية, الإسرائيلية- تلتزم بثوابت لا يمكن تجاوزها. وعلي إيران أن تعلم أن مصر تحت أي قيادة مهما تختلف توجهاتها السياسية لن تتجاوز حدود القيام بدور الوسيط في أي نزاع مع إسرائيل دون تصعيد المواجهة معها وأنها لن تتورط في فخ حربها بالوكالة مع إسرائيل في غزة دون النظر لاعتبارات الأمن القومي المصري, وخاصة في ظل التناحرات السياسية والتحديات الاقتصادية. ومن ثم فإن القضية الفلسطينية في أمس الحاجة لأن يتوحد البيت الفلسطيني بعيدا عن لغة التخوين التي لم يخسر فيها أحد إلا الشعب الفلسطيني وألا يعولوا كثيرا علي أي دور خارجي لمصر يقتضي التصعيد مع واشنطن أو إسرائيل, خاصة مع تشرذم الجبهة الداخلية. وأن تتم صياغة استراتيجية موحدة للمقاومة تستند إلي المصالحة, تضع في مقدمة أولوياتها خدمة الأجندة الوطنية الفلسطينية التي ضاعت ملامحها بفعل الانقسام والتوسع الإستيطاني.