حكومة الوفاق أخطأت بتحالفها مع الكتائب المسلحة والمرتزقة والدول الداعمة لهم المواطنون يلتفون حول المؤسسة العسكرية المشير حفتر يحظى بدعم الشعب الليبى والمجتمع الدولى
غيرت العملية العسكرية التى يقوم بها الجيش الليبى فى طرابلس مجموعة كبيرة من المحددات والتوازنات، ولفتت الانتباه إلى خطورة الدور الذى تلعبه بعض القوى الداخلية والخارجية لتحويل ليبيا إلى بؤرة إقليمية لتجمع المتطرفين من مناطق مختلفة. وقام فايز السراج رئيس حكومة الوفاق، رئيس المجلس الرئاسى الليبي، بجولة فى بعض الدول الغربية أخيرا فى محاولة لضبط الدفة وإطلاق عملية سياسية يكون فى مقدمتها، ويعيد بها ما فقده جراء علاقاته المشبوهة بقوى تعمل على توقيع الأضرار بليبيا. التقت «الأهرام» الدكتور فتحى المجبرى نائب رئيس المجلس الرئاسي، وناقشته فى المستجدات الحيوية الدائرة على الساحة الليبية، والتحركات التى تقوم بها بعض القيادات ومدى تأثيرها على العملية السياسية، فقد دخلت البلاد فى مفترق طرق إما عودة الأمن والاستقرار أو الدخول فى مرحلة حرجة من الفوضى والانفلات. أكد المجبرى أنه وجه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة لتقوم المنظمة الدولية بدورها فى وضع حد للتجاوزات التى يرتكبها فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق، وتوقف العمليات الإجرامية التى يرتكبها المتطرفون والكتائب المسلحة والمرتزقة فى طرابلس، ولن يثنه عدم تلقيه ردودا حاسمة بشأنها عن مخاطبة كل الأطراف الدولية والإقليمية التى رعت وأسهمت فى اتفاق الصخيرات، الذى انبثقت عنه الأجسام السياسية الراهنة. وأوضح أن جميع الشرفاء يدركون الآن مخاطر ما يفعله السراج بموارد البلاد، والتى يمثل إهدارها خطرًا على مستقبل الليبيين جميعا، وينبغى الوقوف فى وجه كل من يخطئ فى حق الوطن، ويجب غل يده بأى وسيلة، واتخاذ كل ما يلزم من إجراءات صارمة، على غرار تلك التى طبقت على نظام العقيد الراحل معمر القذافى فى عام 2011، عندما أساء استخدام الموارد الليبية، ومن الضرورى تقييد قدرة السراج على التصرف فى أموال البلاد وقصرها فقط على ما يحتاجه الشعب الليبى من أساسيات فى الغذاء والدواء. وتتحفظ بعض الجهات الليبية على دور بعثة الأممالمتحدة، حيث تميل إلى جانب تعزيز سلطة السراج، وليس تعزيز سلطة المجلس الرئاسي، وظهر ذلك منذ عهد المبعوث الأممى مارتن كوبلر، ومضى غسان سلامة فى اتجاه محاولة ترسيخ سلطة حكومة الوفاق، بينما لو قامت بواجبها لكانت هناك نتائج أخري. أكد المجبرى أنه حذر سلامة وسفراء الكثير من الدول من أن هذ الاتجاه سوف يقود البلاد إلى صدام عسكرى لا محالة، لأن رئيس الحكومة يستغل الدعم السياسى فى ابداء المزيد من التعنت ورفض إشراك الآخرين فى عملية الحكم، ما أدى فى النهاية إلى عدم الوفاء بالالتزامات، فقد اعتقد أن الدعم الدولى له سوف يستمر، وهو ما ثبت خطأه فى جولته الأوروبية أخيرا، فلا يوجد الكثير الذى يمكن لغسان سلامة تقديمه للسراج حاليا. جولة أوروبية مخيبة للآمال قام رئيس حكومة الوفاق بجولة أوروبية قادته قبل أيام إلى كل من إيطاليا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، ثم التقى فيديريكا موجيرينى الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى يوم الإثنين الماضى فى بروكسل، التى دعت جميع الأطراف لوقف إطلاق النار، وهو ما اعتبره البعض نجاحا دبلوماسيا ظاهرا للسراج. لكن المجبرى نفى أن يكون رئيس الحكومة