ماتت أمي ولقيتها في كل ورقة كتبتها بعد ذلك فموتها كان معني لحياة اخري حياتي.. موتها كان موتا مؤثرا في نفسي وعقلي وقلبي وكل وجودي لم يعد عندي ما اقوله فقد قلت كل ما استطيع ولا انا قادر علي اعادة الغطاء عليها والعويل والنحيب.. لست قادرا وعجزي سببه انني قلت وانني بكيت حتي اغمضت عيني ولكنها هنا وهناك عند قبرها وان كنت اجمل قبرها معي ذهابا وايابا فهي ماتت لكل الناس.. لم تمت عندي.. ولا يصدقني احد عندما اقول انني اراها كل يوم والله كل يوم وكل ليلة. تسألني كيف. اراها امامي كيف امامي انا. اراها تبتسم تبتسم لي الدنيا.. واراها مستاءة حزينة لما يقع مكروه وتكون كذلك واعتدت علي ذلك بل انني اتهيأ كل يوم لعلي اراها علي اية صورة احيانا احسها الي جوار الفراش وتحركه لا اراديا اسحب الغطاء ناحيتها.. ويكون ذلك اعتذارا بانني سوف ابكي.. ابكي.. والله علي ما اقول شهيد وانا لم استطع ان اصدق ان هناك عالما آخر.. وحياة اخري إلا عن طريق امي هي التي اكدت لي ان هناك حياة بعد الحياة وانها تعيش لا اعرف اين ولكنها تعيش وتراني وتسمعني وتلاحظني هذا ما اشعر به لامن تحت ولا من فلسفة ايه شعوري المباشر المؤكد الذي لا شك فيه.. عندي صورة وحيدة لأمي اراها وحدي وانزعها من الجدران حتي لا يراها احد غيري ولا انشر ولن انشر صورتها.. ريفي؟ يجوز اناني؟ مؤكد مسألة شخصية جدا؟ نعم. وماذا لو نشرتها سوف تدرك علي الفور صورة تقول من امي.. ليس الاجمل طبعا وسوف تقارن بين عيوننا وشفتيها.. اما البساطة والسماحة والصفاء والنقاء والهناء فهو وجه امي اما انا فلا اشبهها في ذلك.. وانما وجه يبدو احيانا بلا معني واحيانا انظر طويلا في المرآة اعرف من انا فأجد الحيرة والحزن واجد القلق وقد اضيف الي كل هذه السمات الموت.. فقد امي شئ امامي؟ لا اجد ما يخيفني ولكن هناك بقايا حياة في الريف وحدي مع امي وحدها.. لقد ذهب الذي كان عصبيا ولكن الخوف باق فقد اعتدنا في الريف ان نقفز الفئران والعقرب والثعالب تخطف منا الدجاج والبط ويكون لها صوت وبكاء وللكلب نباح وبكاء كل ليلة.. وفي الصباح نجد بقايا.. لقد قفزت الثعالب وحطمت الموانع الخشبية وقطعت الحبال وذهبت بالدجاج بعد ان شربت البيض.. ولم يجرؤ يوما علي ان ننهض من الذئب الذي يحاول الدفاع عن الدجاج وانما كل ما فيها رغم ان النوافذ مغلقة تماما والابواب. مرة واحدة نهارا.. دخل السبع وتسلل من الحديقة حول البيت الي فراشي مع شمس الشتاء فجاءت امي فوجدت الي جواري ثعبانا قد تمدد والتصق بجسمي هي التي تقول وقد رأيت اللحظات الأخيرة من هذا الموقف المرعب.. فجأة وجدت امي قد ألقت بالبطانية علي السرير وتحت البطانية علي الثعبان وراح يهرب منها ويطاردها عندما سحبتني امي فوق السرير.. وفي ذلك اليوم خرجت وعادت رجلا كان يبيع الفجل والجرجير عند نهاية الشارع قالت لي: رفاعي. ولم افهم.. فقالت: ايه انتظر لا خراج الثعابين من البيت.. اننا نأتي له بكوب من الماء نضع الماء في يده ويقرأ.. ثم بيده الي الكوب ثم يلقي الماء في جدران الغرفة وبعد ذلك معه ناي ينفخ فيه فإذا الثعابين كلها تخرج من الشقوق.. يعني ان البيت مليء بالثعابين.. شئ مخيف وجاء الرجل وراح يصب الماء مرة اخري في كل الغرف.. ثم جلس في منتصف الغرفة بالضبط الرجل عنيف اصفر اللون ونظره ضعيف.. وظهرت الثعابين الواحد وراء الآخر.. وكلها تقفز الي حجره ومن حجره يضعها في جورب معه.. يمسك الثعابين فلا تعضه وحتي لو عضته فانه مواخذ العهد عليها رجل رفاعي أخر فالثعابين لا تعضه وسمها لا يؤذيه.. سبعة ثعابين في غرفة واحدة.. وثلاثة في غرفة اخري.. وخمسة في غرفة ثالثة اما حوش الفراخ فقد اخرج منه ثعبانا طويلا قاتم اللون انه الثعبان الذي تمدد الي جواري وصيعته القطة واكلت