احتفاءا بالوفاء.. صور لتكريم الراحلين والمتقاعدين والمتميزين في جامعة القاهرة    طفرة.. وزير الاتصالات: ارتفاع عدد مراكز التعهيد من 66 إلى أكثر من 200 خلال عامين    الأقصر تتزين لاستقبال ملك إسبانيا.. والمحافظ يتابع الاستعدادات ميدانيًا (صور)    الملك تشارلز: نعمل مع أمريكا في ملف أوكرانيا من أجل ردع العدوان وتحقيق السلام    الكشف عن آخر تطورات إصابة أشرف داري لاعب الأهلي    الرياضية: بنزيمة يخضع لبرنامج علاجي في فرنسا    "الأول تاريخيا".. محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية مع ليفربول    سيطرة مصرية.. أمينة عرفى تتأهل لنصف نهائى بطولة CIB المفتوحة للإسكواش 2025    هل يقاطع منتخب إسبانيا كأس العالم 2026 في حالة مشاركة إسرائيل؟ الحكومة تجيب    حريق داخل محل ألعاب أطفال بمدينة نصر    وزير الثقافة يترأس اجتماع المجلس الأعلى للثقافة لمناقشة خطة التطوير الشاملة    إيناس مكي تكشف حقيقة وجود خلافات مع شقيقها أحمد مكي    انتهاء تطوير وحدة جراحات العيون بمستشفى الشيخ زايد التخصصي    زيلينسكي: نتوقع الحصول على 2.9 مليار يورو لشراء أسلحة أمريكية    وئام مجدي بإطلالة جذابة.. لماذا اختارت هذا اللون؟    الاستعلام عن الأسماء الجديدة في تكافل وكرامة لشهر سبتمبر 2025 (الخطوات)    في خطوتين بدون فرن.. حضري «كيكة الجزر» ألذ سناك للمدرسة    700 فصل و6 مدارس لغات متميزة جديدة لاستيعاب طلاب الإسكندرية| فيديو    وزير الأوقاف يشهد الجلسة الافتتاحية للقمة الدولية لزعماء الأديان في «أستانا»    حمدي كامل يكتب: السد الإثيوبي .. من حلم إلى عبء    بوتين يبحث هاتفيًا مع رئيس وزراء الهند الأزمة الأوكرانية وتطورات العلاقات الثنائية    لأول مرة.. ترشيح طالب مصري من أبناء جامعة المنيا لتمثيل شباب العالم بمنتدى اليونسكو للشباب 2025    "أطباء بلا حدود": إسرائيل تمارس العقاب الجماعي على أهالي قطاع غزة    أرتيتا يتفوق على فينجر بعد 25 مباراة في دوري أبطال أوروبا    حسام حبيب يحيي حفل العيد الوطني السعودي ال 95 بالقاهرة    دينا تطلق أول أكاديمية متكاملة لتعليم الرقص الشرقي والفنون في مصر    هل الحب يين شاب وفتاة حلال؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم كثرة الحلف بالطلاق؟.. أمين الفتوى يجيب    اختلت عجلة القيادة..مصرع شخصين بمركز المراغة فى سوهاج    من «كامبريدج».. تعيين نائب أكاديمي جديد لرئيس الجامعة البريطانية في مصر    احتجاجات واسعة في لندن ضد زيارة ترامب لبريطانيا    إصابة شاب بإصابات خطيرة بعد أن صدمه قطار في أسوان    حقيقة اختفاء 5 قطع أثرية من المتحف اليوناني في الإسكندرية    أيمن عبدالعزيز يعلن تمسكه بعدم العمل في الأهلي.. وسيد عبدالحفيظ يرد    كيليان مبابي يعلن غيابه عن حفل الكرة الذهبية 2025    محافظ أسوان يشهد الحفل الختامي لتكريم القيادات النسائية    مدارس «القليوبية» تستعد لاستقبال مليون و373 ألف طالب    فوائد السمسم، ملعقة واحدة لأبنائك صباحا تضمن لهم صحة جيدة    إحالة شكاوى مرضى في وحدة طب الأسرة بأسوان للتحقيق    80%ملكية أمريكية.. ملامح الاتفاق الجديد بين الولايات المتحدة والصين بشأن "تيك توك"    خالد الجندى: الإنسان غير الملتزم بعبادات الله ليس له ولاء    