ثقافتنا المعاصرة هل تحتاج إلي لغة وسطي بين الفصحي والعامية,? وأجهزة الاتصال بالجماهير فيها هل هي في حاجة إلي هذه اللغة الوسطي التي تيسر إدراك المعاني التي تحملها كلماتها وألفاظها؟ ثم إن تطويع كل من البيان العربي الأصيل لمقتضيات التعبير العصري من ناحية, واللهجة العامية الصميمة لمطالب التعبير بالفصحي من ناحية أخري هل يحتاج كل منهما الي هذه اللغة الوسطي؟ هذه التساؤلات وغيرها ربما تفرضها طبيعة الحاجة الي هذه اللغة الوسطي خاصة في أجهزة الاتصال بالجماهير( صحافة وإذاعة وتليفزيون) تلك التي تخاطب عامة الناس, حيث إنه إذا استخدمت هذه الأجهزة اللغة الفصحي في المخاطبة استخداما حرفيا ضاق الناس منها وازوأروا, لأن بعض كلمات هذه اللغة الفصحي ربما يكون قد أصابها الوهن والضعف أو حتي الموت, كما يحدث لأي لغة من اللغات, ومن ناحية أخري قد يستهين المتلقي ولا يقتنع خاصة إذا كان مثقفا بما يقرأ أو يسمع أو يشاهد إذا كان بلغة عامية ركيكة مفتقرة إلي التعبير الرصين.. يحدث هذا علي الرغم من أن لغتنا العربية لغة مرنة استطاعت علي مر الزمن أن تواكب تطور الحياة في تغيرها المستمر, بحيث تعطي وتأخذ في سهولة ويسر, وهذه المواكبة لتغير الحياة لن تكون إلا بتأثرها بلغة الحياة نفسها, تلك التي تجري علي ألسنة الناس أنفسهم بحيث تنشأ لغة وسطي تنساب فيها الكلمة الفصيحة الجزلة مع الكلمة العامية المتداولة في نسق مناسب تحفظه عين القارئ وتلتقطه أذن المستمع وينتبه إليها المشاهد أثناء تلاحق الصور واللوحات المتحركة. ولو لم تكن هذه اللغة الوسطي مطلوبة في ثقافتنا, لما كان قد اهتم بها بعض أعضاء مجمع اللغة العربية في سعيهم لايجاد لغة مناسبة في خطابنا الاعلامي, حيث ناقشوها أكثر من مرة تمهيدا لإقرارها وكان أكثرهم اهتماما بها عضو المجمع الكاتب الراحل ابراهيم عبدالقادر المازني حيث أشار الي ضرورة وجود هذه اللغة في ثقافتنا, بل والأكثر من ذلك استخدمها في كتاباته, مخالفا سائر كتابات معاصريه من الرواد, دون انتظار منه لإقرارها, فكان اسلوبه بحق يطوع البيان العربي لمطالب التعبير المعاصر, فلا يحفل بما كان يعني به غيره من كتاب المقالات من الاهتمام بالمحسنات اللفظية دون الاهتمام بالمعاني والافكار ولعله بذلك كان لايتحرج من استخدام الكلمات العامية مادامت توجد في لغتنا الفصحي, مما جعل أسلوبه لا يتميز بخصائص اللفظ فحسب, بل بخصائص المعني أيضا, وتلك سمة تميزت بها كتاباته, حيث تتكشف للقارئ دخائل من جوهر الحياة العادية, وحقائق من قلب المجتمع, وجوانب من أحوال الناس, ولم يكن مستغربا والأمر كذلك ان يكون أسلوبه علي هذا النحو نموذجا للغة الوسطي في ثقافتنا. ولعل المازني كشف عن اسرار أسلوبه السهل الميسر حين قال: لا أري داعيا لاجتناب هذه الألفاظ العامية وأكثرها مأنوس وكلها متداول, والاستغناء عنها بألفاظ أخري نستخرجها من بطون الكتب القديمة فليس من الضروري أن تكون الكلمة جاهلية حتي يجوز استعمالها فإن هذا جمود يؤذي اللغة العربية وكل لغة في الدنيا تقتبس الفاظا من اللغات الأخري, أو تصنع ألفاظا جديدة تعبر بها عن حاجاتها الجديدة ولا يضيرها ذلك إلي أن يقول: وأين في هذه الدنيا لغة لم تدخل فيها ألفاظا ليست في الاصل من معدنها, وليس في وسع المتحرجين أو المتشددين أن يحولوا دون ذلك, وهكذا كانت نظرية المازني في استحداث لغة سهلة ميسرة للكتابة. المزيد من مقالات سامح كريم