أسفرت النتائج شبه النهائية لانتخابات الكنيست الحادى والعشرين، عن استحواذ اليمين الصهيونى والتيارات الدينية على أغلبية مقاعد الكنيست، وذلك بعد حصولهم على 67 مقعداً من أصل 120 مقعداً فى الكنيست، فى حين أخفقت أحزاب الوسط بما فيها حزب أزرق أبيض وقوى اليسار والأحزاب العربية فى الحصول على الأغلبية التى تتيح لها تغيير الخريطة السياسية فى إسرائيل التى حصدت 53 مقعداً، حيث تتيح هذه النتائج لبنيامين نيتانياهو تشكيل ائتلاف حكومى وبدء ولاية خامسة له، وتبدو ملامح الحكومة المقبلة مشابهة للحكومة الأخيرة بفعل كون الشركاء المرشحين لتأليفها من نفس الأحزاب التى شكلت الوزارة الحالية، لكن قد يطرأ تغيير على توزيع الحقائب فى الحكومة الجديدة، كما يسمح هذا الفوز لنيتانياهو أن يضع اسمه كأفضل رئيس وزراء خدم إسرائيل منذ تأسيسها وتولى دافيد بن جوريون الذى شغل منصب رئيس الوزراء مرتين لمدة أربعة عشر عاما ، وذلك بعد الهدايا التى منحها له الرئيس الامريكى دونالد ترامب بتثبيت القدس الموحدة كعاصمة أبدية لإسرائيل، وفرض السيادة الإسرائيلية على الجولان السورية، بالتوازى مع نجاحه فى تمرير قانون القومية الذى يجعل من فلسطين وطناً قومياً لليهود فقط، وتقنين الاستيطان فى المناطق المحتلة بما فيها الضفة الغربيةوالقدس، فضلاً عن اختراقه الحصار العربى وسعيه لإقامة تحالف مع الدول العربية بدعوى مواجهة الخطر الإيرانى فى المنطقة. ويعتبر فوز نيتانياهو برئاسة الوزراء للمرة الخامسة بمنزلة تفويض جديد من معسكر اليمين الذى يهيمن على الدولة لمواصلة استراتيجيته القائمة على عدم السماح بقيام دولة فلسطينية بين البحر والنهر، والحفاظ على نقاء الدولة اليهودية باستمرار رفض عودة أى من اللاجئين الفلسطينيين، وتكريس فصل الضفة عن القطاع واستمرار مخططات تهويد القدس، وعدم تفكيك أى من المستوطنات فى الضفة الغربية وتطبيق القانون الإسرائيلى عليها اى ضمها للسيادة الإسرائيلية، مع بقاء السيطرة الأمنية الكاملة على منطقة غور الأردن لتصبح الحدود الشرقية الآمنة لدولة إسرائيل، ومن ثم الاكتفاء بمنح الفلسطينيين حكما ذاتيا إدارياً محدودا بالضفة الغربية دون السيادة على الأرض، واستثمار الانحياز الأمريكى لتطبيق فكر اليمين الصهيونى للتسوية الإقليمية برفض حل الدولتين وتحميل الدول العربية أعباء أى تسوية محتملة للقضية الفلسطينية، مع استغلال الأزمة الداخلية الفلسطينية التى تكرس الانفصال بين الضفة الغربية و قطاع غزة لتوفير ذرائع غياب الشريك الفلسطينى للتسوية، وبما يهيئ المجال لتحقيق سيناريو الحل الإقليمى وتصدير القضية لدول الجوار، لاسيما مع استمرار الخلاف والانقسام العربى حول المفردات الاستراتيجية للتسوية وانشغال دول المنطقة بمعطياتها الداخلية. فى ظل تراجع دور النظام الدولى / العربى مع تكريس واقع الانقسام لفترة طويلة قادمة، ومن ثم تعزيز مكانة القوى والتيارات المتشددة والمتحالفة مع الأطراف الإقليمية لخدمة أجندة غير فلسطينية، وسعيها لإرساء مفاهيم المقاومة الشعبية فى تحقيق مصالح بعض القوى الخارجية. ورغم إعلان الإدارة الأمريكية اعتزامها طرح صفقة القرن بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية برئاسة نيتانياهو، فإنها من الناحية العملية قامت بتنفيذ بعض بنودها على الأرض، وحسمت بعض ملفات الحل النهائى لمصلحة إسرائيل (القدس اللاجئون المستوطنات الحدود..)