اكثر ما والباقي التف عليه النمل ونشره رمادا ونقله الي جحور في كل مكان.. فكيف لا تخاف.. لما جلست بالقرب من الدجاج ومن الثعابين بقي الخوف.. الخوف من اي شئ سيجئ او لا يجئ ان الخوف قاعد جاهز لكي يكون مقرا لاي شئ.. واستقر الخوف الي مداه القلق والارق والاسي والحزن - وهذه حياتي بالقلتتن والورق.. امي استأذنك فقد حان موعد ومكان غطائي اطوي الورق وألقي القلم وأغلق الباب والشباك وأضع المنديل علي فمي حتي لا يشمك احد. علي عيني وعلي افقي.. وانتشر المنديل بعد ذلك ستارا اسود قاتما علي ما تبقي من حياتي وليس سرا ان تموت امي ولا هو خبر انه حقيقة والحقيقة الوحيدة في حياتنا فالموت كما يقول الفيلسوف الوجودي هدجر.. الموت فعل يوحي علي كل فعل.. والموت شخصي.. الموت عام.. شخصي لانني انا بعضه الذي يموت وعام لاننا كلنا سوف نموت والموت ليس نهاية فامي ماتت ولا ازال اقلبها كأنها مريضة وانا الذي استدعيها واسترجعها واستضيفها.. انني دفنتها بيدي.. دفنتها هناك بيدي دفنتها هناك في الارض وهنا في وجودي.. اما في الارض فلا اعرف لها شيئا قد فتحت قبرها من ثلاثين عاما فوجدت قطعة من العظم اما في نفسي فهي كاملة الاوصاف.. ضاحكة وحزينة ولا تقول وافسر انا كل شئ.. وامي ليست معي لانها لم تمت.. وامي ليست ضدي، لاني اسمع همسها مدويا في كل ما هو أنا.. وكما تري اريد ان اتحدث عن موت ابي فيعترضني موت امي.. اريد ان احيي ذكراه فقط هنا اتحدث عنه.. فما الذي حدث له ولها ولي لم يحدث شئ سوي ان امي كانت في حياتها كل شئ لي.. اصبحت من يديها كل شئ لي! ماتت امي وانت تعرف ذلك ويخيل لي دائما انك لم تعرف بدرجة كافية فأحدثك عنها ناسيا ان هذا لا يغنيك ولا يقدم ويؤخر ولكن يعنيني ويقدم ويؤخر ويحيي ويميت. سألت كثيرا من الذين يشتغلون باستدعاء الارواح.. عن طريق السكة التي كتبت عنها سنة 0691 فانتشرت في مصر والعالم العربي ولكن السكة انها مشغولة بي.. وانها تقول لي: لا تخف يا ابني اصبر مهلا كل شئ سوف تجد حلا لا تخف.. وسألت الذين يتقدمون جلسات استحضار الارواح تبدأ الجلسة من معكم الآن اسمها كذا لاحظ انني لم اكتب اسم امي ولن اكتبه فاقول: انا.. فيقول: انها تقول انها سعيدة لرؤيتك وهي لا تستطيع ان تظهر وحدها وانما لابد من وجود اناس يفزون شيئا لا اعرفه ساعدني علي ان اتعلم وان يكون كلامي واضحا انا سعيدة يا ابني اللي بشوفك عاوز حاجة يا ابني الباب بتاع الضريح مفكوك.. حاول تصلحه يا ابني.. واذهب الي الضريح واجد الباب فعلا قلقا من موضعه.. وفي احدي زياراتي للهند كان لابد ان اري هؤلاء الذين يستخدمون الارواح - الشياطين العفاريت الملائكة البشر - سألته قال لي: هذه السيدة لم تظهر عندي من قبل ولكنها لا تريد ان تتكلم معك. فالبيت خانق والدنيا حارة وهي تريدك ان تعود الي الفندق بالسلامة؟ وفي طريقي الي مدينة (تاج عسل) الهندية اعترضنا رجل يمسك الافاعي في عيس من القماش وقال لي: هات دولارا وانا اعمل لك معجزة. - معجزة - نعم معجزة واذا لم تحدث ساعيد لك الدولار ما رأيك - موافق - هل تحب ان اكتب اسمك - ولماذا اسم ايه - هذه معجزة فانا لا اعرف من انت ولا من اي بلد ولا اعرف امك ولا اسمها.. قلت موافق.. واخرج الثعابين من الكيس وراح ينفخ في الكيس ويبعثر علي الكيس رائحة الثعابين شكلا غريب فقال انتهوا: اقرأ هذا اسم امك.. والحروف انجليزية كما تري.. فعلا كتبت اسم أمي! وماتت أمي يرحمها ويرحمني الله الله لاتمتها مادمت حيا فهي حياتي وهي مماتي دعنا يارب نموت معا كما عشنا معا وقد كنت حياتها.. اما فهذه حياتي وهذه امنياتي.. ولم اترك احدا يعيش بي أو يموت بي او من اجلي.. انني نهاية السطر.. آخر نقطة في سطر حياتي انا البداية بدايتي وانا النهاية.. نهاية امي وابنها!