تلقى ترحيبا خلال جولته الأوروبية، لأن نتائج الزيارة كانت واضحة بالنسبة لنا، كان هناك لوم لسياساته، حيث تراجع عما تعهد به فى اتفاق أبوظبي، فى فبراير الماضي، ورفض استكمال التزاماته، وجاءت الزيارة برغبة وطلب منه، فى محاولة لحشد قدر من الدعم السياسى الذى يفتقده، ولم يحصل على إدانة واضحة لما يقوم به الجيش الوطنى فى محاولته لفرض النظام داخل طرابلس. تضمن اتفاق أبوظبى العناصر الرئيسية للتسوية، فى مقدمتها السماح سلميًا للجيش بدخول العاصمة لفرض الاستقرار فيها وإنهاء حالة الفوضي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية ذات أجل قصير وتعمل فقط على تمهيد الأجواء لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تنهى المرحلة الانتقالية. وكشف المجبرى فى حواره مع «الأهرام» أن جميع الشخصيات الغربية التى التقاها السراج طالبته بالعودة إلى العملية السياسية وفقا لالتزامات واتفاقيات أبوظبي، ما يعنى إلقاء اللوم على سياساته، فما يحدث فى طرابلس بسبب التصورات والممارسات التى اتبعها رئيس الحكومة وأوصلت البلاد إلى مرحلة قاتمة. ودخلت عملية تحرير طرابلس، التى يقوم بها الجيش الوطنى الليبي، من الجماعات المسلحة شهرها الثانى ولم يقدم المبعوث الأممى مبادرة أو رؤية أو تحركا يمكن البناء عليه لحل المشكلة واتخاذ ما من شأنه إعادة الاستقرار. ويرى نائب رئيس المجلس الرئاسي، أن الفساد تخطى الكثير من القيم والتقاليد المعروفة، حيث يجرى استخدام الأموال الليبية فى جلب مرتزقة أجانب يقومون بقصف المدنيين فى طرابلس، وتمويل تنظيمات إرهابية، مثل القاعدة وداعش وأنصار الشريعة وكل التيارات السياسية التى تدور فى فلكهم، وهى تصرفات غريبة على ليبيا، فنحن لا نتحدث عن فساد عادى أو سوء استخدام للموارد، بل عن توظيف خطير للمال العام لدعم عصابات مسلحة وإرهابيين ومرتزقة. ونوه المجبرى إلى أن التحقيقات أثبتت وجود الطيار الأجنبى الذى جرى اسقاط طائرته وتم إلقاء القبض عليه من قبل الجيش الوطنى الليبى، مع غيره من الطيارين الأجانب فى الكلية الجوية فى مصراتة، ويتم دفع الأموال لهم من الخزانة العامة. وعن الخطوات التى اتخذها المجلس الرئاسى لوقف اهدار المال العام، قال المجبري: «تحركنا بشكل كبير جدًا، وحصلنا على معلومات تؤكد استخدام الموارد لدعم عناصر إرهابية وجلب مرتزقة من دول مختلفة بعد أن اتجه الجيش الوطنى نحو خطوة تحرير طرابلس من الميليشيات فى 4 أبريل الماضي. ولفت إلى أن الأمور لم تكن واضحة تماما فى السابق، وكان هناك انحراف واستغلال للنفوذ والسلطة من جانب رئيس المجلس الرئاسى (رئيس حكومة الوفاق أيضا)، وأصدر عدد من أعضاء المجلس بيانات حذرته من مغبة الممارسات الخاطئة وخطورة الذهاب بعيدا فى هذا الطريق، وتم رفع الكثير من القضايا القانونية، وبعضها منظور الآن أمام القضاء الليبي، بغرض فضح القرارات غير الشرعية التى اتخذها رئيس الحكومة، وكان يستقوى ببعض الأطراف الدولية، ولا يعترف بقواعد اللعبة المحلية التى تفرض مراعاة خصوصية ليبيا وتوازناتها الاجتماعية والعمل من أجل وحدة وتماسك الدولة. ووجهت انتقادات حادة للصديق الكبير رئيس المصرف المركزى الليبي، وتمت إقالته من جانب مجلس النواب، لكنه لا يزال يمارس صلاحياته، وهو أحد الأسماء الكبيرة المتهمة بإغداق الأموال على التنظيمات المتطرفة والكتائب المسلحة والمرتزقة. خلافات المجلس الرئاسي أوضح المجبرى أن تدخلات بعض القوى الدولية أسهمت فى