قرار قضائي جديد بشأن طفل المرور في اتهامه بالاعتداء على طالب أمام مدرسة    عاجل- رئيس الوزراء: مصر ثابتة على مواقفها السياسية والإصلاح الاقتصادي مستمر رغم التحديات الإقليمية    ڤاليو تنفذ أول عملية مرخصة للشراء الآن والدفع لاحقاً باستخدام رخصة التكنولوجيا المالية عبر منصة نون    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في المنيا    هل يجوز لى التصدق من مال زوجى دون علمه؟.. الأزهر للفتوى يجيب    تحديث بيانات المستفيدين من منظومة دعم التموين.. التفاصيل    اليوم الذكرى السنوية الثانية للفنان أشرف مصيلحى.. وزوجته تطلب الدعاء له    مفتى الجمهورية: ما يجرى فى غزة جريمة حرب ووصمة عار على جبين العالم    ضبط المتهم بذبح زوجته بسبب خلافات بالعبور.. والنيابة تأمر بحبسه    المنيا.. تنظيم قافلة طبية مجانية في بني مزار لعلاج 280 من المرضى غير القادرين    37 حالة وفاة داخل السجون وأقسام الشرطة خلال العام 2025 بسبب التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان    هيومن رايتس ووتش تتهم إسرائيل بتهجير السكان قسريا في سوريا    وفاة رضي..عين توأم بعد أخذ حقنة تطعيم الشهرين بالمنوفية.. و«الصحة» ل«أهل مصر»: فتح تحقيق بالواقعة    قبل ما تنزل.. اعرف الطرق الزحمة والمفتوحة في القاهرة والجيزة اليوم    "البديل الذهبي" فلاهوفيتش يسرق الأضواء وينقذ يوفنتوس    "جمعية الخبراء" تقدم 6 مقترحات للحزمة الثانية من التسهيلات الضريبية    رانيا فريد شوقي تستعيد ذكريات طفولتها مع فؤاد المهندس: «كان أيقونة البهجة وتوأم الروح»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإصلاح الدستوري ومستقبل نظامنا السياسي .. د‏.‏ أحمد كمال أبو المجد
نشر في المصريون يوم 04 - 08 - 2005

حين وجه الرئيس محمد حسني مبارك رسالته إلي مجلس الشعب يوم‏26‏ فبراير‏2005‏ مستخدما حقه الدستوري المنصوص عليه في المادة‏189‏ من الدستور‏,‏ بطلب تعديل نص المادة‏76‏ التي تنظم طريقة اختيار رئيس الجمهورية‏..‏ لم أكن في مصر‏..‏ وإنما كنت في ولاية فلوريدا بالولايات المتحدة مشاركا في ندوة عن الارهاب ومقاومته‏,‏ دعا إليها وزير الدفاع الأمريكي الاسبق وليام كوهين‏,‏ شارك فيها عدد من الخبراء والباحثين من الدول العربية والاسلامية‏.‏ كما شارك فيها من مصر الصديقان العزيزان السفير عبدالرؤوف الريدي‏,‏ والدكتور ابراهيم كامل‏..‏ وخلال احدي الجلسات الصباحية جاءنا الدكتور ابراهيم كامل متهللا يحمل الينا نبأ الرسالة التي وجهها الرئيس مبارك لمجلس الشعب‏..‏ وكان موضوعها ودلالتها وآثارها علي مجمل عملية الاصلاح السياسي الذي أجمعت عليه كل قوي المجتمع المصري واحزابه ومثقفيه‏..‏ موضوع مناقشات طويلة بين المشاركين في ذلك المؤتمر من العرب والمسلمين ومن الامريكيين وغيرهم من المشاركين‏.‏ ولم أتردد طويلا وأنا أعبر عن سعادتي وتفاؤلي بهذه الخطوة‏..‏ في أن أضيف أنني ارجو بالحاح ألا نبالغ في توقع آثار ايجابية فورية لهذه الخطوة‏,‏ علي أهميتها ودلالتها‏..‏ وذلك لسببين أساسيين‏..‏ أولهما‏:‏ القصر الشديد للمساحة الزمنية الفاصلة بين صدور هذا الاعلان‏,‏ وبين وضعه موضع التطبيق في شهر سبتمبر المقبل‏..‏ والثاني ان عوامل النجاح السريع لهذه الخطوة من خطوات الاصلاح السياسي غير متوافرة علي الاطلاق‏..