أخيراً أسدل جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وكبير مستشاريه، الستار عن موعد طرح « خطة السلام فى الشرق الأوسط » أو ما تعرف ب«صفقة القرن», بعد أكثر من عامين من تداولها إعلامياً، حتى بات الرأى العام العالمى بين خيارين لا ثالث لهما، إما متشوقا لحدث لا يقع إلا كل مائة عام كما يحمله الشعار، أو عازفاً غير مبال. ملقياً، كوشنر، بذلك ببعض التفاصيل التى لا تغنى ولا تثمن من معرفة عن ب صفقتها أو خطته المنتظرة للسلام فى الشرق الأوسط، باستثناء الأهم. وهو أن «بصفقة القرن» التى طال انتظارها، سيتم الكشف عن «تفاصيلها الحقيقية» فى يونيو المقبل، أى بعد انقضاء شهر رمضان. واعتبرها كوشنر فى تصريحات ل«معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدني» تناقلتها كل وسائل الإعلام العالمية، أن ما سيعلن عبارة عن خطة للسلام فى الشرق الأوسط، ستكون «نقطة بداية جيدة » لمعالجة الصراع الفلسطينى الإسرائيلي، ووصفه بأنه إطار عمل واقعي، قابل للتنفيذ وهو أمر سيقود بشدة الجانبين إلى حياة أفضل كثيراً. ولا شك أن هذا الإعلان الواضح عن موعد «الصفقة »، قد كشف أولاً عن بداية النهاية للزخم السياسى والفرضيات، التى تراوحت بين الحقيقة والوهم فى وجودها أصلاً. ثانياً، تمنح طريقاً ثالثاً من التخمينات والتحليلات فى مجمل التحركات والمجريات السياسية التى سادت منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الماضية، وإمكانية الإضافة والحذف، والتأكيد على مجريات تلك الأحداث. رابعاً، يكشف الموعد عن محاولة استنفاد كل المبررات التى كانت تعوق التأجيل، ومنها متغيرات المنطقة، والانتخابات الإسرائيلية، وغير ذلك من مسارات يسُتَبعد معها، انتظار المزيد بعد أن تجلت أغلبها أمام الشعوب والمنظومة العالمية بشكل عام. خامساً، أنه إذا كان بالإمكان اختزال «صفقة القرن» فى شقين رئيسيين، تحت مظلة الصراع الفلسطينى الاسرائيلي، كما هو معلن، وليس احتمالاً آخر مفاجئاً يطول منظومة المنطقة برمتها، فسيكون أحدهما سياسيا، ويتعلق بالقضايا الجوهرية مثل وضع القدس، وسيكون الآخر اقتصاديا، يهدف إلى مساعدة الفلسطينيين على تعزيز اقتصادهم. سادساً، العنصر المفاجئ فى تصريح كوشنر، هو عدم الولوج إلى ذكر حلّ الدولتين، الذى طُرِحَ كثيرا منذ فترة طويلة، وكان الشعار الأقوى ل «صفقة القرن» فعندئذ يكون التساؤل: إذن ما الذى يبيعه الأمريكيون للقضية الفلسطينية؟!، وما الذى تقصده خطة ترامب، التى أثارت جدلاً عالمياً واسعاً منذ ظهورها على مسرح السياسة الأمريكية، فى حتمية حل الصراع مع غياب الدولة الفلسطينية ؟!، وماالذى يراهن عليه ترامب وصهره، الشاب الواعد فى عالم السياسة، لاعتماد الصفقة وتمريرها، بل واعتبارها «نقطة بداية جيدة» ؟!. سابعاً، دون الدخول فى مساومات وأطروحات الخطة وتفاصيلها، هل باتت الخطة مطروحة للتصديق باعتبارها إملاءات للتنفيذ، وليست خيارات للتباحث؟!