أكد نص اتفاق الهدنة فى قطاع غزة عن ثقل وقيادة مصر فى المنطقة وقدرتها على التواصل مع كافة الأطراف المعنية ونجاحها في إدارة الأزمات والتوصل إلى تفاهمات خاصة بوقف إطلاق النار .. فبعد ثورة 25 يناير وأحداث الربيع العربى .. ظهر الدور المصرى الرسمى جليا على المستوى الأمنى فى التعاطى مع مسألة الوساطة . وكان من الواضح أنه حتى تمام التاسعة من مساء أمس ، ظلَّ إطلاق النار متبادلا بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، لأن أي من الطرفين لا يريد للآخر أن يكون هو مطلق الرصاصة الأخيرة، فالمسألة كانت، ولا تزال، صورة النصر المراد إظهارها، من كل طرف لجمهوره. ومن الناحية الفعلي ، يمكن للمقاومة في غزة أن تعلن، وبحق، انتصارها الذي حققته بتراكم جهد هائل على مدى أربع سنوات مرت على حرب (الرصاص المسكوب) . ويرى المحللون أن شروط الهدنة التي تمت برعاية مصرية وشهادة أمريكية تعنى أن المقاومة خرجت من المعركة التي بدأها الاحتلال باغتيال قائد المقاومة أحمد الجعبري، بوضع أفضل مما كانت عليه قبل أن تدخلها، ونجحت في كسر الحصار البري والبحري والجوي عن القطاع، الذي قارب 7 سنوات، وألزمت إسرائيل بوقف الاغتيالات ، وكان لافتا أن الاتفاق لم يشر من قريب ولا من بعيد إلى مسألة وقف نقل الأسلحة إلى القطاع . وجاء إعلان وقف إطلاق النار رسميا من قبل وزير الخارجية محمد كامل عمرو مع نظيرته الأمريكية هيلارى كلينتون بعد لقائها الرئيس محمد مرسي ، في مؤتمر صحفي ، ليعزز من انتصار المقاومة بحسب قول رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس) خالد مشعل .. موضحا أن واشنطن باتت شاهدة على هذا الاتفاق الذي تم برعاية مصرية . وأعلن وزير الخارجية المصري وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل.. مؤكدا أن الاتفاق تم برعاية الرئيس المصري .. آملا من كل الأطراف احترام التفاهمات، ومشيدا بالجهود التي بذلتها تركيا وقطر . بدورها، قالت كلينتون إن الحكومة المصرية الجديدة تضطلع بدور قيادي مسئول في المنطقة .. في حين قال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات إن عباس أكد لوزيرة الخارجية الأمريكية أن بوابة التوصل إلى الهدنة هي مصر التي تبذل جهودا كبيرة على الدوام في هذا المجال . ورأى مشعل أن روح ثورة 25 يناير كانت حاضرة في التوقيع على اتفاق التهدئة، وكذلك شهداء ثورة 25 .. مشددا على ضرورة إنهاء الانقسام وطرح العمل السياسي والدبلوماسي ، ولكنه أكد في الوقت نفسه أهمية وجود المقاومة لكي تحاور وتفاوض .. داعيا السلطة والرئيس محمود عباس إلى سرعة إنجاح المصالحة . وتتجه آمال المحللين إلى أن تثبت فصائل المقاومة وخصوصا حركة حماس قدرتها على إدارة المعركة السياسية باقتدار كما أدارت المعركة العسكرية باقتدار أيضا ، وذلك بإنهاء الانقسام وللاتفاق على برنامج تعزيز المقاومة الشعبية كثقالة سياسية والمقاومة الدبلوماسية في الأممالمتحدة . وأصدرت الرئاسة المصرية بيانا صحفيا أعلنت فيه بنود اتفاق الهدنة الذي تم برعاية الرئيس المصري محمد مرسي ، ذكرت فيه "ومن منطلق المسئولية التاريخية المصرية تجاه القضية الفلسطينية وحرصا من مصر على وقف نزيف الدم وحفاظا على استقرار الأوضاع والأمن في المنطقة .. بذلت مصر جهودا حثيثة وأجرت اتصالات مكثفة منذ بدء التصعيد الأخير في قطاع غزة مع كل من القيادة الفلسطينية وفصائل المقاومة والجانب الإسرائيلي والقوى الدولية الكبرى المعنية وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة" . وأضاف البيان " أسفرت هذه الجهود وتلك الاتصالات عن التوصل لتفاهمات لوقف إطلاق النار وإعادة الهدوء ووقف نزيف الدم الذي شهدته الفترة الأخيرة، وقد تحددت ساعة وقف إطلاق النار بالساعة التاسعة بتوقيت القاهرة يوم الأربعاء ". ورغم أهمية الهدنة التي أعلنت أمس، وضرورتها لوقف آلة القتل الإسرائيلية، إلا أنها تدل فى رأى المحللين على وجود طبقة كثيفة من الدخان الذي يقصد به التعمية على مؤشرات تدعو إلى القلق على مستقبل القضية الفلسطينية .. مما يؤدى إلى الحذر والتنبه حول استراتيجية المقاومة بعد هذا الانتصار . ورأى بعض المعلقين أن ما حققته إسرائيل في اتفاق وقف النار