عدم تغيير رئيس المصرف المركزين، وهو ما يجعل شرعية هذا المنصب لها درجة من الحساسية والقبول الدولي، الأمر الذى أردت توضيحه فى مذكرتى التى وجهتها للأمين العام للأمم المتحدة، وحرصت على أن يدفع الخطاب الأمور فى اتجاه أهمية تقليص شرعية بعض الأطراف، لأنها فى النهاية تمضى فى اتجاه عكس ما يريده المجتمع الدولى فى ملف محاربة الإرهاب ووقف محاولات تعزيز وجوده فى ليبيا وتحويلها لبؤرة أو مركز يتجمع فيه المتشددون من أماكن مختلفة. وتسببت الخلافات بين أعضاء المجلس الرئاسى التسعة فى تحجيم دوره السياسي، واستجاب البعض مبكرا لعملية مناهضة التصرفات السلبية، واختار البعض طريق الانسحاب من العمل السياسى اعتراضا على بعض القرارات التى يصدرها رئيس المجلس، رئيس حكومة الوفاق، وهناك أعضاء فى المجلس الرئاسى معروفون للجميع ما زالت تتحكم أجنداتهم الخارجية وميولهم للتنظيمات الإرهابية فى مواقفهم، ويمثلون سندا للسراج. وأرجع نائب رئيس المجلس الرئاسى ارتماء رئيس الحكومة فى أحضان الجماعات المتطرفة، مع أنه لم يكن صاحب ميول إسلامية ظاهرة من قبل، إلى أنه أعلى من مصلحته الشخصية ورغبته فى الاستمرار فى الحكم على متطلبات إعادة الاستقرار إلى ليبيا. وقال إن قيادة الجيش الوطنى حاولت منح حكومة الوفاق فرصة فى أكثر من محطة، لكن رئيسها لم يستجب بالصورة الكافية، ورضخت الكثير من رؤاه لحسابات قوى مؤدلجة تريد الاستحواذ على السلطة والثروة بأى ثمن. وشرح المجبرى أنه شخصيا زار المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبى فى منطقة الرجمة وكان معه مجموعة من الوزراء فى حكومة الوفاق، وسعى المشير إلى دعم الحكومة من أجل تقديم الخدمات للناس، وأبدى تفهما ورغبة فى إيجاد تسوية تعيد الاستقرار إلى البلاد، وتنهى خطر الإرهابيين. وشدد على أن السراج أظهر جشعا فى الاستئثار بالسلطة ومنافعها، ولو على حساب ومصالح الناس، ما جعله فى نهاية الأمر يختار الجانب الخاطئ فى المعادلة الليبية، ويتمسك بالكتائب المسلحة والمتطرفين والمرتزقة فى مواجهة المساعى العملية لإعادة الاستقرار التى يقوم بها الجيش الوطنى الليبي. أدت التطورات الأخيرة فى طرابلس إلى خلط الكثير من الأمور، بينها ضرورة البحث عن صيغة سياسية تتواءم مع ما يدور على الأرض، بعد حدوث خلل كبير فى أوزان بعض القوي، وهو ما دفع دوائر عدة لتغيير مواقفها السابقة والتفكير فى التوصل إلى صيغة جديدة تتعامل بجدية مع الواقع على الأرض وتحولاته. وذهب المجبرى إلى أن الأوضاع الراهنة تجاوزت اتفاق الصخيرات، الذى تم توقيعه فى المغرب فى ديسمبر 2015، ومن أخطائه ما يتمتع به رئيس المجلس الرئاسى من قدرة على استخدام المال العام، وسوف تفضى التحركات الحالية إلى ترتيبات مختلفة تمامًا عما أدى إليه الصخيرات، لأن الليبيين يحتاجون إلى نظام آخر مختلف، وإطار مناسب شامل، ولا أعتقد أن السراج سيكون مؤهلا لذلك. تمتلك الكثير من الدوائر الليبية أدلة قوية على قيام تركياوقطر وإيران بإرسال سفن أسلحة ومعدات عسكرية إلى المتطرفين والميليشيات، وطالبت قيادات سياسية ليبية المجتمع الدولى بزيادة إجراءات تقييد وصول الشحنات غير الشرعية إلى ميناء مصراتة. محور الشر يدمر ليبيا كشف المجبرى أن السراج اختار التحالف مع دول محور الشر التى تريد تدمير ليبيا، وأذكرك بأنه عندما عاد من أبوظبي، بعد توقيع اتفاقه مع المشير حفتر، وكان المفروض أن يذهب إلى جنيف كى يكمل التعهدات المترتبة على لقاء أبوظبي، لكنه