لم تفاجئنا تصريحات السفير الأمريكى لدى إسرائيل يوم 8/6/2019 التى شجع فيها الحكومة الإسرائيلية على ضم أجزاء من الضفة الغربية، كهدية انتخابية مجانية لبنيامين نيتانياهو قبل إعادة الانتخابات العامة المقرر إجراؤها منتصف سبتمبر المقبل، حيث يعد السفير ديفيد فريدمان من أكثر السياسيين الأمريكيين دعما للاستيطان والأحزاب اليمينية المتطرفة فى إسرائيل، كما أنه ترأس رابطة الصداقة الأمريكيين مع مستوطنة بيت إيل التى حولت إليها ملايين الدولارات لإقامة المستوطنة، وذلك رغم تأجيل طرح المبادرة الأمريكية للتسوية بين إسرائيل والفلسطينيين، للحيلولة دون التأثير بالسلب على نتائج ورشة البحرين الاقتصادية, الازدهار مقابل السلام, نهاية شهر يونيو الحالى، وبما يعكس استمرار الإدارة الأمريكية فى سياستها الرامية لتصفية القضية الفلسطينية والتى بدأت بوقف الدعم المالى لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وعدم الاعتراف بحق العودة وتقرير المصير، ونقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة بعد الاعتراف بها عاصمة موحدة لدولة إسرائيل، فضلا عن اعتبار الجولان السورى المحتل أراضى ذات سيادة إسرائيلية. ولاشك فإن معطيات الأوضاع السائدة فلسطينيا وعربيا تجعل من تنفيذ السياسية الأمريكية، ورؤيتها الخاصة على صعيد القضية الفلسطينية أمرا سهلا، فى ظل استمرار الانقسام السياسى الفلسطينى، وعدم القدرة على إدارة الصراع مع الاحتلال وتراجع الاهتمام بوضع القضية الفلسطينية فى صدارة العمل العربى ضمن رؤية فلسطينية عربية واحدة ومشتركة، تؤكد أن النزاع مع الاحتلال ليس نزاعا فلسطينيا فقط، بل هو نزاع عربى، وصولاً لتمكين الشعب الفلسطينى من الحصول على حقه فى الحرية وإقامة دولته المستقلة القادرة على البقاء فى الضفة الغربية والقطاع وعاصمتها القدس الشريف. ورغم قناعة الدول العربية المشاركة فى مؤتمر البحرين الاقتصادى باستحالة نجاح اى حل اقتصادى يقفز على تقديم حلول لكل القضايا الاساسية المكونة للصراع, إلا أنه يمكن استثمار فرصة المشاركة فى هذا المحفل الدولى لتأكيد ثوابت الموقف العربى من النزاع مع إسرائيل، خاصة أن الفريق الأمريكى المسئول عن إدارة الملف لم يتبعوا من أسس صناعة السلام العادل أو المرجعيات التى يمكن ان تحقق حلولا دائمة لكنهم اعتمدوا فى رؤيتهم لحل الصراع على أفكار اليمين الصهيونى التى تنحاز بشكل كبير لوجهة النظر الاسرائيلية، ومن ثم محاولة فصل مكونات الصراع عن بعضها تأجيل مقترحات الحل السياسية بسبب رفض الفلسطينيين هذه الصفقة، مع تغليب البعد الاقتصادى على باقى عناصر التسوية، والسعى لايجاد قيادة فلسطينية بديلة تقبل بما يطرح من حلول، وهو ماسيدفع نحو فقدان المصداقية الأمريكية فى رعاية عملية السلام، ويقطع على إسرائيل هوامش المناورة وإمكانات الخداع السياسى، لاسيما وأن التحركات الأمريكية الراهنة لاتتمتع بقبول عام داخل أوساط الإدارة الأمريكية لأنها مرتبطة أكثر بمواقف الرئيس ترامب المثيرة للجدل، وقد تفاءلنا خيرا بما تردد حول اعتزام الإدارة الأمريكية