كل ما سوف أرويه بلا أدني مبالغة قد حدث بكل تفاصيله أمام عيني عندما كنت جالسا علي مقعد منذ نحو أسبوعين علي شاطيء البحيرة في مدينة ليوجانو الواقعة في الجزء الجنوبي المتحدث باللغة الايطالية من سويسرا. مرت أمامي سيدة أنيقة الملبس ممشوقة القوام بيدها سلسلة تنتهي إلي كلبها اللولو الصغير وقد توقف الكلب وانتحي إلي جانب الطريق ليقضي حاجته الطبيعية فاستجابت السيدة له بكل هدوء, وما ان تم ذلك إلا ورأيتها تفتح حقيبة يدها وتدس يدها فيها لتخرجها مغطاة بقفاز من البلاستيك الاحمر الشفاف ثم تنحني علي الارض لتجمع مخلفات كلبها بيدها وتقلب القفاز ليصبح كيسا يضم هذه المخلفات وتغلقه بعد ذلك بإحكام ثم تواصل سيرها بكل عظمة حتي تصل إلي صندوق القمامة علي بعد عشرة أمتار, وتلقي بالكيس المغلق فيه, وتزيل بذلك كل آثار ما فعله كلبها من أذي بالطريق. لم أكن أتصور أن أشاهد مثل هذا الحدث واقعا بعيني فتجرأت مقدما نفسي للسيدة أولا بكل أدب واحتشام ولأعبر لها عن احترامي لما شهدته من سلوكها الحضاري العظيم ثم أسألها بعد ذلك عما إذا كانت سويسرية أم ايطالية فتقول لي إنها المانية تعيش في سويسرا, ومن وقتها ونحن نتبادل التحية ثم تمضي بكل عظمة في طريقها. وتتسامي أفكاري عندما أتذكر بعد أن رأيت ما رأيت قول رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم إماطة الأذي عن الطريق صدقة ومقولة النظافة من الايمان وبعد ذلك أسترجع بذاكرتي قولة أحد رواد التنوير الحضاري عندما زار أوروبا ثم عاد ليقول وجدت أخلاق الاسلام هناك بغير مسلمين.. ثم أغرق بعد كل هذا في أحلامي لاتساءل متي يجيء اليوم الذي يرقي فيه سلوك شعبنا إلي ما يقرب من ذلك المستوي الحضاري, ولايخرجني من ذهولي إلا عودتي لتأمل روعة الطبيعة التي يخلب جمالها الألباب عند بحيرة ليوجانو أمامي والمحاطة بجبال الألب الشاهقة من حولي. د. مرسي عرب أستاذ بطب الإسكندرية