سامح كريم : في هذه الأيام التي نعيشها الآن, تتضاعف الحاجة إلي التجاوب بين المتلقي وبين أجهزة الاتصال المقروءة والمسموعة والمرئية, وتصبح الحاجة ضرورية وملحة الي لغة خاصة هي اللغة الوسطي.. هذه اللغة هي التي بين الفصحي والعامية والتي ينبغي أن تستخدمها هذه الأجهزة في خطابها اليومي للجماهير, بحيث تؤدي الي إدراك المعاني التي تحملها ألفاظها, وتطوع البيان العربي لمقتضيات التعبير العصري, وتلزم اللهجة العامية لمطالب التعبير الفصيح, وتتزايد الحاجة الي لغة ميسرة تخاطب العقل والوجدان. فلو ان هذه الأجهزة المقروءة والمسموعة والمرئية استخدمت اللغة الفصيحة, استخداما حرفيا لضاق منها المتلقي غير المتخصص, حيث ان بعض كلماتها قد أصابها الوهن والضعف, إن لم تكن قد ماتت بالفعل, ولو ان هذه الأجهزة اقتصر استخدامها علي العامية وحدها لاستعصي فهمها علي الأشقاء العرب, بل ربما أصبحت مستعصية أيضا علي المصريين أنفسهم في بعض المدن كالقاهرة والإسكندرية, وذلك عندما لا يستوعب المتلقي فيها لغة أهل بعض قري ونجوع وكفور بعض أقاليم مصر في الصحراء الغربية والشرقية, أو جنوب الصعيد والنوبة. وهناك حقيقة تقول إن تطور اللغة العربية الفصيحة يواكب حركة الحياة نفسها التي هي بطبيعتها متجددة, ولن يكون ذلك التطور إلا بتأثرها بلغة الحياة التي تجري علي ألسنة الأحياء أنفسهم, بحيث تنشأ لغة وسطي تنساب فيها الكلمة الجزلة الرصينة مع الكلمة العامية المتداولة, في نسق مقبول تحفظه عين القارئ للصحيفة والمجلة, وتلتقطه أذن المستمع من الإذاعة, ولا تخطئه متابعة المشاهد للتليفزيون والسينما والمسرح, ثم إن هناك استحداث لغة جديدة تتطلبها الثقافة الإلكترونية التي تختلف عن الثقافة الورقية, حيث تتطلب تعاملا خاصا في طريقة التناول واختيار الألفاظ. ولو لم تكن هذه اللغة الوسطي مطلوبة ما كان قد اهتم بها بعض أعضاء مجمع اللغة العربية, ومنهم عيسي اسكندر المعلوف وعبدالقادر المغربي وفريد أبوحديد ومحمود تيمور والعقاد والمازني والزيات وشوقي أمين.. مع إدراكهم الشديد أن المجمع مهمته الأساسية المحافظة علي سلامة الفصحي, كذلك لو لم تكن هذه اللغة الوسطي مطلوبة وأنها علي قدر معقول من الأهمية والثبات, لما قام الدكتور محمد داوود التنير برصد هذا الحشد من الكلمات والألفاظ العامية المفصحة التي يصل عددها الي ألف وأربعمائة كلمة ضمها كتاب عنوانه ألفاظ عامية فصيحة, ووضعها تحت بصر لجنة اللهجات بمجمع اللغة العربية لإقرارها والتصديق عليها, ولو لم يكن هذا الإحصاء للكلمات العامية المفصحة والأمثلة الكثيرة علي حق لما قال عنها الدكتور شوقي ضيف رئيس مجمع اللغة الأسبق إنها: تنير الطريق الي عملين لغويين كبيرين, أولهما التقاط الكلمات الفصيحة من العامية وتدوينها, وثانيهما رد الكلمات العربية التي حرفتها العامة الي صورتها الفصيحة. يضاف الي رأي الدكتور ضيف عمل آخر هو تحقق لغة وسطي تتطلبها حاجة المتعامل يوميا مع أجهزة الاتصال داخل منظومة حياتنا المعاصرة التي هي بطبيعتها متجددة ومتطورة.