البورصة المصرية من أعرق وأقدم البورصات فى منطقة الشرق والأوسط، مرت عبر سنوات طويلة بفترات انتعاش ورخاء وفترات أخرى من التراجع تبعا لتطور الأحداث الاقتصادية والسياسية محليا وعالميا، وتشهد حاليا فترة من التذبذب بين الصعود والهبوط، بينما تعمل الحكومة بمختلف أجهزتها المعنية على تيسير الإجراءات والقوانين وتوفير البيئة المناسبة لزيادة الاستثمارات غير المباشرة فى البورصة وتوفير آليات جديدة للتمويل غير المصرفي. تقول الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذى للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية إن سوق المال يعانى من تخبط فى الأداء منذ فترة ليست بالقصيرة وحتى الآن، لا يمكن تحديد أسباب هذا التخبط، هل يرجع لأزمات مرتبطة بالقطاع نفسه أم أزمات متعلقة بالاقتصاد ككل؟ وهو أمر مهم يجب تحديد أسبابه، خاصة فى ظل بدء برنامج طروحات الشركات الحكومية بالبورصة. وطالبت الدكتورة عبلة عبد اللطيف، بإقرار حوافز لزيادة الشركات المدرجة بالبورصة، وإعادة النظر إلى إدارة صناديق الاستثمار لجذب استثمارات شريحة كبيرة من صغار المستثمرين الذين توجهوا للاستثمار فى العقارات لعدم وجود بدائل أخري، مشددة على أن نمو القطاع الخاص هو أساس الإصلاح، لافتة إلى أن منظومة الإصلاح هى منظومة متكاملة لابد أن تتم فى وقت واحد وفى محورها الإصلاح المؤسسى وفى قلبه الإصلاح الإداري. وأشارت إلى أن مصر تعانى مشكلة كبيرة فى الأراضى بشكل عام ، لافتة إلى قيام المركز بإعداد دراسة متكاملة حول هذا الموضوع وطرق حل المشكلة أسوة بالتجارب العالمية وبما يتناسب مع الواقع المصرى وتم تقديمها إلى الحكومة بالفعل، لافتة إلى وجود معوقات كبيرة أمام الاستثمار تتمثل فى ارتفاع أسعار الفائدة لمستويات يصعب معها قيام استثمارات. وأرجع هانى توفيق الرئيس السابق للجمعيتين المصرية والعربية للاستثمار المباشر، المشكلة الرئيسية فى أزمات البورصة المصرية، إلى عدة أشياء أهمها عدم وجود حوافز لطرح الشركات فى البورصة، وهو ما تسبب فى انخفاض حجم التداول اليومى بالبورصة من 400 مليون دولار عام 2000 إلى نحو 20 مليون دولار فقط حاليا، وانخفاض عدد الشركات المدرجة فى البورصة من 1071 شركة عام 2000 إلى 251 شركة فقط عام 2018، وتراجع القيمة السوقية للشركات المدرجة بالبورصة كنسبة إلى الناتج المحلى من 106% عام 2007 إلى 19% فقط فى 2018، وهى نسبة متدنية جدا مقارنة بدول عربية وأجنبية، حيث تصل نسبة القيمة السوقية للشركات المدرجة بالبورصة السعودية لنحو 66% من الناتج المحلى الإجمالي، و77% من الناتج المحلى بالكويت، و337% ببورصة جنوب إفريقيا. وأوضح توفيق، أن البورصة لكى تنشط تحتاج لما أسماه «بضاعة» أى شركات يتم إدراجها بسوق المال، لافتا إلى إلغاء الحوافز والإعفاءات الضريبية المحفزة لإدراج الشركات بالبورصة، وعمل ضريبة دمغة على التعاملات وصفها بال «كارثية»، بجانب أزمات الاستثمار المباشر . ومن جانبه اتفق أحمد أبو السعد رئيس مجلس إدارة شركة رسملة لإدارة صناديق الاستثمار ومحافظ الأوراق المالية، مع وجهة النظر السابقة المتعلقة بأن السبب الرئيسى لأزمات البورصة يرجع لمشاكل الاستثمار، ولكنه أكد وجود تحسن فى مؤشرات الأداء الاقتصادي، ولكن هذا التحسن لا ينعكس على الشركات المدرجة بالبورصة، وبالتالى لا ينعكس على أداء البورصة، مطالبا بمراجعة المعاملة الضريبية لصناديق الاستثمار لتحفيز المواطنين على الاستثمار بها بديلا عن العقارات. وقالت هبة الصيرفى مساعد رئيس البورصة والمشرف على قطاع الشركات إن البورصة تعكس ما يحدث فى الاقتصاد بالفعل وأساسها وجود الثقة فى الأداء الاقتصادي، لكن تحسين الأداء مسئولية مشتركة بين جميع الجهات من بورصة ومقاصة ووزارات معنية وجهات رقابية وجمعيات أهلية، مؤكدة تواصل البورصة مع كافة حلقات المنظومة لعمل على جانبى العرض والطلب من خلال جذب الاستثمارات وزيادة الشركات المدرجة بالبورصة، وخلق بيئة تداول كفء وبيئة رقابية مطمئنة للمستثمر، وخلق الثقة. وأشارت هبه الصيرفى إلى التواصل مع نحو 80 شركة لعرض مزايا الإدراج بالبورصة، بالإضافة إلى التواصل مع بنوك الاستثمار والجامعات لنشر ثقافة الاستثمار، والعمل على توفير الإفصاحات الكاملة للشركات بما يساعد متخذ القرار على اتخاذ القرار المناسب. وعرض هانى برزى رئيس مجلس إدارة شركة إيديتا للصناعات الغذائية، تجربة إدراج شركته بالبورصة عام 2015 والتى واجهت صعوبات نتيجة الظروف الاقتصادية للدولة، ولكنها نجحت، مؤكدا أن الشركات العائلية عندما تصل إلى حجم معين، لابد من طرحها فى البورصة للوصول إلى مستوى جيد من الحوكمة. وأشار برزى إلى أن قطاع الصناعة يعانى من مشاكل كبيرة تتعلق بارتفاع أسعار الأراضى الصناعية بخلاف الترفيق وتكلفة المبانى وانكماش السوق وتراجع القوى الشرائية، وهو ما يؤدى لصعوبة شديدة فى تحقيق العائد على الاستثمار، مشددا على أن النمو الاقتصادى لن يتحقق إلا بالاهتمام بالصناعة، مطالبا وزارة الصناعة بتغيير الفكر فى بيع الأراضي، والتوجه نحو نظام الإيجار وهو ما يحدث بالمغرب، كما دعا للاهتمام بدعم المصدرين، لأنه إذا لم يتم الاهتمام بالاستثمار المحلي، لن يأتى الاستثمار الأجنبى ولن تزيد الصادرات المصرية.