أبرزت انتخابات البرلمان الأوروبى من 23 إلى 26 مايو الماضى تقدم اليمين الراديكالى الشعبوى.. والسؤال المطروح على الساحة الأوروبية: لماذا هذا الصعود للأحزاب الشعبوية اليمينية من شمال إلى جنوب أوروبا؟ والإجابة هى أن القاسم المشترك فى هذه التشكيلات هو نبذ الصفوة والمشاعر المناهضة للهجرة إزاء المهاجرين الذين لا ينتمون لأصول غربية، كما أن هذه الأحزاب تجتمع أيضا حول فكرة أن أى دولة يجب أن تكون فقط موطنا لسكانها الأصليين.. وبالنسبة لباقى التجمعات فإن اليمين الراديكالى متنوع ويمتد بدءا من الحركات النيوفاشية أو النيونازية مثل «الفجر الذهبى» فى اليونان أو الحزب الشعبى فى سلوفاكيا إلى الأحزاب الأكثر اعتدالا مثل الاتحاد الديمقراطى للوسط بسويسرا، ولكل حزب فى أوروبا تاريخ خاص، كما أن انطلاق أحزاب اليمين المتطرف مرتبط بإطار خاص بكل دولة. ففى هلسنكى فإن حزب »الفنلنديين الحقيقيين« كان متأخرا وإنما حقق تقدما فى أبريل الماضى بمناسبة الانتخابات التشريعية، وفى جنوب القارة قام حزب «فوكس» بالمراهنة على أزمة إقليم كتالونيا وقضية الهجرة، وفى إيطاليا تدفقت الهجرة بانتظام فى السنوات الأخيرة وإنما تفشى الشعور بالإحباط بسبب عدم التمكن من الاعتماد على الشركاء الأوروبيين، مما أسهم فى تدعيم حزب «جامعة الشمال» وحركة «الخمسة نجوم»، كان الجميع ينوه بفشلهم إذا تقلدوا السلطة بسبب وعودهم المستحيلة متناسين أن الحزب الشعبوى الدنماركى شكل قوة معاونة للحكومة لمدة عشر سنوات وأن حزب جامعة الشمال تقلد السلطة عدة مرات فى إيطاليا.. إن مناصرى التجمعات الشعبوية لا ينتظرون الكثير من السياسيين ويصفونهم بأنهم يتمتعون بالسذاجة ويبحثون عن منقذ أو زعيم مثير للقلاقل أو شخص قادر على تحريك الصفوة المتغطرسة! ويؤكد المحللون السياسيون فى الغرب أن ماتيو سالفينى بارع فى تلك الممارسة، فهو قادر على ربك الإدارة وشغل مقدمة المشهد، وإنما على المدى الطويل؛ فإن الناخبين يريدون نتائج ملموسة، ولذلك فبعد وقت محدد فى السلطة فإن التيارات الشعبوية تفقد أرضا. إن تقدم اليمين الراديكالى يدفع اليمين التقليدى إلى تصعيد الخطاب. وجدير بالذكر أن حزب أستونيا «أكر Ekre» يضم قادة فى غاية العنصرية وأعداء للنساء ونلاحظ أن معظم المجموعات اليمينية المتطرفة تؤثر على التشكيلات السياسية والدولة فى المجالات الأمنية والثقافية الاجتماعية، إن أكبر نجاح حققته الأحزاب الشعبوية هو أنهم أقنعوا الأحزاب الاشتراكية والشعب نفسه بأن التشكيلات الشعبوية هى الأفضل تمثيلا للمواطن العادى وأن الشعب لا يساند التكامل الأوروبى ويرفض التعددية الثقافية والهجرة. إن الشعبوية اليمينية التى تشغل أوروبا حاليا هى إجابة لتصور فشل الأحزاب الديمقراطية، ومن أجل إضعاف الشعبوية اليمينية يرى خبراء السياسة أن ذلك يتطلب توسيع الانضمام لبرامج ديمقراطية ليبرالية. إن عملية البناء الأوروبى قد تأسست على المثل الليبرالية وإرادة إنهاء الحرب وإقرار السلام واليوم الجدل يتناول درجة التكامل الاقتصادى التى تريدها شعوب أوروبا لدولها، إن اندلاع توجهات وتيارات جديدة فى أوروبا تهدد مبادئها وكيانها يجب أن تكون محل نقاش متعمق بدلا من المناقشات شبه السرية التى تتم بين الخبراء ويجب أن يتذكر الأوروبيون أن انطلاق أحزاب اليمين الراديكالى مرتبط بالتاريخ والإطار الاجتماعى والاقتصادى لكل دولة. ولا شك فى أن حزب «الجامعة» فى إيطاليا قد استخلص مصالح كثيرة من قضية الهجرة، كما أن الفاشية تمثل تهديدا لأوروبا.. ألا نرى حتى اليوم فى بلغاريا مظاهرات للمتطرفين فى ذكرى الجنرال هريستو لوكوف مساند ألمانيا الهتلرية!؟ لمزيد من مقالات عائشة عبد الغفار