‏ فالأحزاب في حالة ضعف شديد‏..‏ ولاسباب يضيق المقام عن التفصيل في تحليلها فان هذه الأحزاب لم يكن في وسعها أن تقدم زعامات تمكنها من ان تخوض معركة سياسية حقيقية علي منصب رئاسة الجمهورية‏..‏ بل ان الثقافة السياسية التي سادت منذ عام‏1952‏ كان فكرها يضيق‏,‏ كما يضيق صدرها عن مجرد التفكير في منافسة الرئيس الشاغل للمنصب‏..‏ بل اكاد اقول ان هذه الثقافة كانت تري في مجرد التفكير في هذه المنافسة تعبيرا عن نقص شديد مستنكر في الولاء والوفاء لابد ان يدفع صاحبه علي نحو ما ثمنا لهذه الجسارة غير المحمودة‏..‏ ومازالت بين أوراقي صورة من مقال كتبته منذ عشرين سنة عنوانه رئيس الجمهورية حاولت فيه ان أعيد هذا الموضوع المهم إلي مكانه ا لطبيعي بين الدراسات الدستورية والسياسية‏,‏ بعد ان أحيط المنصب‏,‏ وهو أهم المناصب علي الاطلاق بنوع من القداسة التي تحول دون التأمل الموضوعي في أي جانب من جوانبه‏,‏ ويكفي للدلالة علي هذه القداسة ان الاشارة إلي رئيس الجمهورية قد صارت تتم في أكثر الاحوال باستخدام لفظ القيادة السياسية تنزيها لرئيس الجمهورية علي ان يشار اليه اشارة مباشرة‏..‏ وكان لاسباب لا أذكرها اليوم علي وجه الدقة أن بقي المقال عندي إلي يومنا هذا دون ان يري طريقه إلي النور‏,‏ برغم أنني حين كتبته كنت أقوم بتدريس القانون الدستوري المقارن بالدراسات العليا بكلية الحقوق بجامعة القاهرة‏..‏ وكان الموضوع الذي أقوم بتدريسه هو منصب الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية نشأته وتطوره‏.‏ وامتلأت الصحف بمقالات ودراسات جادة حول اجراءات تعديل المادة‏76‏ ومحتوي ذلك التعديل‏..‏ وامتلأ الشارع السياسي كما امتلأت الصحف القومية والحزبية بدراسات حول النظام الجديد المقترح‏,‏ وعن ضرورة اجراء تعديل جذري لثلاثة قوانين تتصل بالممارسة الديمقراطية‏,‏ ويعتبر تعديلها أمرا ضروريا مكملا لتعديل المادة‏76‏ من الدستور‏,‏ وهما القانون رقم‏73‏ لسنة‏1956‏ بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية‏,‏ والقانون رقم‏38‏ لسنة‏1972‏ في شأن مجلس الشعب والقانون رقم‏40‏ لسنة‏1977‏ الخاص بنظام الأحزاب السياسية‏.‏ كما أدار الحزب الوطني حوارا واسعا ولكنه لم يستمر طويلا حول تعديل المادة‏76,‏ شارك فيه ممثلو أكثر الاحزاب القائمة‏,‏ كما أدار كل من مجلس الشعب ومجلس الشوري حوارا استمع خلاله إلي آراء عدد من الخبراء والفقهاء المتخصصين في الشئون الدستورية‏,‏ والقانونية‏..‏ مما شكل زادا ثريا كان يمكن ان يستأنس به ويسترشد جميع الذين عهد اليهم بصياغة النص الدستوري المقترح‏.‏ ولكن ذلك كله انتهي إلي طرح مشروع التعديل الذي وافق عليه مجلس الشعب علي الاستفتاء وفقا لما تقضي به المادة‏189‏ من القانون‏,‏ وجري ذلك الاستفتاء يوم الاربعاء الموافق‏2005/5/25..‏ ولكن المناخ السياسي العام كان قد تحول قبل الاستفتاء مباشرة تحولا سريعا من التفاؤل والامل والرغبة الصادقة في المشاركة الواسعة والنشطة في الحياة السياسية إلي عودة من جديد إلي الابتعاد والمقاطعة واساءة الظن بالنية الحقيقية القائمة وراء مشروعات الاصلاح السياسي كلها‏..