يبدو ان الرئيس الأمريكي باراك اوباما علي حافة اليأس من اقناع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي باستنئاف المفاوضات فيما بينهما، فبدأ التفكير في أسلوب آخر، بعد زيارة أحمد أبو الغيط، وزير الخارجية المصري، إلي واشنطن، واحاطة الأمريكيين بنتائج ما وصلت اليه جهود الوساطة المصرية. وتفكر الادارة الأمريكية في الاعلان عن اجراء مفاوضات غير مباشرة، يجريها المبعوث الخاص جورج ميتشيل بين جميع الاطراف في الشرق الاوسط، بهدف تجاوز رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس الدخول في مفاوضات مباشرة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دون تجميد تام للاستيطان، وخاصة في القدسالشرقية. كما يفكرون في واشنطن في خيار آخر يعتمد علي ارسال الرئيس الأمريكي باراك اوباما خطابات موقعة منه إلي الفلسطينيين وإسرائيل، تتحدد فيها الشروط التي سيتم علي اساسها استئناف المفاوضات المباشرة بين الجانبين، في ضوء عدم اتفاق الطرفين فيما بينهما علي هذه الشروط. فالفلسطينيون يريدون مفاوضات تستغرق سنتين فقط، بينما يريد الإسرائيليون ان تشتمل الشروط خطاب الضمانات الذي وعده الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن لرئيس الوزراء الإسرائيلي الاسبق اريل شارون، والذي يضمن لإسرائيل ضم الكتل الاستيطانية إلي اراضيها ويعترف بمتطلباتها الأمنية! والمعني ان كل مكان يعيش فيه مستوطن يهودي علي الأراضي الفلسطينية، يحق لإسرائيل ان تطالب بضم المستوطن والارض التي يقيم عليها إلي حدودها! كما يحق لإسرائيل بموجب هذا الخطاب ايضا ان تشير إلي أي موقع، واية ارض، وتقول انا اريد هذه الارض لدواعي أمنية، فتحصل عليها ايضا! وهو امر سخيف بطبيعة الحال لا علاقة له بالعدل او الموضوعية او الواقعية! ويعتقد مسئولو الادارة الأمريكية ان الشهر القادم سيشهد الحد الاقصي من الجهد الدولي لاستئناف المفاوضات. وتشهد المنطقة زيارات متتالية من مسئولين أمريكيين، مثل مستشار الأمن القومي الأمريكي الجنرال جيم جونز، يليه المبعوث الخاص جورج ميتشيل، حتي ان السفير الإسرائيلي لدي الولاياتالمتحدة مايكل اورن عاد إلي إسرائيل ليشارك في التنسيق لزيارتي جونز وميتشيل إلي إسرائيل، وهو ما قد يشي بان المبعوثين يذهبان إلي إسرائيل ولديهما شيء ما يحظي بالأهمية. واشارت صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية إلي ان البيت الابيض دعا إلي جلسة خاصة لمناقشة جميع البدائل المتاحة لاستئناف المفاوضات، ولم يتحدد ما اذا كان اوباما قد قرر ارسال خطابات إلي الطرفين، وما اذا كان جونز سيسلم هذه الخطابات إلي اصحابها خلال زياراته إلي الرياض ورام الله وتل ابيب! وقد شارك في المناقشات حول هذا الموضوع في البيت الابيض كل من له علاقة بملف الشرق الاوسط في البيت الابيض ووزارة الخارجية الأمريكية. وكان من بين المشاركين جورج ميتشيل بطبيعة الحال، ونائب مستشار الأمن القومي الأمريكي توم دونيلون، ونائب وزيرة الخارجية الأمريكية جيم ستاينبرج، ومدير ادارة الشرق الاوسط في البيت الابيض دان شابيرو، ونظيره في وزارة الخارجية الأمريكية جيف بلاتمان، والدبلوماسي