الاستعانة ببعض الخبراء فى جهود الوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين على غرار مارتين أنديك ودينس روس لإدراكهم صعوبة بل استحالة إنهاء النزاع فى الشرق الأوسط دون موافقة الفلسطينيين، أو تجاوز الأممالمتحدة وقراراتها الداعمة للحق الفلسطينى. وعلى الجانب المقابل يرتبط تجاوب نيتانياهو مع المبادرة الأمريكية برغبته فى قطع الطريق على أى طرف آخر يحاول طرح مشاريع تسوية بديلة، ومن ثم إلغاء البُعد الدولى للقضية الفلسطينية، مع اتباع سياسة التسويف والمماطلة لاستكمال مخططاته للسيطرة وضم المنطقة المصنفة (C) فى الضفة الغربية التى تلتهم مايقرب من 40% من مساحة الضفة ( تشمل غور الأردن، ومناطق المستوطنات، وأراضى الدولة المخصصة لنشر القوات العسكرية، ومناطق الجدار العازل )، مع ترسيخ الانفصال بين الضفة والقطاع ، وتعزيز الانقسام الداخلى، وبما يمكن توظيفه لتفكيك منظمة التحرير الفلسطينية وتقويض المقاومة المسلحة بتثبيت الهدنة الأخيرة بين فصائل المقاومة فى قطاع غزة وإسرائيل، لاسيما بعد نجاحها فى فك الارتباط ما بين فلسطين والعالم العربى من خلال التطبيع وتجاوز المبادرة العربية للسلام ، وتغيير طبيعة الصراع فى منطقة الشرق الأوسط ليصبح صراعا سنيا/ شيعيا واصطناع أعداء للعرب غير إسرائيل. وفى التقدير استغلال القوى اليمينية والدينية المتطرفة، وكذا مجالس المستوطنين فى الضفة لتصريحات السفير الأمريكى فى محاولة إبتزاز نيتانياهو خلال فترة الاستعداد للانتخابات الاسرائيلية والتى يراهن على نتائجها فى تأمين مستقبله السياسى وتقويض محاولات محاكمته فى قضايا الفساد المتهم بها، بهدف تحريضه لفرض السيادة الإسرائيلية على المناطق المصنفة (C)، وهو مايتطلب ضرورة استعادة وحدة الصف الفلسطينى وإنهاء الانقسام البغيض الذى تسبب فى منح اسرائيل المبررات لاستكمال مخططاتها فى تهويد الضفة والقدس، وفصلهما عن القطاع، فضلاً عن دعم مكانة منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى، وبالتالى إمكانية اللجوء اليها للتخفيف من الضغوط التى تتعرض لها السلطة الفلسطينية، خاصة مع مواصلة كل من إسرائيل والولايات المتحدة ضغوطهما المالية عليها لمعاقبتها سواء لرعايتها لأسر الشهداء والأسرى، أو لإجبار القيادة الفلسطينية على تقديم تنازلات جديدة تمس بالثوابت الفلسطينية، مع ضرورة إستثمار فرص التنسيق الإسرائيلى الأمريكى الروسى بشأن التعامل مع إيران فى إطار المقايضة بالملفات فى المنطقة لاستعادة الرعاية الروسية لعملية السلام، خاصة بعد صدور البيان الروسى الصينى الايجابى قبل أيام والذى طالب بإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على حدود عام 1967، مع تنشيط دور اللجنة الرباعية لإحياء جهود التسوية السياسية، والدعوة لعقد مؤتمر دولى للسلام يضمن تحقيق حل الدولتين، لاسيما مع إدراك الإدارة الأمريكية عدم قدرتها على تحقيق أى إنجاز يحسب لها على صعيد سياستها الخارجية خلال الفترة المتبقية للاستعداد للانتخابات الأمريكية. لمزيد من مقالات لواء . محمد عبد المقصود