سمير حسين رغم أن مقالي السايق في هذه الزاوية لم يكن خاصًا عن بلوشستان كإقليم أو كشعب إلا أنني لم أسْلَم من توجيه اللوم والنقد لكوني كتبت أن بلوشستان محافظة من محافظات باكستان ، وكأنني ارتكبت جرمًا ، وأمام هذا الخلط وعدم تقدير الأمور في مثل هذه المسائل ، كان لا بد من إلقاء الضوء على البلوش وإقليم بلوشستان ، حتى يتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود في هذه القضية.
إن الأصل البلوشي ينتمي إلى يعرب بن قحطان وذلك لأن البلوش هم أولاد محمد بن إسحاق بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود عليه السلام إلا أن المشايخ والعلماء من العارفين بالسيرة ومن أهل عمان وغيرهم قالوا إن البلوش هم الأزديين من بني شمس.
وجاء في معجم البلدان لياقوت الحموي أن كلمة بلوج "بلوش" أُخذت في الأصل من (البلوص) وسكان البلوص هم من بنو سليمه بن مالك ملك كرمان ومكران الذي فر هارباً من إخوته بعد قتل أبيه عن طريق الخطأ من بلاده عُمان إلى "مكران" التي تمتد في جنوب شرق إيران وغرب باكستان، وتطل على بحر العرب. وكانت تابعه لسلطنة عُمان.
ويسكن البلوش أقاليم مكران وكرمان وعُمان وإفريقيا ويحكمون فيما يعرف بمنطقة بلوشستان. يسكن بعض البلوش في عُمان والإمارات وبعض دول الخليج العربي. كما يوجد أعداد قليلة للبلوش في شرق أفريقيا منذ أيام حكم سلطان عُمان لزنجبار والشاطئ السواحيلي.
دولة البلوش
وقد كان للبلوش دولة خاصة مستقلة تُسمّى "بلوخستان" أو "بلوشستان" منذ آلاف السنين، وكانت هذه الدولة تحدّها الهند وبلاد السند شرقاً، وأفغانستان شمالاً، وإيران غرباً، وبحر العرب جنوباً. وأغلب أراضيها، كانت ومازالت، صحراوية وتكثر بها التلال والجبال، بجانب عدد محدود من الأنهار والوديان.
وتتضارب الآراء حول زمن فتح بلوشستان من قِبل المسلمين، فهناك مَن يقول إن "الإسلام دخل أرض البلوش على يد الصحابي الشهير العلاء بن الحضرمي، الذي تولى إمارة البحرين أيام الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصاحبيه من بعده أبي بكر وعمر بن الخطاب"، ومَن يقول إن الإسلام دخل بلوشستان "في عام 24 هجرية حيث أرسل الخليفة عمر بن الخطاب كلا من سهيل بن عدي وعبد الله بن عتبان لفتح بلوشستان وكرمان ، فأسلم جمع كثير، وقبلت البقية دفع الجزية".
وهي الآن مقسمة إلى ثلاثة أجزاء هي: بلوشستان الشرقية (في باكستان، وتشكّل 43% من مساحتها) وتم ضمه لباكستان عند استقلالها في عام 1948وعدد سكانه 10 ملايين نسمة، وبلوشستان الغربية (في إيران) ويشكل 9,1 من مساحة إيران و تعداد سكانه 5,2 مليون نسمة كلهم سنة، وبلوشستان الشمالية (في أفغانستان) ، وهذه الأجزاء الثلاثة مجتمعةً تُعرف ب "بلوشستان العُظمى" التي ينادي بها البلوش المطالبين باستقلالها.
ويتحدث السكان اللغة البلوشية والأردو والبوشتو، واللغة البلوشية لغة قديمة خليط بين العربية والفارسية والهندية، وهي تنطق وتكتب، حيث ظهرت مؤلفات كتبت باللغة البلوشية وبخط عربي، ويستخدم البلوش جميع الحروف العربية بالإضافة إلى ستة حروف أخرى هي بيه، قيه، تجا، دال، جا والجاف، ويعتبرون العربية الأقرب إلى لغتهم، ويستخدم البلوش في كلامهم مفردات إنجليزية وعربية وأردو، ومع هذا فهم لا يخشون ضياع لغتهم، ويعتبرون ذلك أمراً طبيعياً لانتشار البلوش في كل مكان من أرجاء العالم.
