يعد الموقف السياسى الداخلى فى إسرائيل من أهم العوامل الحاكمة فى جهود التسوية السياسية للنزاع العربي/ الإسرائيلي، وقد جاء قرار رئيس الوزراء الإسرائيل بتوسيع الائتلاف وضم زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» اليمينى المتطرف أفيجادور ليبرمان لحكومته بدلا من إتمام صفقة انضمام حزب «المعسكر الصهيوني» ورئيسه يتسحاقهير تسوج، حيث ينتظر أن يعرض رئيس الحكومة تركيبه الائتلاف الجديد، وذلك بعد استكمال الاتصالات لضم حزب «إسرائيل بيتنا» الذى يحتفظ بستة مقاعد بالكنيست، لتجاوز مشكلة الأغلبية البسيطة التى ترتكز عليها الحكومة الحالية فى الكنيست ب 61 مقعدا لتصبح أغلبية من 67 نائبا من أصل 120 نائبا، وهى أغلبية قادرة على أن تضمن لنيتانياهو الاستمرار فى حكومة نيتانياهو وفق القانون حتى عام 2019، وحسب الاتفاق المتبلور سيتسلم ليبرمان حقيبة الجيش، والنائب صوفا لاندفر حقيبة الاستيعاب والهجرة، وبما يشير إلى استمرار تمسك نيتانياهو بمواقفه اليمينية المتشددة، ورغبته فى تعزيز قدرة حكومته على مواجهة الضغوط الخارجية للتحرك نحو السلام. ولاشك أن تكليف أفيجادور ليبرمان بتولى حقيبة الدفاع خلفا للوزير موشيه يعلون المستقيل من الحكومة ومن عضوية الكنيست عن حزب الليكود الحاكم، احتجاجا على سياسة نيتانياهو المتطرفة، والتى تمثل مخاطر على أمن وسلامة الدولة، وعلاقاتها الخارجية، فى ظل تبنيها مواقف وسياسات تسهم فى زيادة العزلة المفروضة على إسرائيل، يعكس مدى القلق الذى يسيطر على الوضع الداخلي، خاصة فى أوساط المؤسسة العسكرية، حيث عبر بعض الخبراء العسكريين عن تحفظهم على هذا القرار، الذى يتسم بعدم المسئولية باستبدال وزير خبير متزن وهادئ ولديه رؤية استراتيجية، بوزير ليس لديه أى خبرة أمنية، وردود فعله غير محسوبة يمكن أن تؤدى إلى توريط إسرائيل فى أزمات سياسية وأمنية، خاصة مع فشله فى إدارة السياسة الخارجية خلال فترة توليه وزارة الخارجية من ناحية، وطبيعة الصلاحيات والدور الذى يتمتع به وزير الدفاع فى صنع القرار السياسى والأمني. وفى حقيقة الأمر أن ترشيح ليبرمان لمنصب وزير الدفاع جاء نتاجا طبيعيا لتنامى نزعة التطرف والاتجاه نحو اليمين على الساحة السياسية الإسرائيلية، وهو ما أدى بالتالى إلى صعود أهمية ومكانة الأحزاب ذات التوجهات اليمينية المتطرفة، وعلى رأسها حزب «إسرائيل بيتنا» الذى أسسه ليبرمان عام 1999، وحزب المستوطنين «البيت اليهودي»، وفى حين تركزت مطالب ليبرمان فى الاتفاق الائتلافى على تعديل الأمر العسكرى الذى ينظم عمل المحاكم العسكرية، يقضى بالاكتفاء بتصويت قاضيين على عقوبة الإعدام حتى يتم فرضها على عناصر المقاومة الفلسطينية بدلا من ثلاثة قضاة، بالإضافة إلى وضع صياغات تحقق مبدأ فصل الدين عن الدولة، واللجوء للقوة والحزم فى مواجهة الأنشطة الفلسطينية بالمناطق المحتلة، فقد خلا الاتفاق من أى تعهد بإعادة إطلاق مسيرة السلام مع الفلسطينيين، وبالتالى فإن ما تشهده الساحة السياسية فى تل أبيب يتعدى بكثير حدود توسيع التمثيل السياسى فيها لمصلحة التحول نحو اليمين القومى الذى ينتهجه نيتانياهو منذ تشكيله حكومة اليمين الضيقة بعد فوزه فى الانتخابات الأخيرة، ويمكن اعتبار تعيين ليبرمان فى منصب وزير الدفاع بداية مرحلة جديدة من السياسة المتشددة فى التعامل مع الملفات الأمنية والسياسية المطروحة، وفى طليعتها