‏ ويحتاج فهم أسباب هذا التحول إلي وقفة مع أمور ثلاثة لها تداعياتها علي مستقبل الاصلاح السياسي كله‏:‏ أولها‏:‏ أن مضمون التعديل الذي تم اقراره في مجلس الشعب‏,‏ كما تم اقراره عن طريق الاستفتاء قد أحدث صدمة في الرأي العام‏,‏ وجاء محبطا لتوقعات وآمال جميع أحزاب المعارضة‏,‏ مما انتهي ببعضها إلي مقاطعة الاستفتاء والدعوة العلنية إلي هذه المقاطعة‏..‏ كما انتهي بها جميعا‏,‏ وبقطاعات واسعة من قطاعات الرأي العام‏,‏ وعدد كبير من الكتاب والمثقفين إلي كسر حاجز اللياقة والموضوعية عند ممارسة المعارضة والنقد لأوضاعنا العامة‏,‏ ولكبار المسئولين عنها‏..‏ وتحول النقد والاعتراض من موقف خاص بتعديل المادة‏76‏ وأسلوب تعامل الدولة والحزب الوطني ومجلسي الشعب والشوري مع ذلك التعديل إلي موجة عامة من النقد والاعتراض‏,‏ تصاعدت لهجتها وامتدت إلي كل صغيرة وكبيرة من حياتنا العامة‏.‏ وبدا للجميع كما لو ان ماردا كان حبيسا لسنوات طويلة في قمقم صغير‏,‏ قد خرج منه فجأة متجاوزا في اندفاعه جميع الحواجز والخطوط‏..‏ وساد الموقف كله ارتباك عام‏.‏ وتردد من جانب الحكومة بين التعامل السياسي الهاديء مع موجة الغضب المتصاعد‏,‏ والتعامل الأمني الصارم معها‏..‏ ولكل منهما منطقه ومبرراته‏..‏ ولكن المحصلة النهائية لهذه الجهود كلها بدت ضئيلة وغير فعالة‏...‏ وبدا معها مستقبل الاصلاح السياسي‏,‏ بل ومستقبل الاستقرار السياسي في مصر شديد الغموض‏.‏ وترددت في ساحة الحوار وساحة الشائعات أمور لم تكن إلي وقت قريب تتردد أو تثار‏..‏ وانطلت أقلام وألسنة كان أسلوبها من قبل أسلوب الحوار الموضوعي الهاديء‏..‏ فاذا بها تفقد الصبر وتفقد الهدوء وتنضم إلي الجموع الغاضبة التي لاتكاد تري في حياتنا كلها إلا العثرات والثغرات مع ألوان لا آخر لها من الفساد‏.‏ وصادف ذلك كله تصاعدالضغط الخارجي علي مصر في أكثر من اتجاه‏..‏ ومن أكثر من جهة‏..‏ فمن مطالبة بضرورة الاسراع في خطوات الاصلاح السياسي‏..‏ إلي ضغط امريكي متجاوزا في أحيان كثيرة حدود مايجوز لاتخاذ مواقف معينة في قضايا داخلية واقليمية ودولية بالغة التأثير علي مصر وأمنها القومي والسياسي والاقتصادي‏.‏ وأتصور ان الثغرة الكبري في أسلوب تناول المادة‏76‏ من الدستور والتعديل الذي طالب به الرئيس‏/‏ حسني مبارك تمثلت في أن الذين انتهوا إلي الصياغة التي جري الاستفتاء عليها كان عليهم ان يوفقوا بين اعتبارين لاتجوز التضحية بواحد منهما‏..‏ أولهما‏:‏ فتح الأبواب امام الراغبين في ترشيح أنفسهم لمنصب رئيس الجمهورية علي النحو الذي يحقق معني التعدد والمنافسة‏,‏ وهما جوهر التعديل الذي طالب به الرئيس مبارك‏,‏ والهدف الاساسي من ورائه‏...‏ والاخري‏:‏ وضع حد أدني من الشروط التي تكفل جدية الترشيح وجدية المنافسة‏.‏ ومع تقديرنا لاهمية كل من هذين الاعتبارين‏..‏ فقد كان الطبيعي والمأمول أن يرجح الاعتبار الاول بحسبانه الاعتبار الحاكم لمعني المنافسة وتعدد المرشحين وان تظل الشروط التي تكفل جدية المنافسة عند حدها الأدني‏..‏ ولكن الأمر سار علي خلاف ذلك وتغلبت اعتبارات أملتها وتحكمت فيها هواجس الخوف من تيارات سياسية معينة أريدأن يحال بينها وبين المنافسة علي هذا المنصب الرفيع الذي له التأثير الأكثر علي مجمل حياتنا العامة بجوانبها المختلفة‏.