القومي للمرأة ينظم لقاء تنسيقي مع محافظة القاهرة    عيار 21 مفاجأة.. تراجع كبير في أسعار الذهب اليوم بالتعاملات المسائية    بالصور.. تنفيذ إزالة على الرقعة الزراعية بقرية تفهنا العزب بزفتى    إيران لمجلس الأمن: استهداف إسرائيل دفاع عن النفس    إيران: إحالة 28 متهمًا في 15 قضية متصلة بإسرائيل إلى النيابة العامة    ليتوانيا تبدأ إجلاء مواطنيها من إسرائيل برًا مع تصاعد التوترات مع إيران    زيلينسكي يطالب خلال زيارته لفيينا بفرض المزيد من العقوبات على روسيا    كأس العالم للأندية| تشكيل تشيلسي لمواجهة لوس أنجلوس    وفاة مسن داخل مطار القاهرة إثر أزمة قلبية مفاجئة    مقتل فتاة بإحدى قرى كفر الشيخ في ظروف غامضة    ذكريات تترات الدراما المصرية تشعل مشاعر الحنين فى حفل كامل العدد بالأوبرا    "مطروح للنقاش" يسلط الضوء على محاولات إسرائيل تدمير البرنامج النووي الإيراني    معتز هشام يكشف تفاصيل دوره في مسلسل«ابن النصابة»    بعد العيد.. 5 مشروبات طبيعية تساعدك على استعادة رشاقتك بطريقة صحية    تأجيل محاكمة 11 متهما بالانضمام لجماعة إرهابية فى الجيزة ل8 سبتمبر    نراهن على شعبيتنا.. "مستقبل وطن" يكشف عن استعداداته للانتخابات البرلمانية    وزير الثقافة: تدشين منصة رقمية للهيئة لتقديم خدمات منها نشر الكتب إلكترونيا    وائل جسار يجهز أغاني جديدة تطرح قريبا    "كوميدي".. أحمد السبكي يكشف تفاصيل فيلم "البوب" ل أحمد العوضي    ما الفرق بين الركن والشرط في الصلاة؟.. دار الإفتاء تُجيب    وزير خارجية إيران: مكالمة من ترامب تنهي الحرب    طبيب يقود قوافل لعلاج الأورام بقرى الشرقية النائية: أمانة بعنقي (صور)    العثور على جثة شاب مصاب بطلق ناري في ظروف غامضة بالفيوم    محافظ الدقهلية يتفقد أعمال إنشاء مجلس مدينة السنبلاوين والممشى الجديد    نقيب المحامين يترأس جلسة حلف اليمين القانونية للأعضاء الجدد بنقابة المنوفية.. ويطالبهم بالتسلح بالفكر والعلم    لمست الكعبة أثناء الإحرام ويدي تعطرت فما الحكم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ما هي علامات عدم قبول فريضة الحج؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أمين الفتوى يوضح حكم الجمع بين الصلوات في السفر    وزير العمل يستقبل المدير التنفيذي للأكاديمية الوطنية للتدريب- صور    سي إن إن: إيران تستبعد التفاوض مع واشنطن قبل الرد الكامل على إسرائيل    البنك المركزي يطرح سندات خزانة ب16.5 مليار جنيه بسعر فائدة 22.70%    إلهام شاهين توجه الشكر لدولة العراق: شعرنا بأننا بين أهلنا وإخواتنا    مفوض الأونروا: يجب ألا ينسى الناس المآسي في غزة مع تحول الاهتمام إلى أماكن أخرى    البنك التجارى الدولى يحافظ على صعود المؤشر الرئيسى للبورصة بجلسة الاثنين    «لترشيد استخدام السيارات».. محافظ قنا يُعّلق على عودته من العمل ب «العجلة» ويدعو للتعميم    تقرير يكشف موعد خضوع فيرتز للفحص الطبي قبل الانتقال ل ليفربول    عضو ب«مركز الأزهر» عن قراءة القرآن من «الموبايل»: لها أجر عظيم    التضامن تعلن تبنيها نهجا رقميا متكاملا لتقديم الخدمات للمواطنين    افتتاح توسعات جديدة بمدرسة تتا وغمرين الإعدادية بالمنوفية    وفود دولية رفيعة المستوى تتفقد منظومة التأمين الصحي الشامل بمدن القناة    بعد عيد الأضحى‬.. كيف تحمي نفسك من آلالام النقرس؟    