سيبقي الصراع علي الأراضي مشتعلا مُهددا الاستقرار الاجتماعي والعرقي ووحدة أراضي دول إفريقية عديدة، إما بسبب منح القوي الاستعمارية الأرض لعرقيات معينة كانت تستفيد منها علي حساب الآخرين كما في كينيا أو تخصيص أجودها للمستعمرين البيض وطرد سكانها الأفارقة منها كما في جنوب إفريقيا وزيمبابوي أو كنتيجة لسياسات حكومية خاطئة انحازت لعرقيات معينة كما حدث في إثيوبيا أو لرجال أعمال وشركات معينة كما هو في تنزانيا. فضلًا عن الصراع شبه اليومي بين المزارعين ورعاة الماشية من أبناء العرقيات علي المراعي وآبار المياه، خاصةً في دول غرب إفريقيا. ونظرا لتعدد الجماعات العرقية والقبائل يبدو من الصعب في المستقبل المنظور إنهاء تلك الصراعات التي راح ضحيتها الآلاف قتلي أو مصابين وهرب الملايين من بيوتهم نجاةً بحياتهم،لكن يمكن التخفيف من وطأتها إذا أسرعت الحكومات باتخاذ إجراءات تُشعر الذين اغتُصبت حقوقهم بأنها جادة في سعيها لحل مشكلتهم وتحقيق العدالة والمساواة بين العرقيات، مما يسهم في الحد من الاحتجاجات والاشتباكات الدموية وإخماد النزعات الانفصالية ولو جزئيًا. سبب إثارة القضية الآن ليس فقط المواجهات الدموية المتكررة بين أبناء العرقيات علي ملكية الأراضي وحقوق الرعي والمياه في دول مثل إثيوبيا ونيجيريا وإنما أيضًا حكم محكمة كينية علي الرئيس السابق دانييل أراب - موي بدفع 10٫5 مليون دولار تعويضًا لأرملة عن 53 فدانًا أخذها غصبًا من أسرتها قبل 36 سنة ولم يستطع أن يثبت للمحكمة كيف امتلكها ثم باعها لشركة، وكذلك تصريح سيريل رامافوزا رئيس جنوب إفريقيا باعتزام حكومته تعديل الدستور للسماح بمصادرة أراض يمتلكها البيض دون تعويض وإعلان حكومة زيمبابوي أنها دفعت 64 مليون دولار لمزارعين بيض تعويضًا لهم عما أنفقوه علي البنية الأساسية والسدود في مزارعهم المصادرة واعتزامها دفع 53 مليونًا أخري لآخرين هذا العام. أهمية الحكم علي الرئيس الكيني السابق تكمن في أنه صدر في بلد تعددت فيه حالات اغتصاب الأراضي ولم يستطع معظم الضحايا مواجهة كبار المسئولين ولا النافذين من رجال الأعمال ولم تكن لديهم الأموال اللازمة للإنفاق علي القضايا التي تستغرق سنوات بسبب الفساد في جهاز القضاء.كما أنه يعطي الأمل للذين اغتُصبت أراضيهم باستعادتها أو التعويض عنها يومًا ما وقد يصبح رسالة للأقوياء بأنه لم يعد بإمكانهم الاستيلاء بسهولة علي أراضي الضعفاء.وسبق أن كسب 35 ألف صياد بري وأسرهم من السكان الأصليين في غابة «ماو» معركة قضائية استمرت ثماني سنوات ضد الحكومة لطردهم من أراضي أجدادهم بذريعة حمايتها كمحمية طبيعية ولكن الحكم صدر من المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بعد فشل القضاء الكيني في إنصافهم. عند استقلال زيمبابوي عام 1980 كان معظم الأراضي الصالحة للزراعة في أيدي 4000 مزارع أبيض، وفي عام 2000 بدأ الاستيلاء بالقوة علي مزارع البيض بدعم وتشجيع الرئيس روبرت موجابي وتم طرد نحو 3500 منهم مما أثار إدانات وانتقادات دولية وعقوبات اقتصادية شلت الاقتصاد ومازالت مستمرة رغم تغير النظام وحظر الاستيلاء علي المزارع بشكل غير قانوني وتمديد فترة الإيجار من خمس سنوات إلي 99سنة والإسراع بدفع التعويضات.