‏ لقد آل الوضع عمليا إلي أن منبع القرار النهائي ومنتهاه في شأن الترشيح قد استقر كلاهما في يد الحزب الوطني الذي يتمتع بأغلبية كاسحة في المجالس النيابية والمجالس المحلية التي يشترط حصول الراغب في الترشيح علي تزكية نسبة كبيرة من أعضائها‏..‏ ومن هنا كان حرصي منذ اليوم الاول علي عدم المبالغة في توقع نتائج ايجابية لمبادرة الرئيس في الجولة الاولي من جولات المنافسة علي منصب رئيس الجمهورية‏.‏ وانتهي الأمر إلي احساس عام بأن مبادرة الرئيس مبارك قد أجهضتها ولو مؤقتا الصياغة التي جري طرحها علي الاستفتاء‏,‏ وأن أحزاب المعارضة وتيار المعارضة بين المستقلين قد دفعت ثمن الحرص علي إبعاد تيارات لاتعبر عنها تلك الأحزاب ولاينتمي إليها أولئك المستقلون‏.‏ ثانيا‏:‏ وهو أمر لا أريد ان اتوقف عنده طويلا بعد ان أفاض في الحديث عنه الباحثون المتخصصون من أهل العلم الدستوري والعلم السياسي علي السواء‏,‏ وهو أن ما طرح علي الناس في الاستفتاء كان أمورا عديدة‏,‏ علي من يدلي في شأنها بصوته أن يأخذها حزمة واحدة فيقبلها ككل وهو معترض علي أجزاء مهمة منها‏..‏ أو يرفضها مضطرا وهو قابل لاجزاء اخري من بينها‏..‏ أو يدفعه الحرص علي تجنب أي من البديلين علي مقاطعة الاستفتاء كله‏,‏ نائيا بنفسه عن التناقض الذي لامهرب منه إذا أدلي برأيه في النص المطروح علي الاستفتاء‏.‏ وفي تقديرنا أن هذا الاسلوب يجهض الاستفتاء‏..‏ أي استفتاء‏,‏ من دلالته الحقيقية حين يستعمل ما يسميه العلم الدستوري والتشريعي‏..‏ إدخال أمور معلوم سلفا رفض الناس لها إلي جانب أمور معلوم سلفا كذلك‏,‏ رضا الناس عنها‏..‏حتي يتم اقرار مايرفضه الناس من خلال حرصهم علي اقرار مايريدونه ويقبلونه‏,‏ وهو مايعرف في الفن التشريعي باسم‏Rider.‏ ثالثا‏:‏ وتبقي في النفس والعقل بقية من عدم ارتياح لما أضيف إلي النص المطروح علي الاستفتاء من تعديل جذري لنظام المحكمة الدستورية‏,‏ تعديلا لا أظن انه اعطي حقه من البحث والمناقشة وتقليب النظر‏..‏ ودون الدخول في تفصيلات قانونية فنية يضيق عنها المقام‏,‏ فان من المعروف عند أهل الاختصاص في الفقه الدستوري وجود صعوبة شديدة في الحكم علي دستورية نص تشريعي لم يدخل بعد دائرة التطبيق‏,‏ وإلا لكان ذلك ميسورا امام لجان الشئون الدستورية والتشريعية بمجالس الوزراء والمجالس التشريعية‏..‏ ولذلك استقر لدي القضاء في كثير من الدول الامتناع عن الادلاء بآراء استشارية في هذا الشأن‏..‏ بسبب الاتصال الوثيق بين امر دستورية التشريع والسياق الموضوعي الذي يحيط بتطبيقه علي وقائع الدعاوي المنظورة‏..‏ واشترطت كثير من الدساتير ضرورة عرض أمر دستورية التشريع في سياق منازعة أو خصومة‏a,caseporcntroversy‏ بل ان بعض الاحكام درجت علي القول بأن التشريع في تطبيقه علي الوقائع المعروضة‏asappliedtothefacts‏ مخالف للدستور‏...‏ ولهذا السبب وجدنا نظام مجلس الدولة في مصر مع اشتماله علي قسم للفتوي والتشريع ومنح ذلك القسم سلطة ابداء الرأي في قانونية القرارات الادارية التي تصدرها السلطة التنفيذية‏..‏ فان ما يصدر عنها من رأي لايحول بين ذوي الشأن وبين عرض أمر قانونية تلك القرارات علي القسم القضائي بالمجلس‏(‏ المحاكم الادارية ومحكمة القضاء الاداري والمحكمة الادارية العليا‏)‏ ليصدر في شأنها حكم قضائي فاصل في أمر شرعية القرار‏.