أثارت المواقف التى أعلنت عنها ادارة الرئيس « دونالد ترامب « بشأن مرونة الحل للقضية الفلسطينية شهية اليمين المتطرف فى اسرائيل الذى أصبح يعلن صراحة عن خططه لضم أراضى الضفة الغربية لاسرائيل، وهو ما دفع الرئيس المصرى والعاهل الأردنى للتأكيد على استراتيجية الجانب العربى للتسوية والتي ترتكز على «حل الدولتين» ويقضى باقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة والتواصل الجغرافى القابلة للنمو والتطور داخل حدود 1967 فى قطاع غزة والضفة الغربية وعاصمتها القدسالشرقية مع تسوية قضايا اللاجئين والمياه، مع رفض فكرة اقامة دولة ذات حدود مؤقتة ناقصة السيادة. وتنطلق المخاوف المصرية والأردنية من ادراك القيادة السياسية فى البلدين لطبيعة المخاطر التى تمثلها توجهات الحكومة الاسرائيلية فى ظل سيطرة التيارات اليمينية والدينية المتشددة على الائتلاف الحاكم بزعامة «بنيامين نتنياهو »، وما طرحه الأخير من فكرة اشراك الدول الاقليمية فى حل القضية الفلسطينية فى محاولة لاحياء رؤية اليمين الصهيونى للتسوية الاقليمية برفض « حل الدولتين » ومنح الفلسطينيين حكماً ذاتياً ادارياً بالضفة الغربية وقطاع غزة دون السيادة على الأرض لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الاسرائيلية فى مستقبل التسوية على حساب المصالح العربية، من خلال الحفاظ على نقاء يهودية الدولة باستمرار رفض عودة أى من اللاجئين الفلسطينيين، ومواصلة مخططات تهويد القدس والبناء بالجدار، أملاً فى اقامة الدولة الفلسطينية بقطاع غزة وجزء من سيناء، واقامة دولة ثانية مؤقته بالضفة أو تصدير ماتبقى منها للأردن، مستغلاً استمرار الأزمة الداخلية الفلسطينية. ولاشك فان استمرار الخلاف العربى حول المفردات الاستراتيجية للتسوية وانشغال دول المنطقة بمعطياتها الداخلية ، خاصة دول الربيع العربى، قد أسهم فى اعطاء الانطباع بغياب الشريك العربى المساند للحق الفلسطينى ، وسمح لباقى القوى الاقليمية غير العربية بالتدخل السلبى لاستخدام ملف الصراع العربى / الاسرائيلى وبصفة خاصة القضية الفلسطينية كأحد أوراق ادارة أزمتها مع القوى الدولية وتحقيق طموحاتها فى المنطقة، حيث استضافت ايران يوم 21/2/2017 مؤتمر « دعم الانتفاضة السادس « والذى شارك به قادة ومسئولو الفصائل الفلسطينية المتشددة وعلى رأسها حركة الجهاد الاسلامى الفلسطينى التى طالب أمينها العام «رمضان عبدالله شلح» بتوحيد الجبهات فى غزة ولبنان ضد الاحتلال الاسرائيلى متهماً أجهزة الأمن الفلسطينية بدعم سلطات الأمن الاسرائيلية فى اجهاض الانتفاضة الفلسطينية، كما نظمت تركيا «المؤتمر الشعبى لفلسطينى الخارج» باسطنبول يومى 24و25 /2/2017 شارك به حوالى ستة ألاف فلسطينى يمثلون نحو خمسين دولة والذى ركز على ضرورة توسيع المشاركة فى منظمة التحرير الفلسطينية فى محاولة لاخراجها من اتفاق أوسلو، وبما يخدم فى مجمله الأهداف والنوايا الاسرائيلية لالغاء السلطة الفلسطينية فى الأراضى المحتلة، وتدمير منظمة التحرير الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى فى الخارج، ومن ثم سحب الشرعية عن الدولة الفلسطينية المعترف بها فى الأممالمتحدة ومن غالبية دول العالم باعتبارها دولة غير كاملة العضوية بالمنظمة الدولية . ورغم ماعكسته نتائج استطلاع الرأى الصادر عن معهد أبحاث الأمن القومى من استمرار تأييد نحو 60% من الاسرائيليين لحل الدولتين ، الا أن القوى والتيارات اليمينية والدينية المتطرفة بدأت فى تنفيذ مخططاتها لاجهاض هذا الحل، حيث تركزت أهمها فيما طرحه عضو الكنيست الأسبق من الجناح المتطرف فى الليكود « موشيه فيجلين» باسم مشروع الدولة الواحدة بفرض السيادة الكاملة على جميع الأراضى الفلسطينية ومنح توصيف «سكان» لجميع الفلسطينيين دون حقوق سياسية مع تشجيعهم على الهجرة الاقتصادية، مع امكانية منح حق المواطنة لمن يعلن ولاءه للدولة العبرية، وكذا مقترح عضو الكنيست «يوآف كيش» من الليكود باقامة