مثلت التفجيرات الأخيرة التي وقعت بمحافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية مفاجأة كبرى للبعض؛ خاصة مع التقارير التي روجت لفكرة وجود ما يسمى ب"طالبان إيرانية" نفذت التفجيرات، أو بالأحرى تورط طالبان - باكستان في هذه العملية، ولكن.. هل يمكن بالفعل لطالبان الباكستانية العمل داخل الأراضي الإيرانية بهذا الشكل؟ تستلزم الإجابة على هذا السؤال معرفة خارطة التنظيمات المسلحة النشطة بين إيرانوأفغانستانوباكستان؛ فبعد دخول القوات الأمريكية للعاصمة الأفغانية كابول في 13 نوفمبر 2009، لم يعد لتنظيم القاعدة وجود فعلي على الأرض الأفغانية كما أوضح مندوب طالبان الأفغانية في جلسة المباحثات السرية التي جمعت التنظيمات الأفغانية مع الأمريكان برعاية سعودية في الرياض، وهكذا خرجت القاعدة من اللعبة، وتبقت طالبان ذات الامتداد الإقليمي؛ فضلا عن بعض التنظيمات الأخرى التي لا تنشط إلا في الأراضي الأفغانية. نشأة طالبان الباكستانية غالبية حركة طالبان الأفغانية تنتمي إلى عرق البشتون، وهو عرق لديه امتداد قبائلي داخل باكستان وشرق إيران.. تحديداً محافظة سيستان وبلوشستان، ونظراً لأن باكستان فتحت الباب أمام القوات الأمريكية لغزو أفغانستان، قام بشتون باكستان بإعلان قيام طالبان الباكستانية وبدء التمرد الكبير الذي يضرب باكستان حتى اليوم. كانت الأجواء ملائمة تماماً في باكستان لتمدد نفوذ طالبان الباكستانية؛فإقليم بلوشستان - باكستان يعاني من تمرد رهيب يسعى إلى الاستقلال عن باكستان، ويشبه المراقبون حال الإقليم اليوم بحال بنجلاديش قبل بضع سنوات من استقلالها عن باكستان؛ بينما تعاني بقية الأقاليم من توتر طائفي بين السنة والشيعة، وأخيراً فإن الساحة السياسية تشهد اقتتالاً عنيفاً على السلطة بين التيار السياسي الديني والتيار السياسي الديمقراطي والمؤسسة العسكرية. وعلى أشلاء هذا الوطن الممزق، حققت طالبان - باكستان مكاسب سياسية هامة؛ سواء في وادي سوات أو حتى في وزيرستان التي كانت يوماً ما دولة مستقلة في الفترة ما بين عامي 1893 و1947؛ حيث شكّل جيشها القبائلي أخطر تهديد للتواجد البريطاني في شبه الجزيرة الهندية وأفغانستان. ولكن ما علاقة هذا بالتفجير الذي هز محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية؟؟ العرقية البشتونية لها امتداد قبائلي في إقليم بلوشستان - باكستان، والإقليم له اتصال جغرافي بإيران، وتحديداً محافظة سيستان وبلوشستان، وتنتشر فيها عرقية البلوش والبشتون، يمدون زملائهم في إيران بالسلاح والمال لاستمرار انتفاضة البلوش بقيادة حركة جند الله في تلك المحافظة الكبيرة. أمريكا تقر بتورط طالبان في إيران ولكن هل يمكن اعتبار جماعة جند الله الإيرانية تلك جزءاً من تنظيم طالبان؟؟ في الواقع أن كافة التقارير الاستخباراتية الأمريكية والبريطانية أثبتت ذلك، وكشف الصحفي الأمريكي روبرت باير Robert Baer عبر مقال له في موقع صحيفة تايم TIME الأمريكية بتاريخ 21 أكتوبر 2009 أن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن درس الاستعانة بجماعة جند الله في الهجوم على إيران، تماما كما حدث في غزو أفغانستان حينما استعانت أمريكا بقوات ما كان يسمى التحالف الشمالي المعارض، ولكن بوش الابن تراجع عقب اكتشاف علاقة جند الله بطالبان - باكستان. لماذا تعمل طالبان داخل إيران؟ وضع الخبراء لهذا التطور الذي يجعل طالبان الباكستانية تسعى إلى العمل داخل الأراضي الإيرانية، عددا من الاحتمالات: 1 - التحالف البريطاني البلوشي عامل تاريخي في المنطقة منذ الاحتلال البريطاني لأفغانستان وشبه الجزيرة الهندية، وبريطانيا عبر سنوات ما بعد الثورة الإسلامية الإيرانية يشار لها دائما بأنها من دبّر العمليات الإرهابية داخل إيران عبر البلوش. 2 - تحالف أمريكي بريطاني باكستاني، ذهبت إليه بعض التقارير، وأشارت له بعض القيادات الإيرانية؛ فالمخابرات البريطانية والأمريكيةوالباكستانية على علاقة وثيقة بتنظيم جند الله. أصدقاء الأمريكان وطالبان معاً ولكن كيف يكون جند الله على علاقة بتلك الدول، وأيضاً مدعوم بطالبان الباكستانية التي تحارب بدورها تلك الدول؟؟ هذه الازدواجية التي يظن البعض أنها مستحيلة منتشرة للغاية في عالم السياسة؛ فالتمرد البلوشي في باكستان مدعوم من قبل إيرانوأفغانستان، وطالما اتهمت باكستان المخابرات الأفغانية والإيرانية بالتعاون الصريح في هذا المجال؛ بينما التمرد البلوشي في إيران مدعوم من باكستان وأمريكا وبريطانيا، تماما مثل الأحزاب العراقية المدعومة من أمريكا وإيران معاً إبان عهد الرئيس صدام حسين، والتي تحكم العراق اليوم ومستمرة في تلقي الدعم من واشنطنوطهران. ولكن هنالك مخاوف إيرانية أخرى من حدوث صفقة بين طالبان الباكستانية وأمريكا وباكستان تقضي بإعطاء الضوء الأحمر للتحالف البلوشي البشتوني بالتركيز على إيران مقابل التهدئة في أفغانستانوباكستان، وهي صفقة سحرية بالنسبة للرئيس الأمريكي باراك أوباما وحكومتي باكستانوأفغانستان، ولا ننسى أن أوباما تحدث منذ بضعة أشهر عن طالبان معتدلة يتم التفاوض معها. أين إيران؟ وبعيداً عن هذا كله يتبقى سؤال هام، لقد صرح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد مراراً بأن أمريكا سوف تتلقي رداً مفجعاً ومزلزلاً إذا ما أساءت إلى إيران، واليوم طهران والعالم كله يعرف أن واشنطن وراء ما جرى في شرق إيران؛ فلمَ لمْ نرَ الرد التاريخي الذي توعد به أمريكا؟؟ ومن ناحية أخرى.. كيف تعلن إيران تحدي المجتمع الدولي؛ بينما حدودها مخترقة هكذا؟ أكثر من نصف مساحة إيران تشهد انتفاضات قبائلية مماثلة لما يجري في محافظة سيستان وبلوشستان, 49% من سكان إيران لا ينتمون إلى عرقية الفرس، ولديهم الاستعداد للتعاون مع أي جهة غربية للتخلص من ما يسموه الاحتلال الفارسي. كيف وقت الجد يمكن لدولة ممزقة مثل إيران أن ترد وتحقق انتصارها التاريخي الذي ينتظره مشجعو إيران في العالم العربي؟؟ وأخيراً، إذا كان أوباما بالفعل صادقاً في وعود السلام مع إيران، وغيرها، كيف يدبر هجوماً مثل هذا في إيران؟ استدراج إيران للمستنقع الباكستاني هل يمكن القول إن أوباما يفاوض إيران أمام العالم فقط لإنهاكها أو لمحاصرتها بتعهدات للمجتمع الدولي، بينما يسعى مع جنرالاته إلى ضرب عمقها بالانتفاضات الداخلية؟ أو حتى جرجرة إيران إلى مغامرة عسكرية فاشلة تستنزفها في باكستان خاصة أن الحرس الثوري الإيراني بلع الطعم فوراً وطالب البرلمان الإيراني بالسماح له بالتدخل عسكرياً في الشريط الحدودي مع باكستان، فهل هذا ما يهدف إليه أوباما؟؟ استدراج إيران عبر طالبان الباكستانية إلى الساحة الباكستانية من أجل توريطها واستنزافها؟؟ أسئلة كثيرة سوف نحصد إجابتها قريباً، فإيران هي قضية المجتمع الدولي اليوم، ولكن من المؤكد أن طالبان باكستان هي أكبر المستفيدين من الجولة الأولى التي بدأت في شرق إيران.