اختار زيارة الدوحة أولا ثم أنقرة، وعاد ليخلف وعوده، فالأمر واضح بالنسبة لتحالفه الاستراتيجى مع قطروتركيا. وأكد أن الهدف الأساسى من عملية تحرير طرابلس بالنسبة للجيش الوطنى تحقق، وهو أن هذه العملية أعطت إشارة للجميع بأن المؤسسة العسكرية قادرة ومستمرة فى مسألة استعادة هيبة الدولة وإنهاء فوضى السلاح والميليشيات ووقف تدفق المرتزقة. وطالب نائب رئيس المجلس الرئاسى الليبيين بالصبر والتضحية لأن العملية العسكرية بحاجة لمزيد من الوقت، وقد تنتهى خلال أسابيع أو أشهر العملية العسكرية لكن ستكون بحاجة لإجراءات صارمة لتأمين ما حققته من نجاحات، فالمهم أن تنتهى بفرض النظام والاستقرار فى لبييا، ولدى ثقة مطلقة فى أن الجيش سوف يحقق هدفه، لأن الشعب الليبى يريد رؤية المؤسسات المنظمة، ممثلة فى الجيش والشرطة، وهى تمتلك وسائل الضبط والربط. وذكر أنه فى عام 2014، وكان وقتها مديرا لمركز البحوث فى جامعة بنغازي، وأجريت دراسة مسحية عن ليبيا، أثبتت أن 98 بالمئة من المواطنين يرغبون فى رؤية الجيش والشرطة النظامية وهما يحتكران السلاح ويتمكنان من إنهاء فوضى الميليشيات. ولذلك فالدعم الشعبى لما يقوم به الجيش الوطنى موجود منذ فترة، وهو المادة الخام التى تتغذى عليها وتستقوى بها المؤسسة العسكرية فى مواجهة العصابات المسلحة، ووفرت الحاضنة الاجتماعية الوطنية كل ما يحتاج إليه الجيش من مساندة، وأسهمت فى التوصل لهذه المرحلة، من تطويق وحصار للقوى الإرهابية والمتطرفين فى منطقة محدودة، تمهيدا لتحرير ليبيا بالكامل. وتمثل بعض المناطق الشاردة تحديات تواجه عملية تحرير طرابلس من الميليشيات، حيث تحولت إلى ملاذ لكثير من المتطرفين، وتقوم بتهريب الأسلحة المقبلة من تركيا إليهم. وثمن المجبرى الدور الوطنى لكثير من المواطنين، ونجاحهم فى قطع الطريق على القوى المتطرفة التى تحاول نشر الفوضى ووضع العراقيل أمام مشروع إعادة بناء الدولة الذى يتبناه المشير خليفة حفتر. وشدد على ضرورة أن تنتبه القوى الوطنية لخطر الجماعات المتشددة، وتتبرأ منها وتجد طريقة ما للتواصل مع القيادة العامة للجيش لتوحيد الجهود وكسر شوكة التيارات المؤدلجة، فهى العدو الحقيقى لكل الشرفاء فى ليبيا. ونفى وجود جماعات متطرفة بشكل ظاهر ومجاهر ضد الجيش فى الشرق والجنوب، وقد تم فرض الاستقرار فيهما، وإن وجدت عمليات محدودة فهى معزولة وليست ذات وزن، وتم تضييق مظاهر الرفض السابق لسلطة الجيش فى ليبيا، وتكاد تنحصر فى مساحة لا تتجاوز 80 كيلو مترا حول طرابلس فقط. وأفضت النجاحات التى حققتها القوات المسلحة فى الشرق والجنوب فى مواجهة التنظيمات الإرهابية خلال الفترة الماضية إلى جلب المزيد من التعاون مع الجيش فى الغرب، وهو ما يسهل مهمته فى تحرير طرابلس من قبضة المتطرفين والمرتزفة. وأضاف المجبرى أن ما مرت به ليبيا من مستويات مختلفة للاستقطاب تجعل الشعب ينسى الفروقات السياسية حول التبعية للنظام الجديد أم القديم، فالليبيون يواجهون جميعا خطرا واحدا، مهما كانت توجهاتهم، وهو خطر الإرهاب، وعليهم التوحد لمواجهته. وختم نائب رئيس المجلس الرئاسى حواره مع «الأهرام» بالتأكيد أن المرحلة المقبلة سوف تشهد تغيرات كبيرة فى المشهد الليبي، وجنيا لثمار الالتفاف حول الدور الوطنى الذى يقوم به الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر، والذى تتعزز شرعيته الكبيرة كل يوم، وتزداد قناعات المجتمع الدولى بأنه صمام الأمان للحفاظ على الاستقرار.