تتفق أو تختلف معه أو عليه, فإن اتفاقك واختلافك,لن ينكر حقيقة أن جمال عبد الناصر من بين عدد قليل من الزعماء المصريين والعرب , الذين استطاعوا أن يملكوا قلوب الجماهير, ليس في مصر فقط, بل في العالم, لا سيما العالم المغلوب علي أمره علي كوكب الأرض. مرت أيام, بل وسنوات علي الشارع المصري بكثيرمن تشكيلاته, كان للتيار الناصري وجوده الملحوظ بل والقوي, ولا نبالغ إذا قلنا إنه هو التيار الأكبر الذي كان يقف في مواجهة هيمنة جماعات الإسلام السياسي الطلابية والشعبية. ورغم أن الفريقين كانا يعانيان من الملاحقات الأمنية إلا أن فريق الإسلام السياسي صعد بقوة في الجامعات, بل وفي الشارع أمام تراجع حاد من التيار الناصري. كان عشاق كاريزما عبد الناصر من البسطاء أو المثقفين الذين يدينون بالولاء له, يتوقون ليوم يأتي فيه حزب يجمع شتات الناصريين ويترجم حب جمال عبدالناصر إلي مشروع سياسي ولديهم أمل بأنه سيكون له ثقله علي كل المستويات. لكن للأسف لم يحدث, فالحزب الناصري منذ الإعلان عن مولده رسميا, بعد صراعات ومواجهات عنيفة مع نظام الحكم, كان من المتوقع أن يستثمر الحزب ذلك التراث الضخم الذي تركه عبد الناصر, ولم تفلح في محو هذا الحب القائم علي العاطفة الجماهيرية, تلك المرارات التي كانت مصاحبة للتجربة وكذلك العداء الرسمي من أجهزة الدولة. وثالثة الأثافي, ما كان من الربط الخبيث بين تجربة الاشتراكية الناصرية والتجربة الشيوعية, بل وتصوير عبد الناصر أحيانا علي أنه معاد لكل ما هو إسلامي ومحاولة ترسيخ ذلك في مفاهيم الشباب الذين تشكل وعيهم بعيدا عن التجربة وتحت سيطرة أجهزة إعلام وقفت مواقف أقل ما يوصف منها أن مواقفه كانت سلبية تجاه كل ما يمت لعبد الناصر بصلة. الكارثة التي لا تكاد تصدق, أنه قد بلغ ببعض الكتاب الناصريين أن عقدوا مقارنات بين الناصرية وبين النظريات الأيدلوجية الكبري; وانتصروا بالطبع للنظرية الناصرية في ختام تلك المقارنات التي يبدو أن كاتبيها لم يعترفوا بأن عصر النظريات العظمي والأيدلوجيات الكبري قد ولي, والتاريخ لم يسمح لها بالعودة. وانظر إلي ذلك التقسيم العجيب الذي ابتدعه البعض والذي اندثر لحسن الحظ, ما بين جماليين نسبة إلي جمال, وناصريين نسبة إلي عبد الناصر, فالأول يشمل القطاعات العريضة التي تحب جمال ومفتونة بشخصه وكارزميته منقطعة النظير, والآخر يطلق علي المؤمنين بعبد الناصر صاحب النظرية الناصرية.. مع أن عبد الناصرلم يقدم للجماهير التي التفت حوله أي نظريات ولم يدع مطلقا أنه مفكر! وعليه.. وجدنا أن التيار الناصري يتمزق ويفقد الكثير من وجوده في الشارع, بل ولم يتمكن من حتي استثمار الاضطهاد كما حدث علي الجوانب المنافسة له. الفرصة الماسية التي كادت تعيد شتات الناصريين وتحقيق الحلم الكبير, تجددت في تلك المنافسة الساخنة التي جعلت واحدا من قيادات الناصريين, يدخل منافسة شرسة علي مقعد الرئاسة, إلي درجة المفاجأة التي جعلت لقب الحصان الأسود في السباق يلتصق بالمرشح حمدين صباحي والذي لم تجد قطاعات كثيرة من الجماهير أي غضاضة في خلفيته الناصرية, بل كانت محفزا للكثير منها علي مساندته في الانتخابات, فقد كان قاب قوسين من خوض جولة الإعادة وظل الامل عالقا بمناصريه حتي لحظة إعلان نتائج الجولة الأولي.. ولم يكن مغرقا في الأمل.. ذلك الذي ظن أو انتظر أن تكون هذه المنافسة القوية, دافعا قويا للم شمل البيت الناصري والظهور بمظهر القوة من جديد..لكن حتي الآن لم يحدث. والمؤشرات الحالية تظهر أن هذا لن يحدث إلي درجة تدعو للدهشة, فيبدو أن تاريخ الانشقاقات والانسحابات في صفوف التيارات الناصرية, أصاب الكثيرين بالإحباط.