أما النظام السياسي السائد في بلوشستان فكان هو النظام القبلي-العشائري. فقد كان رؤساء القبائل المختلفة هم الذين يحكمون البلاد، وكانوا يقاومون أي تدخل أجنبي في شئون بلادهم، بما فيه التدخل البرتغالي والتدخل البريطاني في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
لا بد أن نعترف بداية أن الذي حرك البلوش ودفعهم لمقاومة باكستان هم الشيوعيون ، حيث تم تشكيل جيش التحرير البلوشي ، والذي برز اسمه في الثمانينات عندما قامت العناصر البلوشية الموالية لموسكو بتنظيم مجموعات سرية التزمت فيما بينها على العمل من أجل تأسيس دولة بلوشستان الكبيرة المكونة من أراضي البلوش في باكستانوأفغانستانوإيران.
إلا أن جيش التحرير البلوشي اقتصرت مهامه في السنوات الأخيرة على إطلاق بعض الصواريخ على معسكرات الجيش في مدينة كويتا عاصمة إقليم بلوشستان بين الفينة والأخرى.
ويعود انحسار نشاط جيش التحرير البلوشي السري إلى نزعته الشيوعية وانخفاض شعبيته لدى السكان المحافظين، وانخفضت أنشطته إلى درجة كبيرة لم تزد على قيام مجموعات طلابية في منتصف الثمانينات بأعمال إرهابية؛ بينما قام تنظيم سياسي فيما بعد بالإعلان عن ميله الشديد إلى موسكو وبالدعوة لإقامة دولة مستقلة للبلوش.
إذن أصحاب المصلحة في تفتيت باكستان هم الذي دعموا ويدعمون البلوش في نزعته الاستقلالية فتقوم العديد من المنظمات السياسية التي تتراوح مطالبها بين الحكم الذاتي السياسي، والحصول على جزء أكبر من عوائد الموارد الطبيعية الوفيرة في أرض بلوشستان، وبين الانفصال عن باكستان انفصالا تاما نهائيا لا رجعة فيه، وإقامة دولة بلوشستان المستقلة الحُرّة. والمطالبة الأخيرة هذه هي السائدة حاليا، وهي التي تنادي بها المنظمات القائمة بالكفاح المسلح ضد الجيش الباكستاني.
وكتبت مجلة "المجتمع" تحت العنوان "تحالف أمريكي - هندي لتفكيك باكستان وإعلان جمهورية بلوشستان قبل عام 2015م": إن الثروات الاقتصادية الهائلة في الإقليم (إقليم بلوشستان) يسيل لها لعاب القوى الدولية التي دفعت أموالاً ضخمة لتحقيق هذا المشروع الانفصالي (انفصال بلوشستان) عن الدول الخاضعة لها، حيث يُعتبر إقليم بلوشستان من أغنى المناطق في العالم بالموارد الطبيعية.
وكانت مؤسسة ألمانية قامت بدراسةٍ في إقليم بلوشستان ذكرت أن إقليم بلوشستان يملك احتياطيا من الغاز قيمته 800 بليون دولار، واحتياطيا من الأحجار الكريمة من الأنواع النادرة في العالم بما يعادل 100 بليون دولار إلى جانب الاحتياطي الكبير من الذهب والفضة والنحاس واليورانيوم تُقدّرقيمته ببلايين الدولارات".
وباكستان مستهدفة من الغرب من أجل تشطيرها وشرذمتها والدعوة المستحدثة المدعومة امريكيا واسرائيليا وهنديا لانفصال بلوشستان تهدف الى تمزيق كل من ايرانوباكستان.. فحملة أعداء الأمة تهدف بالدرجة الأولى النيل من تراب الشعوب العربية والمسلمة والنيل من أبنائها على اختلاف قومياتهم ومذاهبهم.
