كنت- دائما- ضد دعاوي المقاطعة في أية عملية للاقتراع أو الاستفتاء علي امتداد عمري, إذ وقر في ضميري أن وجود الانسان لذاته لا ينفصل عن فكرة التغيير الذي يمتد به وبمجتمعه إلي قدام, ويحقق رسالته الانسانية وبصمته علي الزمن الذي عاش فيه. والتغيير لايحدث بالمقاطعة, وإنما بكامل الاندماج والمشاركة. وأيا كانت انتماءات كل منا الفكرية والسياسية التي يبني عليها موقفه في استفتاء اليوم علي مسودة الدستور الجديد, فإن تلك الطاقة الايجابية التي تدفع أينا إلي قبول أو رفض الدستور هي التي يحتاجها الوطن, وتجعل من كل واحد فينا مواطنا له رسالة. الامتناع عن التصويت هو عمل يسلمنا إلي الندم كما ندمنا من قبل في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية السابقة. قف أمام الصندوق, واطرح رأيك, وحتي لو كنت ترفض ذلك الدستور الجديد مثلي فاعلم أن نضالك ضده يبدأ حين تعلم بقلمك علي الدائرة السوداء(x), وليس حين تتمنع أو تشيح بوجهك, أو تدير الأكتاف. الحياة لم تتوقف حين تخاصم المشاركة الفاعلة, ولكن قوي التغيير ستتضرر قطعا- وتفقد واحدا من أصولها الثابتة وعناصرها المؤثرة بغيابك عنها, واستسلامك لليأس. علينا- عبر الحوار- أن نحدد مطالبنا في تعديل بعض مواد ذلك الدستور, وإذا لم يطرحه الدكتور رئيس الجمهورية علي البرلمان القادم فعلينا أن نطرحه نحن, حين تناضل قوي المعارضة مجددا كي تهندس وجودا معتبرا في البرلمان يجعل لها ارادة سياسية حقيقية تؤثر في توجيه دفة الأمور, وتلك هي الديمقراطية التي لا ينفع معها تجزيء أو ابتسار. النضال ليس فقط في الشوارع( علي أهميته ونبله) ولكن النضال ينبغي أن يبيت اسهاما بالطاقة الايجابية في توجيه شراع سفينة الوطن نحو مستقبل افضل وأفق مفعم بالأمل. ولذلك لم أصادق- أبدا علي رأي قوي رفاق الوطن عن حزب التجمع, وحركة6 أبريل( الجبهة الديمقراطية) وتيار السلفية الجهادية حين قرروا مقاطعة الاستفتاء, وأدعوهم- جميعا- إلي تأمل كل الاستفتاءات والانتخابات التي امتنع البعض عن المشاركة فيها زمن الرئيسين السادات ومبارك.. إذا لم تنجح أي من تلك المقاطعات في تأسيس واقع جديد أو تغيير يأخذ مكانه علي الأرض. الحديث عن أن الامتناع يفقد الاستفتاء شرعيته هو كلام مع كثير الأسف لا يعني شيئا, وهو دعوة إلي عمل عدمي لا يصوغ موقفا تغييريا أو تقدميا. والأصل أن تكون القوي والحركات الحزبية والثورية والفكرية مرتبطة بصناعة( الوجود) وليس بتأشسيس وتكريس( العدم). الطاقة الإيجابية مرة أخري- هي التي تحتاجها مصر اليوم. المزيد من أعمدة د. عمرو عبد السميع