، فضلاً عن ممارسة عمليات التحريض ضد الرئيس/ محمود عباس، ومطالبة الشعب الفلسطينى بالخروج على السياسات والثوابت الوطنية، بالتوازى مع العمل على إيجاد صيغة أمريكية / اسرائيلية لفصل غزة عبر مشاريع تنموية اقتصادية كبرى لتحقيق الفوضى مقابل التنمية كمدخل إغاثى للسكان، مما يعنى أن ادارة ترامب قررت تغيير قواعد اللعبة والانقلاب على العملية السياسية وإدخال المدن الفلسطينية فى فوضى وليس كما تدعى رفاهة ورخاء، بالتوازى مع ممارسة مزيد من الضغوط على بعض القوى الإقليمية (مصر الأردنإيرانسوريا)، وهو مادفع الرئيس المصرى خلال زيارته السريعة لواشنطن لتأكيد ضرورة التوصل إلى سلام متوازن يقوم على أساس حل الدولتين، مع تسوية مسألة القدس ضمن قضايا الوضع النهائي، ورفض أى محاولات لفصل الضفة عن القطاع، مع عدم معارضة مساعى التنمية الاقتصادية فى قطاع غزة، والتحذير من خطورة تجاوز القيادة الفلسطينية، ودعم كل الجهود والمبادرات التى تهدف إلى التوصل لتسوية عادلة وشاملة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفقا للشرعية الدولية القائمة على مبدأ حل الدولتين، والتوصل إلى حل متوازن وشامل للقضية الفلسطينية يساعد على تحقيق الأمن والاستقرار فى المنطقة بأسرها، والمقايضة مع روسيا ببعض الملفات الإقليمية لتوفير مظلة دولية مؤيدة لمسارات الحركة السياسية والاقتصادية لتحريك حالة الجمود المسيطرة على عملية السلام فى الشرق الأوسط، وبما يعزز من مخاوف الرئيس الفلسطينى من تداعيات السياسة الأمريكية على مستقبل الأوضاع فى الساحة الفلسطينية. وبتقييم معطيات الأوضاع السائدة إقليمياً ودولياً يتضح أن الفلسطينيين لم يتبق لهم أى خيار سوى انهاء الانقسام وإنجاز المصالحة الوطنية الحقيقية لعل هذا يكون مقنعاً للعالم وللاحتلال بأن الشعب الفلسطينى أصبح موقفه موحدا وقويا، مع تبنى خيار المقاومة الشعبية لتحريك حالة الجمود المسيطرة على عملية السلام، مع التحسب من محاولات بعض القوى الإقليمية لجر الفصائل الفلسطينية للكفاح المسلح لأن أى عمل عسكرى سيكون ذريعة لحكومة إسرائيل لشن عدوان على غزة أو احتلال المزيد من أراضى الضفة الغربية، الأمر الذى يتطلب انهاء الانقسام وتوحيد الموقف وانجاز الوحدة الوطنية وتجسيدها على الأرض ودعم صمود الشعب الفلسطينى والتخلى عن سياسة الاستقطاب الثنائى الذى تمارسه حركتا فتح وحماس على الساحة الفلسطينية، والعمل على تقوية منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطيني، فضلا عن بلورة موقف عربى موحد داعم للقضية الفلسطينية، وتوظيف الدول العربية الكبرى علاقاتها المتوازنة مع القوى الإقليمية والدولية المؤثرة لكسب مساندة تلك القوى للمطالب العربية المشروعة بإنهاء الاحتلال الاسرائيلى للأراضى العربية وتأييد إقامة الدولة الفلسطينية القادرة على البقاء على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف. لمزيد من مقالات لواء. محمد عبد المقصود