وسط ملفات إقليمية ملتهبة وغامضة وملتبسة يظل الملف الفلسطينى الأكثر تعقيدا لذا يتطلب الأمر فى هذه المرحلة متابعة مستمرة ودقيقة ونقاشا عاما جادا وشاملا. وأبرز ما يمكننا لفت الأنظار إليه مبدئيا هو تعهد الرئيس ترامب قبيل وصوله للبيت الأبيض بحل الصراع فى غضون 6 أشهر. حيث سيجد المراقب أن ترامب قدم للإسرائيليين مُقدما ما كان يجول فى أحلام غلاة المتطرفين لديهم. وحينما حان الوقت لتقديم فتات للفلسطينيين بتحسين أحوالهم المعيشية.. ومنحهم وضعا أكثر من حكم ذاتى وأقل من دولة، تملص نيتانياهو بداعى إعادة الانتخابات المبكرة. وهو ما يعنى أن صفقة القرن تم تنفيذ شق منها بالفعل بمنح إسرائيل امتيازات تتعلق بوضع القدس، ووضع الجولان ثم ما أفصح عنه السفير الأمريكى فى إسرائيل دافيد فريدمان أخيرا حين ساند حق إسرائيل فى خطوة أخرى أحادية الجانب، ألا وهى ضم جزء من الضفة الغربية لإسرائيل. على الصعيد الإسرائيلى الداخلى يمكننى القول بأن مشهد اسقاط افيجدور ليبرمان لحكومتين برئاسة نيتانياهو خلال عام واحد أمر باعث للريبة والتشكك لأنه لا يوجد ما يستدعى هذا الاشتباك من الأساس عند تشكيل الحكومة الائتلافية. وعلى هذا من غير المستبعد أن يكون تأجيل إعلان الحكومة الجديدة بعد إسقاط الحكومة القديمة بمنزلة هروب إسرائيلى للأمام من اتمام المرحلة الثانية من صفقة القرن (مرحلة تقديم تنازلات للفلسطينيين)، مع الأخذ فى الاعتبار أن حصول نيتانياهو على تحصين ضد الملاحقة بالفساد أمر غير مضمون. ولذا فإن الأخير يفضل تأجيل التحقيقات.. بحجة الانشغال فى التجهيز للانتخابات فى سبتمبر. سعيا لترتيب الأوراق أو الضغط على شهود لكى يتراجعوا عن شهادتهم. ومن بين مستجدات المشهد الداخلى الإسرائيلى أيضا نرصد عودة إيهود باراك (رئيس الوزراء العاشر فى إسرائيل ورئيس الأركان الرابع عشر لجيش الاحتلال) تدريجيا للمسرح السياسى بوصفه صاحب خبرة عسكرية وسياسية.. اعتزل لسنوات واتجه للعمل الخاص، لكنه لاحظ تدهور شعبية اليسار، وفشل الوسط فى تشكيل تحالف واسع لإسقاط نيتانياهو حتى بعد الاستعانة بالجنرال جانتس والجنرال يعلون. يتمتع باراك بخبرة طويلة فى التفاوض مع القاهرة كراعية لعملية السلام، وفى تجاوز أزمات أمنية حادة. وقد وصف باراك إعادة الانتخابات الإسرائيلية بأنها فضيحة.. وتحركت بالفعل مظاهرة تأييد له واحتشدت أمام منزله تطالبه بالترشح أمام اليمين المتشدد. ومع الوضع فى الاعتبار أن نيتانياهو يبلغ من العمر 70 عاما، وأن باراك أكبر منه بسبع سنوات كاملة، نجد أن بنك الشخصيات السياسية فى إسرائيل يعانى إفلاسا شديدا، وأن الميل لتدوير أسماء بعينها هو السائد. وهو ما يمكن أن يسرى على أيوب قرا،عضو حزب الليكود الدرزى البالغ من العمر64 عاما والذى فشل فى الانتخابات التمهيدية للكنيست، فرشحه نيتانياهو سفيرا فى مصر على حساب دبلوماسية صدر قرار تعيينها بالفعل منذ 7 أشهر كاملة ولم يتم تنفيذه لأسباب غير معلنة. على الرغم من سلوك غريب الأطوار لقرا، فى مقابل اختيار الليكود سابقا لشخصيات دبلوماسية أو حتى من أحزاب اليسار لتولى المنصب فى مصر. مواقف القاهرة فى المقابل من جهود إحياء عملية السلام جاءت ثابتة، وعبرت عنها تصريحات الرئيس حول حل القضية الفلسطينية. أولا عبر مبادرته عند افتتاح محطة كهرباء أسيوط. وثانيا فى كلمة الرئيس من على منصة الأممالمتحدة التى عبر فيها عن وجود فرصة لإبرام سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين على غرار السلام بين مصر وإسرائيل. وثالثا موقف السيد الرئيس فى اللقاءات مع الرئيس ترامب فى واشنطن ومفاده أن مصر ترى أن حل الصراع يكمن فى إقامة دولة فلسطينية بجوار دولة إسرائيلية على حدود 4 يونيو وتكون عاصمتها القدسالشرقية. وهى الرؤية التى تتماشى مع قرارات الشرعية الدولية، وتتسق مع مواقف الدول العربية وأغلب دول العالم، وهو ما عبرت عنه تصريحات داعمة من الجانب الفرنسي، وقبله الأردني، والمغربى تفيد بأنه لم يتم إطلاع بلادهم على صفقة القرن حتى الآن(!) وأن تلك العواصم ترى أن الحل المقبول هو حل الدولتين وفقا لقرارات الأممالمتحدة. وعلى الصعيد المصرى أيضا قابلت القيادة السياسية التسريبات عن صفقة القرن،وبعضها مستفز من فرط سذاجة التلفيق والتزوير،بتصريحات قاطعة تفيد بأنه لا مجال للحديث عن سيناء ضمن صفقة القرن، وأن من يتحدثون عن إمكانية التفريط فى شيء من الأراضى المصرية لا يعرفونها جيدا. وشدد الرئيس شخصيا على أن المصريين فى جميع الأحوال هم من يحددون مصيرهم وأن أهل سيناء لن يفرطوا فى شيء. ويمكن اعتبار هذا التصريح رسالة تحذيرية ذات مغزي، خاصة أن الرئيس قال إنه من غير الممكن لأحد أن يعمل شيئا ضد إرادة المصريين. وعلى صعيد نبض الشارع والأعمال الإبداعية يمكن الاشارة لدراما رمضان، حيث جاء فى حبكة مسلسل كلبش أكثر من أصبع اتهام لإسرائيل بشأن دعم للإرهاب وأطماع فى سيناء، ورغبة فى تهديد المصالح المصرية فى إفريقيا، وهو ما ظهر بشكل أكثر وضوحا فى فيلم العيد،الممر،حين ذكّر القائمون عليه المصريين ببطولات حرب الاستنزاف. وهو ما يعنى أن القاهرة على وعى بدورها الرائد فى دعم القضية الفلسطينية، وضرورة عدم الخروج على قرارات الأممالمتحدة ذات الصلة، وأنها فى ذات الوقت لا يمكن أن تستهين رسميا وشعبيا بما قد يضر بالأمن القومى المصري. لمزيد من مقالات ◀ د. أحمد فؤاد أنور