‏ وفي تصورنا ان الحكومة لو درجت علي استفتاء المحكمة الدستورية مقدما في مدي دستورية مشروعات القوانين التي تتقدم بها أو يقترحها النواب لأدي ذلك إلي اغلاق أبواب المحكمة الدستورية‏..‏ مادام وصول المنازعة الدستورية اليها رهن بعدم استخدام المنهج الاستباقي علي النحو الذي تضمنه تعديل نظام المحكمة الدستورية تعديلا لم يستوف حقه من الدراسة والتأمل‏.‏ ولذلك لانملك إلا أن نعد هذا الأمر من قبيل إدخال ما ليس جزءا من مضمون النص في مشروع ذلك النص ليمر علي طريقة ال‏Rider‏ التي تحدثنا عنها‏.‏ ومن المناسب مع ذلك أن ننبه إلي أن هذا المسلك قد أتبع من قبل عند تعديل المادة‏76‏ من الدستور عام‏1980‏ إذ زج بالتعديل الدستوري الخاص بالمدد التي يمكن لرئيس الجمهورية ان يتولاها من مرتين إلي مدد
أخري في سياق تعديلات كان من المعلوم سلفا ان الناس رضوان عنها وموافقون عليها‏.‏ ومع ذلك كله‏,‏ فانني مازالت متوقفا عند الدلالة الحقيقية النهائية لمبادرة الرئيس بطلب تعديل المادة‏76..‏ فقد كنت ومازال اعتبرها خطوة أولي علي الطريق الصحيح‏,‏ طريق تحقيق اصلاح سياسي شامل‏..‏ تحددت ملامحه خلال السنوات الثلاث الاخيرة من خلال جهود وآليات جادة داخل الحزب الوطني‏..‏ ومطالبة واضحة وصريحة ومحددة داخل جميع أحزاب المعارضة‏..‏ وفي كتابات العديد من خبراء السياسة والقانون‏..‏ وسائر من يحملون الهم الوطني العام‏,‏ وقد وجدت في حديث الرئيس مبارك وهو يقدم للشعب معالم برنامجه الاصلاحي إذ قرر الشعب انتخابه لفترة رئاسية جديدة تأثرا واضحا واستجابة لايخفي أمرها لما بدا أن الشعب بجميع فئاته وأطيافه السياسية والاجتماعية قد التقي عليه وطالب بتحقيقه‏..‏ ولهذا ايضا وفي اطار ماعودت عليه نفسي في حياتي الخاصة والعامة من الوقوف عند الجزء المملوء من الكوب بقدر الوقوف عند الجزء الفارغ منه‏..‏ ولذلك ورغم تجاوزات عديدة من بعض الغاضبين في أسلوب نقدهم لأركان النظام السياسي تجاوزا مازلت أتمني ان نتجنبه في حوارنا من بعد فان موجة النقد والمطالبة بالاصلاح قد مثلت في مجموعها حيوية ونشاطا سياسيا افتقدناهما سنين طويلة‏..‏ وبدت ثمراتهما في العديد من جوانب البرنامج الذي طرحه الرئيس مبارك‏,‏ والذي أتصور أنه بالضرورة برنامج الحزب الوطني الذي اختار الرئيس مبارك مرشحا له في انتخابات الرئاسة‏.‏ وتبقي بعد ذلك حاجة ماسة إلي أمرين‏:‏ الأول‏:‏ ان تستمر حركة المطالبة بالاصلاح‏,‏ والحيوية والنشاط في متابعة مدي الالتزام بأجراء هذا الاصلاح قائمة بعد الانتخابات الرئاسية‏,‏ ثم بعد انتخابات مجلس الشعب‏,‏ إذ يبقي الشعب في نهاية المطاف الحارس الحقيقي للعمل الوطني بل انني أتصور ان هذه الحيوية المفاجئة لم تكن موجهة في كثير من أجزائها إلي سياسات السنوات العشرين الأخيرة‏..‏ بل كانت احتجاجا علي تغيب الإرادة الشعبية في ظل نظام للرئاسة الأبوية الذي ساد منذ قيام الثورة عام‏1952‏ وهي الرئاسة التي تكاد تحل محل الشعب وتقوم مقامه في ممارسة السيادة وتحديد معالمها ابتداء من مبادئها العامة إلي أدق تفاصيلها‏..