كلما شغلت بهموم وطنى وشجونه وقضاياه الكثيرة تنازعنى وتلح على دائما قضية ليست حكرا على وطننا العربى فقط، ولكنها يبدو أنها ستظل مشكلة أبدية لن نجد لها حلا إلا إذا درسنا التاريخ كما قالت إنديرا غاندى ذات يوم: لو درستم التاريخ لوجدتم أنه أينما حققت المرأة تقدما ساهمت فى رفعة بلدها، بينما تبقى الدول متخلفة حيث تنام نساؤها. إذن هى القضية الأكثر جدلا وحدِة وتحدٍيا وظلما وجهلا ليس فى مصر وحدها أو العرب بل فى العالم كله، واللافت للنظر فى السنوات الأخيرة أن أغلب القيادات التى تحكم العالم الآن تقف بجانب المرأة لإعطائها حقوقها وأصبحنا نرى نسبة لا بأس بها من وظائف القيادة العليا تحصل عليها النساء ولكن الأمر هنا مرهون باقتناع الحكام بأهمية القضية، مثالنا فى ذلك أنجيلا ميركل أول امرأة تشغل منصب مستشار ألمانيا التى استضافت فى عام 2007 اجتماع مجموعة الثمانية الكبار ولأول مرة تظهر قضية المساواة بين الرجل والمرأة على أجندة الاجتماع كما ركزت على قضايا فقر النساء فى إفريقيا وتعهدت ميركل بالقضية خاصة أنها إحدى المدافعات عن حقوق المرأة، وبذلك قفزت أولويات النساء إلى القمة بعد التجاهل أو النظر إليها باعتبارها أقل إلحاحا حينما كان الرجال فقط هم المكلفين بحلها. تظل المشكلة بين أغلب أفراد المجتمعات الذين لا يعترفون ولا يريدون أن يعترفوا بحقوق النساء فهم فى معالم طرق مازال يكتنفها الضباب والغموض، وتترجم سيرة الكاتبة البريطانية جوان كاثلين رولينج صاحبة روايات هارى بوتر الشهيرة هذه الضبابية بقولها إن 12 دار نشر رفضت روايتها الأولى وحتى بعدما وجدت الناشر لم يكن متحمسا لها كونها امرأة وطلب منها إخفاء اسمها والإشارة بالأحرف الأولي، هذا حدث فى أواخر القرن العشرين، بينما الشاعر العربى المتنبى ينشد شعره فى تقدير المرأة واحترام أنوثتها منذ أكثر من ألف عام فيقول: وما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال. فى لبنان قالت وزيرة التمكين الاقتصادى للنساء والشباب فى حوار مع الزميل محمد القزاز: إن المرأة تتصدر الأرقام فى نسب التحصيل العلمى ومع ذلك تعانى ظلما قانونيا وتتعرض للعنف الاقتصادى والمعنوى كما تعانى ضعف المشاركة فى الحياة السياسية اجتماعيا ،تتحكم الصورة النمطية والموروثات الثقافية فى حبس المرأة داخل اهتماماتها المنزلية فقط. ومن لبنان إلى اليابان يا قلبى لا تحزن فالمرأة العاملة هناك تطلب المساواة بل تطلب الرحمة من كثرة الأعباء الأسرية الملقاة على عاتقها دون مساعدة الأزواج الذين يتفرغون لهواياتهم بعد فراغهم من أعمالهم رغم أن المرأة اليابانية تمثل نصف القوى العاملة وتفتقد للمناخ الذى يدفع للنجاح كما تتقاضى دخلا أقل من 25% مما يتقاضاه الرجل وهو ما وضع اليابان فى المرتبة 110 لمؤشر الفجوة بين الجنسين. عودة للتقرير الصادر عن الساحة الاقتصادية عام 2006 الذى قاس كفاءة النوع فى 115 دولة ووجد أن لا توجد دولة فى العالم نجحت فى القضاء على الفجوة بين الرجل والمرأة. أين نحن الآن من رفاعة الطهطاوى الذى نادى منذ قرنين بتحرير المرأة قائلا: كلما كثر احترام النساء عند قوم كثر أدبهم وظرافتهم، فعدم توفية النساء حقوقهن فيما ينبغى لهن الحرية فيه لهو دليل على الطبيعة المتبربرة، ويمكن للمرأة أن تتعاطى من الأعمال ما يتعاطاه الرجل فالعمل يصون المرأة عما لا يليق ويقربها من الفضيلة، وإذا كانت البطالة مذمومة فى حق الرجال فهى مذمة عظيمة فى حق النساء. كأنك يا طهطاوى كنت تعرف أن الكثير فى بلادنا يقفون من هذه القضية موقف القرون الوسطى كما يريدون العودة بالمرأة لهذا الوضع القديم المهين. لمزيد من مقالات سهيلة نظمى