استضاف مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير، في يومه الثاني والأول في فعالياته، ندوة فنية خاصة مع المخرج الكبير يسري نصر الله، شهدت حضورا لافتا ونقاشات عميقة حول السينما وصناعة الأفلام. وخلال الندوة، تحدث نصر الله عن الفيلم القصير باعتباره مساحة حرة للإبداع، قائما بذاته، لا تحكمه اعتبارات السوق أو ضغوط الإنتاج، مؤكدا أن المنع أو التضييق لا يمثل نهاية الطريق أمام الفنان. وشدد على أن جوهر صناعة الفيلم يبدأ من القدرة على سرد الحكاية، موضحا أن الكتابة هي المرحلة الأصعب والأكثر حساسية، وأن مستقبل السينما مرهون بالتعامل معها بجدية واحترام حقيقيين. وتطرق المخرج إلى وضع السينما المصرية في الأسواق العربية، مستشهدا بتجربة الأفلام التي تنافس في السوق السعودي، داعيا في الوقت نفسه إلى الانفتاح على أسواق وبقع جغرافية أخرى، وعدم حصر الطموح في اتجاه واحد، كما أشاد بعدد من التجارب السينمائية المصرية التي عرضت هذا العام، معتبرا أنها نماذج جديرة بالاهتمام وتعكس تنوعًا فنيًا لافتًا. وكشف نصر الله عن كواليس إنتاج فيلم باب الشمس، موضحا أن ميزانيته بلغت نحو 2.5 مليون دولار، وأن التحضير له كان دقيقا، شمل التصوير في عدد كبير من مواقع التصوير المختلفة، إضافة إلى بناء مدينة كاملة في الصحراء خصيصا للفيلم، مؤكدا أنه رغم حذف بعض المشاهد القليلة، فإن السيناريو كان محكما منذ البداية، معربا عن فخره الشديد بالعمل، ومشيرا إلى أنه ينتمي لما وصفه ب«المدرسة القديمة» في صناعة السينما. كما استعاد تجربة إنسانية ومهنية مؤثرة من تصوير فيلم المدينة، حين لم تتوافر ميزانية كافية، ما اضطر فريق العمل إلى التصوير بكاميرا صغيرة في منطقة روض الفرج، مؤكدا أن الاحترام للكاميرا وللفعل السينمائي كان حاضرا منذ اليوم الأول رغم بساطة الإمكانيات. وأشار نصر الله إلى التفاوت الكبير في ميزانيات الأفلام، موضحًا أن «باب الشمس» عرض في العام نفسه الذي قدم فيه فيلم عمارة يعقوبيان، الذي بلغت تكلفته نحو 18 مليون جنيه، وهو رقم ضخم بمقاييس تلك الفترة، رغم القيمة الفنية لكل عمل. وتحدث المخرج عن المعنى الحقيقي للسينما، مؤكدا أنها لا تقتصر على الأداء أو المبالغة في التعبير أمام الكاميرا، بل تقوم بالأساس على صورة صادقة ومقنعة، مشيرًا إلى أن بعض النجوم فقدوا هذا المعنى مع الوقت، ووجه نصائح مباشرة للشباب الراغبين في دخول المجال الفني، داعيا إياهم إلى خوض التجربة وعدم الخوف من الأدوار، لأنها الطريق لاكتشاف الذات وإثبات الموهبة. وعن مستقبل السينما في ظل تطور الذكاء الاصطناعي، أكد نصر الله أن أي تطور تقني لا يمكن أن يكون عدوا للفنان الحقيقي، بل هو عدو للسطحية والرداءة فقط. كما أوضح أن ما جذبه في «باب الشمس» هو كونه لا يحكي قصة شعب فحسب، بل يتناول أيضا حكايات الأفراد داخل هذا السياق الإنساني الواسع. وفي ختام الندوة، دعا المهتمين بصناعة السينما إلى التجربة دون التخلي عن كرامتهم أو شغفهم الفني بسبب حسابات الإنتاج، مبتسما للحضور ومختتما حديثه بعبارة حملت روحه الساخرة والمعهودة: «وداعا بونابرت».