‏ والأمل كبير في أن تتصدر قائمة الإصلاحات المنشودة المطالبة بإلحاح بالمزيد من احترام حقوق الإنسان في حياته وفي سلامة بدنه وفي كرامته وعرضه حتي وهو متهم بمخالفة القانون‏,‏ فالدستور والقانون ومن بعدهما النظام الدولي لا يعرفان عقوبة أسمها تعذيب المتهم أو إهدار كرامته أو حرمانه من حق الدفاع الكامل عن نفسه أمام قاضيه الطبيعي‏,‏ وفي ظل القانون الطبيعي المستند إلي الدستور‏,‏ والذي إذا غاب أو عطل فتحت علي الشعب كله لا محالة أبواب شر لا آخر لها‏,‏ وهيهات أن يتحقق في غيابه الاستقرار والأمن فضلا عن حوافز المشاركة الفعالة في معركة النهضة والبناء‏.‏ الثاني‏:‏ أن ندرك جميعا ان الاصلاح السياسي لابد ان يستقر علي دعائم راسخة من الاصلاح الدستوري الذي يمثل قاعدة الاساس لحركة المجتمع في جوانبها كلها‏.‏ وهناأوجه النظر إلي ضررورة التمييز بين التعديلات الجزئية التي تدخل علي نصوص الدستور بالاجراءات التي نظمها الدستور في نصوصه والمتعلقة باقتراح التعديل وكيفية اقراره‏,‏ هذه التعديلات الجزئية يطلق عليها اسم خاص هو‏constitutionalamendments‏ تمييزا لها عن النص الاصلي الشامل الذي يستهل في المجتمع الذي ينظمه اساسا جديدا للشرعية مستقلا عن الاساس الذي كان قائما قبله‏..‏ ويعبر الفقه الفرنسي عن سلطة إجراء تعديلات جزئية علي الدستور بالاجراءات المنصوص عليها فيه بأنها سلطة تأسيسية مؤسسة‏Pouvoirconstituantconstitue‏ بينما توصف السلطة التي أنشأت الدستور الاصلي بانها سلطة تأسيسية من كل وجه ويسميها الفقه الفرنسي أحيانا السلطة المنشئة‏Pouvoiroriginaire‏ بل ان الفقه في الولايات المتحدة قد فتح الباب للتساؤل عن إمكان وجود قيود موضوعية علي سلطة التعديل الجزئي للدستور‏Limitationsontheameningpower‏ وهو مذهب لا أحب أن أروج له لما يحيط به من محاذير عملية نحن في غني عن إثارتها عند هذا المنعطف من حياتنا السياسية والدستورية‏,‏ وإنما الذي أريد ان اصل اليه في إلحاح هو سلامة ما يذهب إليه أكثر الباحثين والساسة ورجال الفقه الدستوري من انه مع التسليم بأن دستور‏1971‏ كان ولا يزال في كثير من أجزائه دستورا صالحا‏..‏ إلا ان حجم التغيرات التي طرأت علي البنية السياسية والاجتماعية في مصر‏..‏ فضلا عن حجم التغيرات التي طرأت علي العالم كله قد صارت تستوجب بغير تردد معاودة النظر في دستور‏1971‏ بأكمله‏..‏ ابتداء من المعالم الاساسية للنظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تنظمه نصوصه‏..‏ ومرورا بهيكل السلطة السياسية في المجتمع‏,‏ والهيئات التي تمثلها وصورة التوازن الضروري بين اختصاصات كل هيئة منها حتي لاتبغي إحداها علي الأخري‏..‏ فيغيب عن المجتمع معني العدل والتوازن المستمد من قاعدة ضرورة ان تحد السلطة السلطة وفي ذلك عاصم من الاستبداد وضمان لرشد الممارسة وسلامة القرار‏.‏ وأتوقع من جانبي أن هذا الذي نحتاج إليه في مصر تحتاج إليه أكثر دول العالم‏,‏ وأن العقد القادم سوف يشهد تعديل أكثر الدساتير‏,‏ لتخرج من نصوصها أمور لم تعد لها ذات الأهمية التي كانت لها‏,‏ وتدخل بدلا منها نصوص تعالج أمورا لم يكن لها ما لها اليوم من أهمية ووزن‏..‏ ويدخل في ذلك تنظيم نقاط التماس بين السيادة القطرية الداخلية والنظام الدولي في ظل تحول واضح نحو اعتبار كثير مما يجري داخل حدود الدولة أمرا مؤثرا في مجمل النظام الدولي‏,‏ يبيح لمؤسسات ذلك النظام التدخل فيما كان حتي وقت قريب شأنا داخليا لا يجوز التدخل فيه‏.‏ كما يدخل فيه علي سبيل المثال مايتعلق بحماية البيئة من تهديدات الافساد والتلوث‏,‏ تهديدا يحدث بمستوي الحياة ويعرض صحة الناس للخطر‏.