علي مدي أسبوع كامل سادت أجواء ارتياح لدي قادة أوروبا في أعقاب اعلان نتيجة الانتخابات التشريعية في هولندا التي أسفرت عن فوز رئيس الوزراء الليبرالي مارك روني وهزيمة المرشح اليميني المتطرف جيرت فيلدرز الذي كان يتعهد بخروج بلاده من الاتحاد الاوروبي وحظر القرآن الكريم وإغلاق المساجد وحظر الهجرة من الدول الإسلامية. ورغم أن حزب فيلدرز جاء في المرتبة الثانية في نتائج الانتخابات إلا أن ذلك اعتبر مؤشرا علي تراجع التيار الشعبوي الذي بدأ مع قرار البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي.. ثم مع انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة. وكانت نتيجة الانتخابات الهولندية موضع اهتمام وترقب شديد لقياس مدي تصاعد حركة الشعبويين في أوروبا.. في عام سوف يشهد انتخابات تشريعية ورئاسية في العديد من دول القارة.. ففي ابريل ومايو القادمين سوف تجري الانتخابات الرئاسية في فرنسا.. وتشير استطلاعات الرأي إلي أن مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان ستكون منافسا قويا في الدورة الثانية.. كما تجري انتخابات تشريعية في كل من ألمانيا وايطاليا وبلغاريا في الخريف القادم. واعتبر قادة أوروبا أن نتيجة الانتخابات الهولندية تشكل فوزا للحس السليم وانطلاقة جيدة للموسم الانتخابي الأوروبي بعد الزلزال السياسي الذي أحدثه قرار بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي ووصول دونالد ترامب إلي الرئاسة في أمريكا. أوروبا لم تهتم كثيرا بالحزب الفائز في الانتخابات الهولندية وإنما اهتمت أكثر بهزيمة حزب فيلدرز.. واعتبرت النتيجة انتصارا علي "الشعبوية السيئة".. وتوقع خبراء سياسيون أن "زمن الانجذاب إلي الاحزاب الشعبوية اليمينية انتهي".. وربما يرجع السبب في ذلك إلي أن الناس يرون أن ترامب لا يقوم بعمل جيد لا في الولاياتالمتحدة ولا في أوروبا.. وأن الشعبوية اليمينية يمكن أن يكون لها ثمن باهظ من دمار اقتصادي وحروب وصراعات سياسية.. ليس في أوروبا وحدها وإنما في العالم أجمع. وقد علق الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند علي نتيجة الانتخابات الهولندية بأنها تمثل انتصارا واضحا علي التطرف.. بينما وصفت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل ما حدث بأنه يوم جميل للديمقراطية. من الطبيعي أن تقلق أوروبا من تيار الشعبوية الصاعد الذي يهدد منظومة القيم الأساسية التي ناضلت من أجل ترسيخها.. والتي تقوم علي الاستنارة الذهنية والحرية الدينية والتسامح وقبول الآخر والديمقراطية والتعددية الثقافية.. ومن الطبيعي أن نقلق نحن أيضا من هذا التيار الذي استطاع خلال سنوات قليلة أن يحول الإسلام إلي قضية انتخابية في أوروبا.. يجمع حولها طيفا واسعا من المتطرفين والمؤمنين بسمو الجنس الأبيض والقوميين المتشددين وحتي الناس العاديين الذين يعتقدون أن الإسلام يشكل خطرا علي الهوية الأوروبية.. وأن المهاجرين الأجانب يشكلون خطرا علي مستقبل مجتمعاتهم. وقد كان فيلدرز "الهولندي" من أعلي الأصوات الشعبوية تأثيرا في أوروبا كلها بالنظر إلي تعصبه ضد الإسلام نفسه وليس ضد المسلمين وتصرفاتهم فحسب... فهو يصر علي أن المشكلة في الإسلام الذي يزعم انه ضد الحريات الفردية وحرية التعبير والعقيدة والمساواة بين الرجال والنساء.. وكثيرا ما ركز في خطاباته علي أن "الاسلام لا ينتمي لنا.. انه يجلب العنف والخطر في كل مكان.. نحتاج إلي التخلص من الاسلمة وإغلاق حدودنا". وإذا كانت الشعبوية خطرا علي الآخر الذي يمثله الإسلام تحديدا والمهاجرون الأجانب الذين يحملون ثقافة وتقاليد وعادات مختلفة.. ويأتون بألوان مختلفة فيها الأسود والأصفر فإنها تشكل خطرا علي الداخل أيضا.. حيث تنشر التعصب.. وتجتهد في إحياء النرجسية والقومية المتطرفة.. والاستعلاء العرقي.. ناهيك عن أنها ترفض المؤسسة السياسية والطبقة السياسية وتعتبرها فاسدة علي طول الخط.. وتعيد انتاج الخطاب القديم الذي يقوم علي سماع صوت الجماهير والنقاء الثقافي والعرقي والتكتل تحت لافتة "نحن" في مواجهة الآخرين.. وفي مناخ كهذا من السهل أن تظهر زعامات مثل هتلر وموسوليني ويعيد التاريخ نفسه في دورة أخري تنتهي بالخراب والدمار.