الوضع فى قطاع غزة، والهبة الفلسطينية، وموضوع استئناف المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين، وبصفة عامة تشير توجهات ليبرمان إلى تبنى مواقف متشددة وعنصرية ليس ضد الفلسطينيين، بل أيضا ضد بعض الدول العربية، ومنها مصر، مع انتهاج سياسية عنصرية بالدعوة إلى مبادلة الأرض التى يقيم عليها عرب إسرائيل بالمستوطنات اليهودية فى الضفة الغربية فى أى اتفاق سلام يجرى التوصل إليه مع الفلسطينيين، واتخاذ خطوات لضمان ولاء كل الإسرائيليين، بمن فيهم عرب إسرائيل، للدولة العبرية، كشرط للاحتفاظ بجنسيتهم، وإعلانه يوم 2/3/2009 اعتزامه طرد عرب 48 ومقايضتهم بيهود الضفة الغربية، بزعم تقديمهم الدعم المالى لحركة «حماس» فى أثناء العدوان الأخير على غزة، وامتناعهم عن تقديم الولاء التام لإسرائيل، برفضهم سواء تأدية يمين القسم والولاء أو الخدمة بالجيش والقيام بخدمات وطنية، وكذلك الانسحاب من المستوطنات اليهودية فى الضفة الغربية، مع تأكيده ضرورة أن تعمل أى حكومة إسرائيلية مقبلة على الإطاحة بسلطة «حماس» فى قطاع غزة، وهو ما حرص على تضمينه فى اتفاقه الأخير مع زعيم الليكود. ولاشك فإن سيطرة التيارات اليمينية والدينية المتشددة على الائتلاف الحاكم بزعامة نيتانياهو تساعد على تحقيق أهداف اليمين الصهيونى الرامية للحصول على اعتراف دولى بيهودية الدولة والحفاظ على نقائها بمواصلة رفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتغليب الأمن على السلام مع تبنى فكر التسوية الاقليمية برفض حل الدولتين والاكتفاء بمنح الفلسطينيين حكما ذاتيا إداريا محدودا بالضفة الغربية وقطاع غزة دون أى مظاهر للسيادة مع ترسيخ فصل الضفة عن القطاع ومواصلة مخططات تهويد القدس وبناء الجدار العازل واستغلال المعاناة الإنسانية التى يتعرض لها سكان القطاع نتيجة إجراءات الحصار الاقتصادى والأمنى لتصدير مشكلاته إلى مصر فضلا عن انتهاج سياسة التسويف والمماطلة للحيلولة دون تقديم تنازلات جوهرية فى عملية السلام على المسار الفلسطينى وتوظيف عامل الوقت لاستكمال إجراءاتها وسياساتها لفرض امر واقع فى الضفة الغربيةوالقدس تحسبا من تزايد الضغوط عليها لاستئناف المفاوضات حول قضايا الوضع النهائى. وبالنظر إلى محدودية قدرة المجتمع الدولى فى ممارسة ضغوط حقيقية على حكومة نيتانياهو اليمينية المتشددة للاستجابة لمتطلبات عملية السلام نتيجة انشغال الإدارة الأمريكية بالاستعداد للانتخابات المقرر اجراؤها فى نوفمبر المقبل فقد يكون من المفيد استثمار فرصة عقد المؤتمر الدولى المقبل لوضع مجموعة من المبادئ العامة التى تحافظ على ما تم التوصل إليه فى الاتفاقيات السابقة بما يضمن تحقيق حل الدولتين وتوفير ضمانات أمنية لتمكينهما من العيش جنبا إلى جنب فى سلام وأمن وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967والتوصل إلى حل عادل ومقبول لمشكلتى القدس واللاجئين مع حث الحكومة الإسرائيلية على ضرورة الدخول فى مفاوضات جادة للتوصل إلى تسوية سياسية خلال فترة زمنية محددة, التوقف عن الإجراءات الاستفزازية التى تقوم بها على غرار توسيع المستوطنات والحفريات فى منطقة ساحة المسجد الأقصى وسياسة الاغتيالات فى صفوف قيادات وكوادر فصائل المقاومة وذلك لتهيئة المجال أمام القوى الفلسطينية المعتدلة لاستعادة وضعيتها ودعم مكانة أبومازن على المستوى الداخلى الفلسطينى.