الأمريكي الشهير دينيس روس الذي يعد من كبار مستشاري الأمن القومي الذي شارك في الاجتماع رغم ان الملف المسئول عنه هو الملف الايراني، ولكنه دعي إلي هذه الجلسة نظرا لخبرته الطويلة كمبعوث للرئيس الأمريكي الاسبق بيل كلينتون إلي الشرق الاوسط. وقد اجري هذا الاجتماع بعد زيارة وزيري الخارجية المصري والاردني إلي واشنطن نهاية الاسبوع الماضي، وما ابلغاه إلي واشنطن بشأن ما وصلت اليه جهود الوساطة المصرية. مسألة وقت ويذهب البعض إلي القول بان استئناف المفاوضات مسألة حتمية لان جميع الاطراف في حاجة إلي ذلك. فأبو مازن يبدو كمن استهلك الحد الاقصي لرفضه الحديث مع نتنياهو، خاصة انه يبدو مصطنعاً! اما نتنياهو فيقول المحلل السياسي الإسرائيلي الوف بن ان الإسرائيليين سيسألونه بعد قليل: "لماذا اتعبت نفسك كي تعود إلي الحكم طالما انك ليس لديك جديد؟!". بينما يبدو اوباما جائعا لتحقيق انجاز في هذا الملف المعقد لا سيما بعد ان بدأ الجميع يتحدث عن كونه "رئيس تصريحات" وليس "رئيس افعال"، بل واعلن الكثيرون عن خيبة املهم من ادائه بشكل عام ومن ادائه في ملف الصراع العربي الإسرائيلي بشكل خاص. فبعد عام من وصوله إلي البيت الابيض النتيجة هي "محلك سر". ولذلك يبدو الرجل كمن يتعجل لتحقيق انجاز ما هناك. واعتبر الإسرائيليون جورج ميتشيل مبالغا حين قال الاسبوع الماضي في برنامج تليفزيوني ان هدف المفاوضات التي يتوسط فيها وتستمر لسنتين: "تحقيق كامل" لمبادرة السلام العربية، التي تدعو إلي انسحاب إسرائيل إلي حدود 4 يونيو 1967، واقامة دولة فلسطينية وحل "عادل ومتفق عليه" لمشكلة اللاجئين، مقابل انهاء النزاع والتطبيع الكامل بين إسرائيل والعالم العربي. ورغم العقبات والتعقيدات التي تواجه ميتشيل الا انه يستعين بخبرته في حل الصراع في ايرلندا الشمالية حيث اكتسب سمعته كوسيط سلام دولي، لانه مر هناك بنفس العقبات ونفس الظروف حيث يرمي كل طرف مسئولية الفشل علي الطرف الاخر. لكنه نجح في النهاية في عقد الصلح بين الطرفين المتخاصمين ووقعا علي اتفاق. لو كان السادات وينقل الوف بن عن نتنياهو قوله لمساعديه معلقا علي رفض عباس استئناف المفاوضات: "لو كان امامي السادات لاختلف كل شيء". لكن مصر والعرب شبعوا من مثل هذه التصريحات الاعلامية الاستهلاكية الخادعة التي اعتاد مسئولو إسرائيل اطلاقها بين الحين والآخر لدفع تهمة التعنت عن انفسهم والقائها علي الفلسطينيين بمهارة! فالفلسطينيون يريدون جدولا زمنيا سريعا ودعما أمريكيا لاقامة دولتهم في حدود 1967، وعاصمتها القدس، وان كان الحديث يجري عن "القدسالشرقية" فقط الان، مع تبادل ضيق للأراضي. وبحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية يقترح ميتشيل ان يتحدث الطرفان عن الحدود فقط، باعتبارها اقل تعقيدا، وفي اللحظة التي يتم فيها ترسيم الحدود، ستحل من تلقاء نفسها مشكلة المستوطنات. لان إسرائيل ستعرف المناطق التي يكون مسموحا لها بالبناء فيها كما تشاء واين المناطق المحظور فيها البناء. كما سيكون بوسع الفلسطينيين ان يطوروا دولتهم الناشئة. علي ان يتم وضع قضيتي القدس واللاجئين جانبا. ولكن نتنياهو يعارض التركيز