ومازال فقراء السود ينتظرون تحرك الدولة لإعادة توزيع الأراضي لينالوا نصيبهم منها بينما ينتظر المطرودون من مزارعهم العودة إليها أو تعويضات مجزية مدعومين بضغوط العقوبات الغربية. ولا يختلف الوضع كثيرًا في جنوب إفريقيا المجاورة، حيث تتصاعد المطالب بانتزاع المزارع من البيض وتوزيعها علي السود وزادت حالات القتل لأصحاب المزارع بوتيرة سريعة وهدد يوليوس ماليما زعيم حزب المقاتلين من أجل الحرية الاقتصادية بذبح الأقلية البيضاء بزعم أنهم يذبحون الأفارقة السود مثل الحيوانات ويحتلون أراضيهم مما يعكس حالة الإحباط التي تنتاب أغلبية المواطنين إزاء غياب العدالة في توزيع الثروة الاقتصادية.فرغم مرور 25 سنة علي سقوط نظام حكم الأقلية العنصرية البيضاء وتولي السود الحكم مازال 72% من الأراضي الزراعية في حوزة البيض الذين يشكلون 9% فقط من السكان و4% فقط بحوزة السود الذين يمثلون الأغلبية و15% للملونين و5% للهنود ولم يتحقق وعد الزعيم الراحل نيلسون مانديلا عام 1994 بإعادة توزيع 30% من الأراضي بحلول عام 2015 حيث تمت إعادة توزيع 10% فقط من الأراضي علي السود ولا تخصص الميزانية العامة سوي 0٫4٪ لتعويض أصحاب الأراضي البيض الذين يتخلون عنها..وبينما يسود الإحباط السود ينتاب البيض القلق إزاء إجراءات تقنين مصادرة أراضيهم بلا تعويض وسط تحذيرات داخلية وخارجية من أن تؤدي لتدهور كبير للاقتصاد كما حدث في زيمبابوي ومعارضة من زعماء محليين مثل ملك شعب الزولو الذي يتحكم في سبعة ملايين فدان ويرفض اقتراب الإصلاح الزراعي منها. أما في إثيوبيا فالصراع علي أشده حول الأراضي خاصةً بين الأورومو الذين يشكلون نحو ثلث السكان والإثيوبيين من أصل صومالي في الشرق علي جانبي حدود مشتركة طولها 1400 كم وبين الأورومو وعرقية جيدو في الجنوب وبين عرقيتي أمهرة وجوموز في بني شنقول بالغرب، مما أدي إلي سقوط المئات قتلي أو جرحي وتشريد ما لا يقل عن 2٫4 مليون شخص وإحراق عشرات البيوت وفقًا لمكتب الأممالمتحدة للشئون الإنسانية، عاد منهم نحو مليون إلي ديارهم لاحقًا. هذا الصراع هو أكبر تحدِ يواجه رئيس الوزراء آبي أحمد الذي سمح له البرلمان بتشكيل لجنة لبحث النزاعات بين العرقيات والإدارات المحلية وحلها في الوقت الذي أعلن فيه زعيم الأورومو أباجادا كورا جارسا أن الحكومات هي التي باعت أراضي تمتلكها عرقيته وهي التي عليها حل المشكلة لوقف الصراع بين الأورومو والعرقية الصومالية. ويبدو الحل صعبًا لصعوبة ترسيم الحدود نظرًا لأن معظم أبناء الأورومو والصوماليين رعاة اعتادوا التنقل عبر الحدود بحثًا عن المراعي والمياه.كما أن هناك مخاوف من امتداد الصراعات إلي عرقيات أخري في الداخل ودول الجوار لوجود صلات لكل منهما بها.دوفي أوغندا تم طرد 17 ألف مزارع من الأراضي التي يزرعونها بمقاطعة كايونجا بعد أن باعها مالكها لشخص آخر، الأمر الذي أحدث توترًا وقلقًا لدي المواطنين الذين يعتمد 70% منهم علي الزراعة.وفي تنزانيا المجاورة اتهمت قبائل الماساي الحكومة بطردهم من أرض أجدادهم في الشمال وضرب واعتقال الذين أرادوا العودة أو الوصول إلي موارد المياه بدعوي حمايتها كمحمية طبيعية وفقًا لمعهد أوكلاند للأبحاث وهو ما نفته الحكومة.أما في نيجيريا فالاشتباكات الدموية علي المراعي والمياه تكاد لا تتوقف بين الرعاة من قبائل مثل الفولاني ومزارعين من قبائل مثل البيروم خاصةً في ولاية بلاتوه في الوسط مُوقعةً مئات القتلي.