، وهل وضعت الصفقة أى مساحة تقدير واعتبار لحرية المواطن العربى فى إبداء الرأي، وتقرير مصيره ومصير الأجيال المقبلة، أم أن اللمسات الأخيرة على «الاتفاق النهائي» درست «سيكلوجية الشعوب» وبالتالى لا تحتاج لمزيد من المشاورات، ومزايدات التاريخ!. ولا يمكن تجاوز الطرح السابق دون التطرق لتسريبات «الصفقة» على مدى عامين، أفضى معه إلى شبه رفض كامل لها، ووصفها ب«الصفقة المشبوهة»، باعتبارها تمت فى غرف مغلقة وموائد مستديرة، دون انتهاج الشفافية المطلوبة فى مثل هذه القضايا المصيرية، فكان أهم تلك التسريبات المتعلق بالنزاع الفلسطينى الاسرائيلى دون المتغيرات المتوقعة للمنطقة والكامنة مع طرحها فى يونيو فى «شيطان التفاصيل»، بحسب ما كشف عنه ديفيد فريدمان السفير الأمريكى لدى إسرائيل، وهو محاميا، عضو فى الفريق المكون من الثلاثة المكلفين بصياغة «الصفقة» بجانب جيسون غرينبلات وهو محام أمريكى أيضاً، وقد عُين بوصفه مساعداً لترامب للمفاوضات الدولية، بالإضافة إلى كوشنر، أن الصفقة ستسمح أولاً لإسرائيل بالحفاظ على وجود أمنى دائم فى وادى الأردن، وفق حاجة إسرائيل للحفاظ على السيطرة الأمنية المهيمنة على الضفة الغربية، وثانياً أن الإدارة الحالية وفق تفاصيل الصفقة ستواصل العمل مع إسرائيل والفلسطينيين وغيرهم من اللاعبين الإقليميين سعياً للتوصل إلى اتفاق سلام نهائي. وثالثاً، أن فريدمان كشف أن نقل القدس عاصمة لاسرائيل كان خطوة استباقية تتطلبها الصفقة، مدعياً أنه « لأول مرة منذ ألفى عام، أصبحت القدس مدينة ديناميكية ومزدهرة مفتوحة بالكامل لعبادة الديانات الثلاث»، لكنه تجاهل الانتهاكات اليومية للحرم القدسى من قبل المستوطنين اليهود والأمن الاسرائيلي. وإذا كانت مضامين «صفقة القرن»، قد أجمعت فى تسريباتها السابقة على سيكلوجية تفاوض فى المنطقة، فرضتها الظروف والمتغيرات السياسية، تمثلت فى امكانية تخصيص عشرات المليارات من الدولارات خلال السنوات القادمة تمنح للفلسطينيين، إضافة إلى استثمار نحو أربعين مليار دولار فى بعض دول المنطقة فإن «الصفقة» لقيت إجماعاً شعبياً فى الرفض، ورسمياً ، خاصة فيما يتعلق بمقايضة الأرض بالمال، وتغيير التاريخ وخريطة المنطقة، ومنع حق العودة للاجئين الفلسطينيين، مقابل السيطرة الأكثر شمولاً على المنطقة. أخيرا لا يمكن تجاهل رأى للمؤرخ والباحث الإسرائيلى المتخصص فى شئون الشرق الأوسط والمنطقة العربية، هو الدكتور مردخاى كيدار، عندما كتب مقالاً أخيراً فى « جيروزاليم بوست» فى موقعها باللغة الانجليزية، جاء فيه أن الجهود الأمريكية للسلام فى الشرق الأوسط، والمعروفة إعلامياً ب«صفقة القرن» هى الاسم البديل ل«خطة الفشل» رغم انتظار الشرق الأوسط بفارغ الصبر الإعلان عن الصفقة، لأنه، والكلام ل"موردخاي"، يبدو واضحاً، أن الإدارة الأمريكية، تريد حل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى بطريقة مختلفة عن جميع الإدارات السابقة؛ لأنها تريد حله عبر المال والعمل والرفاه الاقتصادية ، وهى سلم أولويات المجتمع الأمريكى نفسه، وهو ما يعنى أن التوجه الأمريكى لحل الصراع، يأخذ النهج الأمريكي، وليس الشرق أوسطي.