تخفيف عقوبة 5 سيدات وعاطل متهمين بإنهاء حياة ربة منزل في المنيا    النائب حازم الجندي: مبادرة «مصر معاكم» تؤكد تقدير الدولة لأبنائها الشهداء    إيراد فيلم ريستارت فى 16 يوم يتخطى إيراد "البدلة" في 6 شهور    تصنيف الاسكواش.. نوران جوهر ومصطفى عسل يواصلان الصدارة عالمياً    محمد عمر ل في الجول: اعتذار علاء عبد العال.. ومرشحان لتولي تدريب الاتحاد السكندري    «فيفا» يوجه رسالة جديدة للأهلي وإنتر ميامي بمناسبة افتتاح المونديال    وزير الصناعة والنقل يشهد توقيع عقد ترخيص شركة "رحلة رايدز لتنظيم خدمات النقل البري"    لا تطرف مناخي.. خبير بيئي يطمئن المصريين بشأن طقس الصيف    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة.. 6 يوليو    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    أسعار الأسماك بكفر الشيخ اليوم.. البلطي ب 80 جنيها    الينك الأهلي: لا نمانع رحيل أسامة فيصل للعرض الأعلى    إصابة 3 أشخاص بطلقات بندقية فى مشاجرة بعزبة النهضة بكيما أسوان    أمن الجيزة يضبط المتهمين بسرقة كابلات شركة فى كرداسة    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    إمام عاشور: ما حدث ليس غريبا على بيتي الأهلي.. وسأعود أقوى    الشرطة الإيرانية: اعتقال عميلين تابعين للموساد جنوب طهران    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتخابات السودانية وإعادة إنتاج الاستقطاب
نشر في الأهرام اليومي يوم 26 - 04 - 2010

أجريت الانتخابات السودانية علي مدي خمسة أيام في الفترة من‏11‏ إلي‏15‏ إبريل الحالي وقد مرت عملية الإقتراع التي إتسمت بالتعقيد والتركيب في هدوء تام حيث لم يعكر صفوها أي احداث شغب أوعنف‏. وحتي الحادث الوحيد الذي وقع في جنوب السودان وراح ضحيته عدد من الجنوبيين المنتمين إلي حزب المؤتمر الوطني تبين أن وراءه خلافات ودوافع شخصية لا علاقة لها بالعملية الانتخابية‏.‏
وقد مثل ذلك إنجازا كبيرا يحسب للشعب السوداني كدلالة رقي وتحضر‏.‏ السمة الثانية التي ميزت هذه الإنتخابات هي الإقبال الهائل من الشعب السوداني بمختلف فئاته علي المشاركة والتصويت التي قدرها المراقبون الدوليون بما يزيد علي‏60%‏ بينما أكدت المفوضية السودانية للإنتخابات أنها تتجاوز نسبة‏70%‏ الأمر الذي أشار إلي توق غالبية السودانيين إلي الخروج من الدائرة الجهنمية للأزمات والحروب والتراشق المستمر بين الفرقاء دون جدوي سوي الإهدار الهائل لكل فرص وامكانيات السودان‏.‏ تمثلت السمة الثالثة للإنتخابات السودانية في أنها تمت تحت رقابة واسعة النطاق خارجية وداخلية كنوع من الضمانة لنزاهتها من ناحية وتعبيرا عن الحرص علي الحصول علي الاعتراف والقبول الدوليين بالنسبة للرئيس البشير وحزب المؤتمر الوطني الحاكم‏.‏ وقد أعلنت مفوضية الانتخابات عشية يوم الإقتراع أن هناك أكثر من‏800‏ مراقب خارجي يتبعون أكثر من‏18‏ منظمة اقليمية ودولية من أهمها بعثة الإتحاد الاوروبي التي ضمت أكثر من‏130‏ مراقبا وبعثة مركز كارتر التي ضمت أكثر من‏70‏ مراقبا وتعززت بوصول الرئيس كارتر بنفسه حيث قضي كل أيام الإقتراع الخمسة متجولا في الانحاء المختلفة للسودان وكانت هناك أيضا بعثات للإتحاد الافريقي والجامعة العربية وللعديد من الدول التي كان من بينها مصر التي أرسلت بعثة من‏20‏ مراقبا‏.‏ وبالإضافة إلي ذلك بلغ عدد المراقبين المحليين في السودان أكثر من‏20‏ ألف مراقب يتبعون لعدد كبير من منظمات المجمتع المدني والمنظمات الاهلية السودانية‏.