أثار قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الامريكية إليها ردود فعل غاضبة على مختلف المستويات (داخليا وإقليميا ودوليا) نتيجة تجاهله كل القوانين والمواثيق ومرجعيات عملية السلام، وهو بهذا القرار الفاقد للأهلية السياسية والقانونية والأخلاقية أضعف مصداقية الولاياتالمتحدة فى رعاية عملية السلام، لاسيما مع تأثر سياساته بتوجهاته التى تنتمى لليمين المسيحى واعتماده على مستشارين يؤمنون بضرورة الدفاع عن إقامة دولة إسرائيل التى تمهد لعودة المسيح، لإضفاء الشرعية على الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية، وهو ما وضح فى إشارته إلى أن القدس عاصمة إسرائيل منذ ثلاثة الآف عام، وبما يعكس جهل الرئيس الأمريكى بحقائق التاريخ فى المنطقة وشعوبها، خاصة الشعب العربى الفلسطينى صاحب الأرض والتاريخ والهوية والحضارة على كل شبر فى أرض فلسطين التاريخية، الأمر الذى أدى لتصاعد الدعوات العربية والإسلامية لعقد اجتماع طارئ لكل من مجلس الأمن، ووزراء خارجية الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامى لمناقشة تداعيات القرار الأمريكي. ورغم أن الاعتراف بالقدس جاء وفق صيغة تتسم بالغموض ويمكن تفسيرها على أنه يقصد القدسالغربية، وليس القدس الموحدة، حيث مازالت الأممالمتحدة لا تعترف بأن القدسالغربية جزءا من دولة إسرائيل قانونا، رغم اعترفها بها سياسياً، كما لم تعترف بها سوى عدد محدود من دول «غير ذى قيمة سياسية» فى المعادلة الدولية، مما دفع السلطة الوطنية الفلسطينية لتقديم شكوى ضد الولاياتالمتحدةالامريكية فى مجلس الأمن، لإعادة تأكيد موقفه الواضح والقانونى بشأن القدس، وأهمها القراران 476 و478 عام 1980 اللذان أكدا عدم جواز اكتساب الأراضى بالقوة، والوضع الخاص للقدس، والحاجة إلى حماية الأماكن المقدسة فى المدينة، والدفع ببطلان جميع التدابير والإجراءات التشريعية والإدارية التى تتخذها إسرائيل لتغيير طابع ومركز مدينة القدس بإعتبارها «السلطة القائمة بالاحتلال»، ومن ثم أهمية مراعاة الأبعاد القانونية والدينية والسياسية لقضية القدس تفاديا لتحويل الصراع السياسى القابل للحل إلى حرب دينية لا تنتهى والتى سيستغلها المتطرفون لتصعيد مناخ التطرف والإرهاب فى المنطقة وخارجها. كنا نتصور أن ترامب يتصرف كرجل أعمال يسعى للمقايضة بالقضايا الاقتصادية لتحقيق إنجاز فى القضايا السياسية الحساسة على غرار قضايا الوضع النهائى والتى تشمل القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات، لكنَّ قراره الأخير يعكس محدودية الأفق لأنّه سيؤدى الى احتمال تجديد الانتفاضة فى القدس والضفّة الغربية، مع إضعاف السلطة الفلسطينية، والمكسب الوحيد من هذه الخطوة سيكون شخصياً لمصلحة «ترامب» الذى يتعامل بجهل وسطحية مع قضايا الصراع العربى / الإسرائيلي، ولذلك يتم التلاعب به بسهولة من جانب اللوبى اليهودى الذى يقود اليمين المسيحى المحافظ، فرغم إدراكه الأسباب التى دفعت جميع الإدارات السابقة لربط الاعتراف بالتوصل لاتفاقِ سلامٍ نهائي، فإن ترامب منح الإسرائيليين القدس مجاناً، الأمر الذى يشكل انتصاراً لنيتانياهو الذى نجح فى تجنيد نظامه السياسى وعلاقاته مع الولاياتالمتحدة لتحقيق إستراتيجية فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين، وألزم الجميع بها فى ظل ظروف اقليمية مهد لها الغرب بقيادة بريطانياوالولاياتالمتحدةالامريكية بنشر الفوضى فى الدول العربية تمهيداً لإخضاعها للإرادة الأمريكية. إن الاعتراف الأمريكى بالقدس عاصمة لإسرائيل، يمكن أن يدفع نحو بلورة إستراتيجية عربية موحدة للتعامل مع تداعيات ذلك عبر سلسلة من الإجراءات على مختلف المستويات كما يلي: فلسطينياً.. بالعمل على إستعادة وحدة الصف الداخلى والمصالحة الوطنية، وتعزيز الجهود لإعادة بناء الكيانات الفلسطينية «المنظمة والسلطة والفصائل والمنظمات الشعبية» على أسس وطنية وديمقراطية ومؤسسية، مع ضرورة قيام الحكومة بإنهاء أزمات غزة للمساعدة فى تبنى جميع أشكال المقاومة الشعبية السلمية ضد سياسات إسرائيل، على غرار الانتفاضة الشعبية الأولي، وتفويت الفرصة على إسرائيل لاستدراج الشعب الفلسطينى لأى مواجهات عسكرية، بالتوازى مع التوجه إلى المحافل الدولية لتعزيز مكانة دولة فلسطين. عربياً.. بتعزيز الجهود على الصعيد الدولى لتكريس عزلة إسرائيل، وفضح طابعها الاستعمارى والعنصري، مع امتناع القادة العرب عن مناقشة قضايا النزاع العربى الإسرائيلى مع المسئولين الأمريكيين وعلى رأسهم نائب الرئيس الأمريكى «مايك بينس» الذى يعتزم القيام بجولة فى المنطقة نهاية الأسبوع المقبل لعرض ملامح صفقة التسوية التى يطرحها «ترامب» والتى لا تلبى الحدود الدنيا للمطالب الفلسطينية. دولياً.. بتشجيع كل القوى الدولية على ملء الفراغ الناشيء عن تراجع الدور الأمريكى لمصلحة دعم الجهود الرامية لحل النزاع الفلسطيني/ الإسرائيلى وإقامة سلام عادل، يستطيع الشعب الفلسطينى من خلاله إعمال حقوقه غير القابلة للتصرف، وتمكينه من إقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدسالشرقية وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على أساس القرار 194، مع عودة الأممالمتحدة كمرجعية شرعية لتسوية الصراع العربي/ الإسرائيلي. لمزيد من مقالات ◀ لواء . محمد عبدالمقصود