‏ كما يدخل فيه تنظيم تأثير الثورة الهائلة في تقنيات الاتصال علي حدود كل من الحق في التعبير والحق في الخصوصية وفي حماية الملكية الفكرية كما يدخل فيه تنظيم دور مؤسسات المجتمع المدني التي صارت لاعبا اساسيا وشريكا للمؤسسات الحكومية في ادارة شئون المجتمع‏.‏ وأتمني علي رئيس الجمهورية الذي يتم انتخابه في سبتمبر من هذا العام ان تكون من أوائل مبادراته الدعوة إلي انتخاب جمعية تأسيسية تقوم بوضع دستور جديد‏,‏ واضح التوجه في كبريات المسائل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية‏,‏ وان تعيد هذه الجمعية التأسيسية النظر في هيكل السلطة‏..‏ سعيا إلي استعادة التوازن بين المؤسسات الدستورية‏..‏ في اطار من الحرص علي ان تكون عقدة الحياة السياسية كلها بين يدي الشعب‏..‏ حتي نضمن مشاركته في تحقيق نقلة كبيرة إلي الامام حققتها شعوب أخري من حولنا‏..‏ وأن يكون اصلاح النظام التعليمي بأنواعه كلها منطلقا للارتفاع بكفاءة الاداء وتجويده‏..‏ بعد أن ضاع الكيف في زحام الكم الكبير‏,‏ وأوشكت الزيادة السكانية ان تكون أزمة تعبر عن نفسها بانتشار البطالة‏,‏ وزيادة الحاجة إلي الرعاية الاجتماعية بدلا من ان تكون مدخلا لزيادة الانتاج الذي تزيد معه فرص العمل‏.‏ لقد عاني شعبنا الصابر كثيرا‏,‏ ومازال يعاني الكثير رغم جهود كبيرة بذلت‏,‏ وعطاء قدمته الملايين من رجال مصر ونسائها وشبابها‏,‏ ورغم سعي لم يتوقف لعلاج الأزمات والمشكلات‏..‏ وبدلا من ان نغرق أنفسنا اليوم في دوامة اللوم المتبادل‏,‏ والتنكر لما بذل من جهد علي كثير من الجهات‏..‏ تعالوا نوحد الصفوف ونتوجه إلي المستقبل‏..‏ بعمل كثير وكلام قليل‏..‏ متسعة عقولنا لكل فكر جديد‏..‏ ومتسعة صدورنا لكل خلاف في الرأي والاجتهاد‏..‏ فنحن في أزمة‏,‏ ومستقبلنا كله في خطر‏,‏ وعلينا ان نبدأ العمل الجاد بأعلي درجات الكفاءة اليوم لا غدا‏.‏ في اطار من الاحترام الكامل لحقوق الأفراد وحرياتهم‏,‏ وفي مقدمتهم حقهم الكامل في المشاركة وهم آمنون في صنع حاضرهم ومستقبلهم‏,‏ ومعاملتهم جميعا علي اساس قاعدة المساواة في ظل نظام تعلو فيه هامة القانون وكلمته فوق كل هامة وكلمة‏,‏ ويكون فيه الدستور الجديد تعبيرا عن عقد اجتماعي جديد قائم علي المسئولية المتبادلة الموزعة بين الحكام والمحكومين‏,‏ وارتفاعا فوق دواعي الأنانية‏,‏ واغراءات النفاق‏,‏ ومزالق التعصب‏,‏ واختلاق أسباب الخلاف‏.‏ وعلي أطراف الحوار السياسي الساخن الذي نعايشه ان يدركوا جميعا‏,‏ كل من جانبه ان التاريخ لن يعود إلي الوراء وأن هواجس الخوف المبالغ فيه لايجوز ان تحل محل النظر الموضوعي الهاديء‏,‏ وأن موجة المطالبة بالاصلاح والتغيير لايمكن ان تنكسر او تنحسر‏,‏ وأن الأولي بالاطراف جميعا ان يردوا الأخطار القادمة من بعيد بالاتفاق علي عقد اجتماعي جديد‏.‏ وتعالوا بعد ذلك‏,‏ بل قبله نفتح ابواب الأمل‏,‏ ونشحذ الهمة لمواجهة تلك الاخطار علي طريق نعلم جميعا انه بالغ المشقة كثير العقبات‏..‏ وسط عالم يموج من حولنا بالعنف والظلم والرغبة في الهيمنة وبأسباب الصراع‏..‏ وأنه لاحياة فيه إلا للأقوياء‏..‏ والويل فيه كل الويل للضعفاء‏.‏ ------ صحيفة الاهرام المصرية في 4 -8 -2005

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.