‏ واهمية وجود هذه الرقابة والقبول بها خاصة من حزب المؤتمر الوطني انها فهمت كدليل وكاشارة علي رغبة هذا الحزب في أن تحظي الانتخابات السودانية ونتائجها بالمصداقية وأن تحوزالشرعيتين القانونية والسياسية معا غير أن حالة الإرتباك والضبابية التي غمرت المشهد السياسي إلي ما قبل بدء الاقتراع بأربعة أيام فقط وأجواء التشكيك والإتهامات التي أطلقتها المعارضة بوجود تجاوزات ضخمة في سجلات الناخبين وفي أداء المفوضية ومجمل الاجراءات والإطر المفضية إلي عملية الاقتراع ألقت بظلالها علي العملية الانتخابية لاسيما بعد أن إستقر الأمر في نهاية المطاف علي مقاطعة كل من حزب الامة القومي والحزب الشيوعي وقطاع الشمال في الحركة الشعبية لتحرير السودان للانتخابات في كل مستوياتها إلا أن مرور أيام الاقتراع الخمسة بدون عنف وبنسبة مشاركة مرتفعة أحيا الامال من جديد في قدرة هذه الانتخابات علي إحداث نوع من الإختراق للدائرة المغلقة للأزمات السودانية التي تعيد إنتاج نفسها باستمرار‏..‏ غير أن هذه الآمال سرعان ما بدأت تخبو من جديد مع التقارير الأولي لإعلان النتائج‏.‏
النتائج

أشارت كل التقارير المعلنة عن نتائج الانتخابات السودانية حتي وقت كتابة هذه السطور إلي إحراز الرئيس البشير لفوز كاسح مع هيمنة كاملة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي إعلن فوزه بمناصب ولاة الولايات في‏14‏ من‏15‏ ولاية في الشمال وكذلك غالبية مقاعد البرلمان القومي والمجالس التشريعية في الولايات بفارق شاسع‏.‏ وفي المقابل فازت الحركة الشعبية لتحرير السودان بمواقع الولاة في الولايات العشر لجنوب السودان ومعظم مقاعد برلمان الإقليم ومجالس ولاياته والمقاعد المخصصة للجنوب في البرلمان القومي‏.‏
علي الجانب المعارض جاءت النتائج المتتالية تعلن خسارة الحزب الاتحادي‏-‏ الذي شارك في كل مستويات الترشيح لكل الدوائر والمواقع التي تقع في دائرة نفوذه التقليدي في شمال السودان بالإضافة إلي خسارته لمنطقة كسلا في شرق السودان رغم ضخامة الحشود الجماهيرية التي خرجت لإستقبال الميرغني في زيارته لهذه المنطقة قبيل الانتخابات مباشرة والتي بلغت حدا أدهش المراقبين مما دعا الميرغني إلي أن يتساءل مندهشا‏'..‏ حتي كسلا‏!!'‏ وكان اللافت للنظر أن الخسارة شبه الكاملة للحزب الاتحادي لم تكن بفارق معقول في الأصوات يدل علي وجود نوع من التنافس أو يمكن إعتبارة ناتجا عن المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي حدثت خلال العقدين الماضيين بل كانت بشكل كاسح يصل الي‏90%‏ من الاصوات أو يتجاوزها في بعض الأحيان‏.‏ أما بالنسبة لحزب المؤتمر الشعبي الذي كان قد شارك بدوره في العملية الانتخابية بكل مستوياتها فقد تبين سقوط زعيمه حسن الترابي الذي كان قد ترشح علي قائمة التمثيل النسبي حيث حصلت قائمة حزبه علي نسبة‏2%‏ فقط في حين أن الحد الادني المطلوب للتمثيل في البرلمان تبلغ‏4%‏ كما خرجت الغالبية العظمي من مرشحي حزبه في كل المستويات بأصوات هزيلة للغاية‏.‏

في الوقت نفسه ظهرت نتائج عديدة تشير إلي حصول بعض المرشحين الحزبيين أو المستقلين علي صوت واحد في بعض الدوائر أو عدم الحصول علي أي صوت في بعض الاحيان رغم تصويتهم وأقاربهم في مركز إنتخابي محدد أو اعلان حصول بعض مرشحي حزب المؤتمر الوطني علي اصوات تزيد عن عدد الناخبين في مراكز انتخابية بعينها‏..‏ وراجت الأحاديث عن حدوث تزوير واسع بطرق عديدة كما نشرت المواقع الالكترونية شريط فيديو يظهر موظفي المفوضية في إحدي دوائر المنطقة الشرقية يملأون الصنايق ببطاقات مزورة‏.‏
ردود الأفعال
