محاولة الدفع بالمهندس عبد الحكيم عبد الناصر نجل الزعيم جمال عبد الناصر في آتون السياسة بالترشح لرئاسة الجمهورية ربما يعيدنا من حيث الشكل إلي زمن المجد الناصري ، ولكنه ليس ضرورياً بالطبع أن يكون للإبن ما كان للأب ، فهناك فرق شاسع بين المرحلتين ، فمرحلة ناصر تشكل وعي الجماهير فيها علي الثورة العظمي التي قادها وغير بها وجه التاريخ ومن ثم كان دورة امتداداً لها ، فالإنجازات التي تحققت جاءت بفعل الإيمان بزعامته وقدرته الفائقة علي استيعاب المشكلات الكبرى ومجابهة التيارات المناهضة وتمرسه علي العمل السياسي منذ صباه وانخراطه بين التيارات المختلفة واستخلاصه لعصارة كل الأفكار ، الأمر الذي منحه الحصانة وخلق لديه مناعة قوية جعلته قادراً علي درء الأخطار والإبحار بالسفينة في المحيطات السياسية الوعرة كقبطان تدرب كثيراً علي القيادة وتعلم فنون الإنقاذ في الوقت المناسب. لو عقدنا مقارنة بين جمال عبد الناصر وعبد الحكيم وأردنا أن نوصل مسيرة الأول بالثاني سنكون قد ظلمنا حكيم وألقينا به في اليم دون التأكد من قدرته علي السباحة بشكل يضمن له النتائج ويحفظ لأسم عبد الناصر كرامته وتاريخه وتأثيره، خاصة أن خاطر الترشح لمنصب الرئيس راوده متأخراً ورغبة المحبين والمريدين من أنصاره أو بالأحري أنصار والده جاءت في الوقت الضائع وهو ما لم يسمح له بعمل الدعاية المناسبة ويمكنه من التدشين الجماهيري القوي للفوز أو حتى المنافسة علي الفوز لو تساوت الأصوات بينه وبين مرشح آخر وأجريت انتخابات للإعادة ، لأن المشكلة ليست في جمع 30 ألف توكيل كمسوغ لإكتمال نصاب الترشح فهذه مهمة وإن كان بها قدر من الصعوبة فإنها ليست مستحيلة ، وإنما الأصعب هو إقناع الناخبين في زمن قياسي جداً بأن المهندس عبد الحكيم جمال عبد الناصر هو الشخص الأكثر ملائمة نظرياً وعملياً وأن المرجعية في اختياره مردها أشياء أخري غير كونه إبن الزعيم الذي أحبته الملايين من المحيط إلي الخليج وما زالت تعتبره الإستثناء الوحيد بين من حكموا مصر في العصر الحديث ، فهذا وحده لا يكفي .. نعم سيكون له تأثير كبير في التعاطف والحصول علي نسبة لا بأس بها من الأصوات ، ولكنها حتماً لن تكون النسبة الفارقة التي تجعله يتفوق علي مرشحين آخرين أنفقوا ملايين الجنيهات علي الدعاية ويعملون ليل نهار منذ فترة طويلة ويجوبون المدن والقرى والنجوع طوافاً حول الهدف ولا يتورعون من تقديم الإغراءات المالية والعينية ويعدون بالمزيد . وهذا ليس تكهناً بما يحدث ولا ضرباً من خيال ولكنها الحقيقة التي لابد أن يعيها عبد الحكيم إذا كان بالفعل جاداً فيما ينتويه ، فالمجال لا يحتمل الفرقعة الإعلامية ونحن بدورنا مجرد ناصحين ولسنا محبطين أو مثبطين ، بل علي العكس فأنا شخصياً سأكون أول من يدلي بصوته لصالح مرشح القومية العربية وسأسعد تمام السعادة لو تحقق الحُلم وأصبح ابن الزعيم زعيماً ولكني في نفس الوقت أخشي علي التجربة الناصرية بتاريخها وتجلياتها من الاهتزاز لو هُزم المرشح المحتمل أمام سطوة رأس المال ومتاريس الاستعداد المتينة المثبتة علي الأرضية الدينية والمدعومة بشعارات عقائدية لا يقبل الشارع المصري المنازعة عليها . وهذه قوة لا يستهان بها ومازالت نتائجها قائمة في مجلسي الشعب والشورى والنقابات المهنية ، ولابد لمن يريد المنافسة أن يكون علي ذات المستوى وإلا فاليوفر علي نفسه الوقت والجهد ويترك الكرسي لصاحب النصيب .. وأكرر مرة ثانية أن كلامي لا ينطوي علي رغبة في التيئيس ولكني فقط أتعامل مع الواقع بآلياته وأحاول أن أقرأ معطياته قراءة عقلانية فالإخفاق في تحقيق غاية أو هدف أشد إيلاماً من التراجع عنه .. إنني أعترف بأن ما سمعته من أنباء عن نية ترشح المهندس عبد الحكيم عبد الناصر قد هز مشاعري وأصابني بفرحة غامرة وأن ما نما إلي علمي عن نفيه إعتزامه الترشح أصابني بالصدمة وخيبة الأمل قبل أن أتأكد من عدم صحة النفي ، ولكن بعد وقفة متأنية مع نفسي صرت في حيرة من أمرى ولم أستطع الجزم بمنطقية قرار الرجل بالترشح لمنصب الرئاسة من عدمه وإلي الآن لا أزال علي حيرتي وغير قادر علي الإجابة عن السؤال الذي يثور في رأسي .. هل من حقنا أن نحلم برئيس قومي عروبي لمصر يكون امتداداً لمسيرة طويلة بدأت منذ أكثر من نصف قرن أم أننا واهمون . أتصور أن الحل الأمثل في مثل هذه الحالة الاضطرابية هو الانتظار .