في نقطة حدودية تدعي جانج, يجلس المئات من البلوش القرفصاء, في انتظار شاحنات صغيرة متهالكة, ستنقلهم حتما إلي مكان افضل كثيرا مما يعيشون به, في ساعات الانتظار الطويلة تداعبهم أحلام اليقظة, بالهجرة غير الشرعية إلي إيران, حيث قد يوفقون في إيجاد فرصة للعمل في الزراعة أو البناء, أكثر هؤلاء الحالمين طموحا يستغرقون في أحلام حول الهرب إلي تركيا أو اليونان وربما في نهاية المطاف قد يصلون إلي أوروبا الغربية. انهم شعب البلوش, التائه علي حدود ثلاث دول طامعة, وفقا للتقسيم الاستعماري البريطاني في نهاية القرن التاسع عشر, وجدت هذه القومية نفسها, مقسمة إلي بلوشستان الإيرانية او سيستان بلوشيستان, التي كانت قد منحت من قبل بريطانيا إلي الدولة الفارسية, ثم أخري أفغانية وأخيرا كانت بلوشيستان الباكستانية, التي طمعت فيها باكستان عقب أنقسامها عن الهند وتنصلت من تعهدها السابق بان يحكم البلوش أنفسهم, وظلت تقمع بيد من نار أي تحرك تراقبه من قبل القوميين البلوش الباحثين عن بلوشيستان حرة موحدة, حيث يتم اختطاف واغتيال رموز المقاومة السياسية. البلوش يشكلون تلك الفسيفساء العرقية, التي أجبرت علي التقسيم بشكل متعسف علي حدود آسيا الوسطي, شعب منسي تهدده المجاعة والتصفية العرقية, لهم لغتهم الخاصة, البلوشية, يحيون علي رقعة من الأرض تعادل مساحة فرنسا, علي ارض وعرة تختزن احتياطات هائلة من الذهب والغاز والنحاس ومصادر غير مستغلة من النفط واليورانيوم, فضلا عن ساحل طوله ألف كيلو متر مربع يقع علي مضيق هرمز, يقول المثل البلوشي يسير أطفالنا حافين الأقدام علي أرض من ذهب, أما لماذا لم تستغل كل تلك الإمكانات, الإجابة ببساطة, لان أيا من الدول الثلاث الطامعة لم تجد الوقت أو الجهد أو ربما الرغبة في استغلال تلك الأرض المنسية. وفقا لدولت بوبال, أستاذ التاريخ في جامعة كابول, فان البلوش الأفغان شعب مسالم وشديد التواضع, ولا يتسببون في أي مشاكل, لكنه بالتأكيد وصف يفتقد إلي فحص دقيق لوضع أكثر تعقيدا, كان موقعهم الاستراتيجي وساحلهم الطويل علي الخليج العربي, جعل الكرملين خلال فترة الاحتلال السوفيتي, يوفر للقوميين من المتمردين البلوش, معسكرات تدريب علي القتال في أفغانستان, مع محاولات لجذبهم إلي المبادئ الشيوعية, غير أن العقبة الوحيدة أمام موسكو, كانت تمسك البلوش بقوميتهم وهويتهم الإسلامية, وخسرت موسكو فرصتها الوحيدة للوصول إلي المياه الدافئة للمحيط الهندي. اليوم تصف قوات حلف الناتو, بلوشستان الأفغانية, بأنها اخطر منطقة تهريب في العالم, حيث يتم نقل المخدرات والأسلحة بدائية الصنع إلي من يحتاجها في هذه المنطقة الملتهبة, وهي أيضا منطقة تدريب جماعة طالبان للمجاهدين القادمين عبر الحدود, وعندما ينهي هؤلاء المجاهدون تدريباتهم يرحلون الي مدينة زارانج, عاصمة ولاية نيمروز, متنكرين في ملابس النساء والبرقع الأزرق التقليدي, لينصهروا وسط الأراضي الأفغانية, ويمكنهم العبور بسهولة عبر الحدود الأفغانية لتنفيذ هجمات ضد قوات الأمن الباكستانية. ولاية نيمروز هي إحدي محافظات أفغانستان, تحدها هلمند شرقا وفراه شمالا وباكستان جنوبا وإيران غربا, وتقع عاصمتها زارانج علي مقربة من الحدود الإيرانية, وهي أكثر بقاع العالم سخونة, حيث تصل درجات الحرارة بها لاكثر من50 درجة مئوية تعداد البلوش نحو ثلاثة ونصف مليون نسمة, منهم نصف مليون في افغانستان, يتجمعون في نيمروز البقعة الجيوسياسية الأكثر سخونة في البلاد وهي اكبر نقطة تهريب, مع عدم وجود حراسة عسكرية علي طول الحدود, مما لا يسمح لها أبدا بان تكون بمنأي عن الحرب الأفغانية الأبدية. عبد الكريم براهوي, هو الحاكم الحالي لنيمروز منذ عام2001, كان قد أسس عام1979 ما سمي بجبهة نيمروز للقتال ضد الروس, ثم بعد ذلك ضد حركة طالبان, اتخذت الجبهة مأوي لها في إيران وقامت بشن حرب عصابات ضد طالبان, التي كانت قد مارست عنفا وحشيا ضد القوميين البلوش من العلمانيين واليساريين. كان البلوش الأفغان قد استقروا لعدة قرون علي ضفاف نهر هلمند, لكن الاستخدام المفرط لمياه الأنهار في ري الأراضي الزراعية المخصصة لزراعة الأفيون, دمرت في النهاية قنوات الري في نيمروز وأدت إلي انهيار الزراعة في المحافظة, واضطرت مئات العائلات البلوشية الي ترك أراضيهم والبحث عن الهجرة عن طريق ما يسمي طريق حرير الأفيون والهيروين نحو إيران, حيث أفضل اختيار متاح. إيران من جهتها سئمت من كثرة المهاجرين البلوش, وأقامت جدارا عازلا لمنع الهجرة غير الشرعية, إضافة إلي محاولاتها تقليل الاحتكاكات المتواصلة بين البلوش وغالبيتهم من السنة والنظام الإيراني الشيعي, وتتمحور تلك الاحتكاكات بشكل أساسي مع ما يعرف بجماعة جند الله, وقد صنفت كمنظمة إرهابية من قبل الولاياتالمتحدة, حيث يعتقد أن لها علاقة بتنظيم القاعدة, وهي المتهمة أيضا بشن العديد من الهجمات ضد الحرس الثوري الإيراني, وأيضا ضد حكومة أفغانستان لكن شيوخ البلوش من نمروز, يرفضون تماما مثل تلك الاتهامات, ويرون أن الهدف منها هو تشويه صورة المجتمع البلوشي الباحث عن الاستقلال, والتحرر من عبودية الحدود.