هو إنجاز تكتيكي يتمثل في إعادة الهدوء إلى منطقة غلاف غزة، فيما تعتبر نقطة الضعف الرئيسية بالنسبة لتل أبيب هو عدم وضوح الإطار الزمني الذي يستند إليه، فضلا عن عدم إشارته إلى أحد المطالب الإسرائيلية الرئيسية، وهو وقف تزويد فصائل المقاومة الفلسطينية بالسلاح . كما شكك رؤساء عدد من البلديات في جنوب إسرائيل بجدوى اتفاق وقف النار وقدرته على الصمود .. منهم رئيس بلدية عسقلان بيني فاكنين . ويشير المحللون إلى أن القضية الأساسية التي شغلت المسئولين الإسرائيليين خلال حربهم على غزة هي صواريخ (فجر 5) مما يؤكد أن طهران نقلت تقنياتها إلى المقاومين في غزة ، وتوقعت إسرائيل أن تحاول إيران استئناف إدخال الصواريخ إلى قطاع غزة، وخاصة صواريخ (فجر 5) المتوسطة المدى، فيما أكد القائد العام لحرس الثورة الإسلامية في إيران اللواء محمد علي جعفري، أن طهران لم ترسل أية أسلحة إلى غزة بشكل مباشر، وإنما نقلت إليها تقنية تصنيع صاروخ (فجر 5). كما أعلن اللواء جعفري، على هامش افتتاح المنظومة التصويرية للتعبئة (الباسيج) ، أن إيران لم ترسل أية أسلحة بشكل مباشر إلى غزة، قائلا "نحن فقط نقلنا وسننقل تقنيتنا على الصعيد العسكري إلى غزة وباقي الشعوب المضطهدة والمسلمة التي تتصدى للمتغطرسين والمستكبرين " ، حسب قوله . وتحولت القاهرة إلى عاصمة الاتصالات واللقاءات فلسطينيا وسوريا وإسرائيليا أعاد إليها نبضا افتقدته . وبذلت مصر جهودا مع (الجهاد الإسلامي) لضمان انخراطها في الهدنة، وهو الأمر الذي يمثل جزءا كبيرا من العقبات التي أزيلت أخيرا .. إلا أن الجانب الفلسطيني يبدي تخوفا بعد صفقة (جلعاد شاليط) من عدم التزام إسرائيل بالاتفاق الذي يتم التوصل اليه. ورأى محللون أن ما يؤخر التنفيذ الكامل للهدنة .. أن الإسرائيليين يفضلون الاكتفاء بتفاهمات شفهية، فكتابة الشروط تقيد حرية العمل العسكري لإسرائيل في المستقبل وتعرض الوثيقة المكتوبة رئيس الحكومة والوزراء لانتقاد عام . واعتبر المحللون أن لا أحد على المستوى السياسي في إسرائيل يؤمن بأن الشروط سواء كانت مكتوبة أم لا ستصمد زمنا طويلا .. زاعمين بأن واحدة من المنظمات ستطلق في وقت ما قذيفة صاروخية على جنوبي الأراضي المحتلة مع احتمالية وجود شحنة ناسفة في وقت ما عند الجدار، ويضطر الجيش الإسرائيلي إلى أن يعود ويعمل خلف الجدار لإبطال شحنات ناسفة أخرى". وأشار المحللون إلى أن طول عمر الهدنة ستحدده العوامل القسرية ومصالح الطرفين في المستقبل لا جملة شروط مكتوبة في مكان ما. وكانت صحيفة (معاريف) الإسرائيلية قد نقلت عن مسئولين إسرائيليين قولهم إن حماس وافقت على البنود التي تكف بموجبها هي وإسرائيل عن إطلاق النار ، وبحسب التفاهم، توقف حماس الصواريخ نحو إسرائيل، وتوقف الهجمات على السياج، وتفرض إمرتها على الفصائل الأخرى في حال محاولتهم خرق وقف النار ، أما إسرائيل ، فتوقف ليس فقط الحملة الجوية ضد غزة بل أيضا كل الهجمات ". وأضافوا أن إسرائيل ستدرس وقف النار من جانب حماس على مدى الزمن كي ترى إذا كانت تحترم الهدوء أم لا ، وعندما يثبت أن حماس استوفت بنود وقف النار، ستبحث إسرائيل شروطا مختلفة من حماس وبالعكس .. مثل مسألة التسهيلات في المعابر ومسألة التصفيات ، حيث تطالب إسرائيل، باستمرار وجود (الحزام الأمني في الجانب الغزي من الجدار) ، وهو ما تعارضه حماس. وأعتبرت صحيفة (يديعوت أحرنوت) الإسرائيلية "أن حماس يمكنها أن تدعي أن امتناع إسرائيل عن العملية البرية يعود إلى خوفها وأن تجنيد القوات الاحتياطية كان استعراض عضلات لا أكثر . ويرى المحللون أن الفلسطينيين حصلوا في الاتفاق على وقف الاغتيالات وعلى تسهيلات في الإغلاق على القطاع، وهذه مخاطرة محسوبة من جانب إسرائيل لا تضر بالضرورة بأمنها وتوفر لها ربحا في الأسرة الدولية . واختتم المحللون تعليقهم قائلين إن إسرائيل سبق وأجرت في الماضي تفاوضا مع حماس وهي تجري معها الآن تفاوضا ، قد لا يكون مباشرا وقد يكون في غرف مستقلة وربما يكون عن طريق وسيط، لأنه لا يوجد مناص آخر .. حيث أنها لا يمكنها إسقاط حماس ولا يمكن احتلال غزة مرة أخرى، ولا يمكن العيش مع جولات عنف كهذه فلا مفر سوى التحادث، ولا يوجد في غزة جهة أخرى تحادثها".