في نهاية المطاف أدت الملامح العامة لنتائج الانتخابات إلي ردود أفعال تتسم بالحدة والرفض الكامل للعملية الانتخابية برمتها وكل النتائج المترتبة عليها من قبل كل القوي السياسية المعارضة في الشمال وكذلك في الجنوب‏..‏ حيث أعلن السيد محمد عثمان الميرغني أن الحزب الإتحادي الأصل لا يعترف بالنتائج جملة وتفصيلا وطالب بإعادة الانتخابات بشكل كامل ثم غادر السودان غاضبا كما أعلن مرشحه الرئاسي حاتم السر أنه لن يعترف بالنتائج فيما وصمها حسن الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي بالتزوير الكامل وأنه تم إستبدال الصناديق وان حزبه لن يشارك في أي مؤسسة تنتج عن هذه الانتخابات بعد أن كان قد وصفها عقب إنتهاء الإقتراع مباشرة بأنها لم تشهد تزويرا وان كانت قد حفلت باخطاء فادحة‏.‏ وفي الجنوب اعلن لام كول مرشح حزب الحركةالشعبية للتغيير الديمقراطي لمنصب رئيس حكومة اقليم جنوب السودان عن تعرض وكلائه للضرب والاعتقال في العديد من الدوائر وان هناك تدخلا سافرا من الجيش الشعبي في عملية التصويت التي شهدت تزويرا واسعا لصالح مرشحي الحركة الشعبية لتحرير السودان‏..‏ وبذلك إنضم الذين شاركوا في الانتخابات إلي القوي التي كانت قد قاطعت منذ البداية إحتجاجا علي عدم توافر الحد الأدني من متطلبات النزاهة والشفافية حيث وصف فاروق أبوعيسي رئيس هيئة‏'‏ تحالف أحزاب جوبا‏'‏ العملية الانتخابية بأنها تزوير كامل من الألف إلي الياء‏.‏
في ذات السياق المتصل بمدي صدقية هذه الإنتخابات جاءت تقارير المراقبين الدوليين تحمل قدرا من التشكك حيث أشارت بعثتا الجامعة العربية والإتحاد الافريقي إلي وجود بعض أوجه النقص أو التقصير إلا انهما إعتبرتا الإنتخابات خطوة هامة علي طريق التحول الديمقرطي بالنظر الي الظروف التي يمر بها السودان في الوقت الذي أشارت فيه البعثتان الأكثر أهمية وتأثيرا وهما بعثتا الاتحاد الاوروبي ومركز كارتر إلي أن الإنتخابات السودانية لم تستوف المعايير الدولية ولم ترق إلي ما وعدت به الخرطوم من انتخابات حقيقية وان كانت حسب اعتقاد الرئيس كارتر سوف تحظي باعتراف المجتمع الدولي‏,‏ وهو ما حدث بالفعل حيث اعترف المتحدث باسم البيت الابيض ان هناك شكوكا احاطت بهذه الانتخابات الا انها خطوة علي طريق تطبيق اتفاقية السلام الشامل بما يوضح أن الهدف الامريكي من العملية برمتها كان ينحصر في كونها خطوة ضرورية علي طريق التقدم نحو الاستفتاء علي حق تقرير المصير وفصل جنوب السودان‏.‏
وهكذا فإن المحصله النهائية أن النتائج المعلنة أعادت انتاج الهيمنة والسيطرة الكاملة لشريكي اتفاقية نيفاشا وهما المؤتمر الوطني في الشمال والحركة الشعبية في الجنوب‏..‏ وقذفت بكل القوي المعارضة إلي هامش العملية السياسية‏..‏ وهذه النتائج وإن كانت تصب في صالح الإستمرار في تطبيقات إتفاقية نيفاشا كما هو مرسوم لها إلا أنها تعني أيضا التكريس الكامل لتقسيم السودان من الناحية العملية وبما يستبق التقسيم الفعلي الذي سيحين موعده في يناير‏2011‏ ويعني أيضا إضعاف قدرة السودان علي مواجهة التحديات الجسام التي سوف تواجه السودان في الشهور والسنوات القادمة فضلا عن إهدار أخر فرصة حقيقية لإحداث نوع من التحول في مسار العملية السياسية في السودان من الصراع المسلح الي الصراع السلمي عبر قواعد محددة متفق عليها إستنادا الي عملية التحول الديمقراطي التي قبل بها الجميع‏.‏
إن النتائج المعلنة للانتخابات السودانية تعني أنها أنها لم تغير شيئا ولم تضف شيئا الي الساحة السياسية سوي المزيد من الاستقطاب حيث بقي كل في مكانه بنفس الخطاب ونفس التوجهات ونفس المعالجات مع المزيد من الإحتقان‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.