حكم ذاتى ادارى محدود للفلسطينيين بالمنطقتين ( أ ، ب ) مع الغاء اتفاقيات أوسلو وفرض السيادة الاسرائيلية على الضفة ، وبما دفع بعض الشخصيات السياسية من اليسار للاجتهاد وطرح اقتراحات بديلة لحل الدولتين ، ولعل أهمها ما أعلنه « ابراهام بورج « ( الرئيس الأسبق لكل من الكنيست والوكالة اليهودية) أمام الرئيس الفلسطينى فى رام الله الأسبوع الماضى ، والذى يقضى باقامة دولة واحدة يتمتع فيها جميع المواطنين بحقوق متساوية، أو تأسيس كونفيدرالية بين دولتين مستقلتين ، فى حين طرح زعيم المعارضة ورئيس المعسكر الصهيونى « يتسحاق هيرتسوج « رؤية لانقاذ اسرائيل من كارثة الدولة الواحدة ذات الأغلبية العربية بالعودة الى خيار حل الدولتين كهدف لاحلال السلام بين الجانبين من خلال عقد هدنة لمدة عشر سنوات خالية من الارهاب والتحريض ومدعومة بقرار من مجلس الأمن وبآلية لمراقبتها على أن تستكمل اسرائيل بناء الجدار حول القدس والمناطق الاستيطانية مقابل منح صلاحيات مدنية للسلطة الفلسطينية فى المناطق ذات الكثافة العربية، واحتفاظ اسرائيل بسيطرتها الأمنية على كامل الضفة الغربية خلال السنوات العشر تبدأ بعدها مفاوضات الحل النهائى دون شروط مسبقة لانهاء الصراع. والملاحظ أنه لايوجد اختلاف جوهرى بين اليمين واليسار حيث اتسمت مواقف الطرفين بالمزايدة على الأراضى الفلسطيينية، كما تجاهلت المقترحات المطروحة جميع الحقوق الأساسية للشعب الفلسطينى بما فيها حقه فى تقرير المصير وعودة اللاجئين وادارة الموارد والثروات، فى حين تعمد اليمين الصهيونى تجنب أية صياغات حول المسئولية القانونية والأخلاقية عن قطاع غزة الذى مازال يخضع للاحتلال الاسرائيلى ، الأمر الذى يتسق مع رؤية القوى المتطرفة بالقاء مسئولية ادارته على مصر وحل مشاكله من المنظور الديموجرافى بنقل مئات الألاف من سكانه وتوطينهم فى الدول العربية بما فيها مصر والأردن، وذلك فى استجابة مباشرة لتصريح «نتنياهو» التى أمن عليها «ترامب» دون أن يدرك عواقبها على كل من عملية السلام وعلى القوى الاقليمية، وبالنظر الى تراجع دور النظام الدولى / العربى عن تلبية الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية ، فى ظل مساعى بعض القوى الاقليمية لتكريس واقع الانقسام لفترة طويلة قادمة، اضافة الى تنامى دور التيارات المتشددة والمتحالفة مع تلك القوى، وسعيها لتوظيف مفاهيم المقاومة الشعبية فى تحقيق مصالح وأجندات بعض الأطراف الخارجية ، فان قرار اقامة الدولة الفلسطينية حالياً بيد الشعب الفلسطينى نفسه بتمسكه بكل حقوقه المشروعة، وبنضاله السياسى والشعبى والمؤسسى فى الداخل والخارج، وبما يتطلب تنازل القيادات الفلسطينية عن أوهام الزعامة والسلطة لمصلحة وحدة الصف والهدف وتحقيق حلم الدولة الفلسطينية القادرة على البقاء على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشريف، مع أهمية عدم الالتفات لبعض المقترحات الرامية لاقامة دولة ديمقراطية ثنائية القومية والتى تهدف بالأساس لتجميل صورة اسرائيل على المستوى الدولى لأنها تمارس التمييز حتى ضد اليهود على أساس أصولهم والبلاد التى قدموا منها (أشكيناز ، سفارديم ، فلاشا.. )، وبالتالى فلن يكون للعرب وجود فى تلك الدولة العنصرية. وينبغى أن تحظى القضية الفلسطينية باهتمام القادة العرب فى قمتهم القادمة فى الأردن لتأكيد أن تلك القضية فى قلب اهتمامات الأمن القومى العربى، ارتباطاً باعتبارات التاريخ والجغرافيا السياسية والمصالح الوطنية المشتركة للشعوب العربية، مع ربط تمسكهم بالمبادرة العربية للسلام بمدى التزام اسرائيل والقوى الدولية بحل الدولتين، فضلاً عن مساندتهم الكاملة للقيادة الفلسطينية الشرعية لاستعادة حقوق الشعب الفلسطينى، وفق برنامج زمنى محدد ورعاية دولية محايدة لوضع الأسس والمبادئ التى تضمن التوصل الى سلام شامل وعادل ودائم فى الشرق الأوسط. مدير وحدة الدراسات الاسرائيلية / الفلسطينية لمزيد من مقالات محمد عبد المقصود