علي الحدود، ويعتبر ذلك "فخا" لإسرائيل، بدعوي ان إسرائيل بذلك "تعطي ولا تأخذ"! وتشير تقارير إسرائيلية إلي ان وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك، يؤمن بتسوية انتقالية ويقترح الدفع إلي الامام ب "المرحلة الثانية من خريطة الطريق"، اي اقامة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة. ويعتقد باراك ان المفاوضات ستستغرق سنتين، بينما يحتاج تنفيذ التسوية إلي ثلاث سنوات اخري، تكمل فيها إسرائيل تطوير منظومات الدفاع ضد الصواريخ. ويفترض باراك ان التسوية الانتقالية ستفترض اخلاء مستوطنين، ليغادر اغلبهم طوعا مقابل تعويض مالي، وآخرون يكون بوسعهم البقاء كمواطنين او كمقيمين دائمين في فلسطين!. بينما يعارض الفلسطينيون بشدة فكرة التسوية الانتقالية ويرون فيها مؤامرة إسرائيلية لابقائهم معلقين في دولة محاصرة ومنقوصة ومفككة. ويراهن باراك علي ان يقتنع الفلسطينيون بان دولة بدون حدود دائمة افضل لهم من وضعهم الحالي. اما نتنياهو فيبدو كشخص ممزق بين اليمين واليسار، ويبدو ان كل ما يحرص عليه هو البقاء في الحكم فقط، وليس مهما تحقيق الانجازات! فهو ما زال يذكر كيف اسقطه اليمين اليهودي من الحكم في فترة حكمه السابقة بعد ان وقع علي اتفاق "واي بلانتيشين" مع ياسر عرفات. الترتيبات الأمنية تتلاعب إسرائيل ايضا بما يسمي الترتيبات الأمنية التي لا تكف عن ادعاء احتياجها لها، والتي تعني عمليا منع الدولة الفلسطينية المنتظرة من الحصول علي اية سيادة او استقلال، او حتي حرية! فالإسرائيليون يريدون "شرعنة الاحتلال " بالاتفاقات! وسبق لحكومة ايهود اولمرت السابقة ان اعدت ورقة بالترتيبات الأمنية التي تطلبها إسرائيل مقابل الاستقلال الفلسطيني، ووضعت وثيقة من 8 نقاط، تم تسليمها إلي ادارة اوباما. وتتضمن الوثيقة مطالب مثل الرقابة علي معابر الحدود إلي فلسطين، وحرية الطيران الإسرائيلي في مجالها الجوي، مسئولية إسرائيلية عن المدي الالكترومغناطيسي، ومحطات انذار مبكر إسرائيلية في ظهر الجبل. ويضاف إلي ذلك الرقابة علي الحدود الخارجية. اي ان إسرائيل تريد دولة فلسطينية بلا سيادة علي حدودها، او مجالها الجوي، او معابرها، بدعوي الخوف من تدفق الصواريخ والاسلحة إلي الضفة الغربية، فتحيل الحياة إلي جحيم في تل أبيب والقدس ومطار بن جوريون، وتصبح إسرائيل هدفا ناريا لحماس والجهاد الاسلامي. ويقترح باراك اقامة "اطار اقليمي" يشرف علي الحدود الفلسطينية، يمكن أن تشارك فيه الاردن وإسرائيل. وتبدأ الرقابة في الجانب الاردني، بحيث يكون لها عمق، علي اساس ان تخفف المظلة الاقليمية من حدة التدخل الإسرائيلي، ولو علي الصعيد الشكلي أمام الرأي العام العالمي. وسارع باراك الي استباق زيارة جورج ميتشيل باعلان تحويل كلية" اريال" الي جامعة، للتعبير عن تمسك اسرائيل بضم كتلة المستوطنات اليهودية المقامة في الضفة الغربية الي حدودها. بينما تحدث نتنياهو عن انه لا بد ان يكون هناك حاجز اسرائيلي بين الضفة الغربية والاردن، في اشارة الي اتجاه اسرائيل للاحتفاظ بوادي الاردن، بما يعني ان اسرائيل تريد دولة فلسطينية مبتورة ومعزولة دون اية حدود مع اية دولة عربية!