ولعلنا لم ننسي بعد خريطة المنطقة العربية التي نشرها موقع وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون وظهرت فيها كل دولة وقد انقسمت إلي أكثر من دويلة علي أساس طائفي وعرقي من اجل تثبيت الهيمنة الأمريكية الصهيونية علي مجمل المنطقة ونهب ثرواتها واستكمال المشروع الصهيوني بإقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلي الفرات وما نراه الآن بأعيننا في العراق والسودان والصومال واليمن من محاولات التقسيم الفعلي التي قطعت مراحل متفاوتة من الانجاز علي ارض الواقع خير شاهد علي المخطط الأمريكي الصهيوني بمعاونة خفية من قوي اقليمية منها ايران .
وفيما يخص تفتيت باكستان وشرذمتها نشير إلى ما جاء في مخطط المستشرق الصهيوني برنارد لويس الذي وضعه بتكليف من وزارة الدفاع الأميركية ونشر في فصلية "شئون خارجية" (عدد خريف 1992) من ضرورة:
2- ضم الإقليم الشمالي الغربي من باكستان إلى مناطق البشتون في أفغانستان وإقامة دولة بشتونستان.
أما مخطط "حدود الدم" الذي وضعه المقدم السابق في الاستخبارات العسكرية الأميركية في ألمانيا رالف بيترز ونشر في مجلة القوات المسلحة الأميركية (عدد يونيو 2006) فجاء فيه أن ما تخسره أفغانستان غرباً لصالح الدولة الفارسية، تكسب مقابله من جهة الشرق أراضيَ تقتطع من شمال غرب باكستان، حيث توجد قبائل من أصول أفغانية.
وهنا يقول بيترز متكلماً بصيغة الجمع "نحن لا نقوم برسم خرائط كما نريدها نحن، ولكن وفقاً لرغبات شعوب المنطقة"، وكأن امريكا التي قتلت ولازالت مئات الالاف من المدنيين العزل في العراق وافغانستان والصومال في اطار مخطط التقسيم تحقق رغبات تلك الشعوب في القتل علي يد جنودها البواسل وباشد الاسلحة فتكا باعتبار ذلك امنية غالية لتلك الشعوب .
ثم يعود بيترز ليطلق على باكستان الوصف ذاته الذي أطلقه على السعودية، بأنها دولة أخرى غير طبيعية، ولذلك سيقتطع منها قسما كبيرا لتنشأ عليه دولة بلوشستان الحرة. لا شك أن الحال الباكستانية في ظل التحالف مع الولاياتالمتحدة يعيد إنتاج القانون القائل ( إن إغضاب الاستعمار أقل كلفة من استرضائه).
إذا كان البلوش السنة في باكستان يجدون لهم ممثلين في البرلمان الباكستاني ، ويمارسون حقوقهم كأي إقليم آخر ، وإن كانت حقوقهم المشروعة منقوصة فعليهم المطالبة بها تحت سقف الدولة الأم باكستان ، بدلا من التشرذم وتنفيذ مخططات الغرب.
فالبلوش في إيران يتعرضون لهجمة من السلطات الإيرانية كونهم سنة فقد صعدت قوى الأمن الإيرانية الإعتقالات التعسفية ضد البلوش فقد أعدمت السلطات الإيرانية مؤخرا في مدينة زاهدان عاصمة إقليم بلوشستان جنوب شرق إيران رجلي دين سنة ينتميان إلى القومية البلوشية، هما مولوي عبدالقدوس ملا زهي ومولوي محمد يوسف سهرابي.
ويشكو السنَّة الذين يمثلون الأغلبية في إقليم بلوشستان من عدم المساواة، في الحقيقة مع الشيعة الذين يسيطرون على الحكم في إيران.
وفي العام الماضي، ذكرت مواقع إلكترونية أن مسجد أبو حنيفة والمدرسة القرآنية التابعة له في مدينة زابل والتي معظم سكانها من السنَّة قد دُمرا نهاية أغسطس، وحث 15 نائبًا إيرانيًّا من السنَّة، الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على الدعوة لمعاقبة المسئولين عن ذلك.
والواضح أن صراع البلوش والحكومة الإيرانية هو في أساسه صراع مذهبي ، فلو ترك حكام إيران الشيعة أهل البلوش السنة يمارسون عبادتهم حسب مذهبهم وبحرية ، والتفتت إيران إلى تنمية منطقة البلوش لعاش البلوش في ظل الدولة دون أية قلاقل.