اجتماع اولمرت عباس، العاشر (الثلاثاء 19/2) جاء مثل سابقاته دون أية نتائج تذكر سوى الاتفاق على كلام عام فضفاض في ظل وضوح الرؤية الاسرائيلية بالنسبة للتسوية. من جانبه، فإن اولمرت وإضافة الى تأكيده على عزمه مواصلة الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة منذ 17 نوفمبر، وتهديده بتوجيه ضربات قاسية وغير مسبوقة اليها، فإنه وامام مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية من الولاياتالمتحدة، فإنه اكد في خطابه: على ان تكون قضية القدس آخر موضوع تتناوله المفاوضات السلمية، كما وعد بأن البناء فيها والكتل الاستيطانية الكبرى سيستمر، الامر الذي سيوجد واقعا جديدا في المدينة بعد بضعة اعوام. على صعيد آخر، زعم المتحدث باسم الحكومة الاسرائيلية مارك ريجيف في حديثه للصحفيين بعد انتهاء الاجتماع، بأن اولمرت كان واضحا للغاية في وقت سابق هذا الاسبوع حينما اكد على ان عباس وافق على الاقتراع الاسرائيلي بإرجاء التفاوض بشأن القدس حتى آخر مراحل المفاوضات. إصرار اولمرت على تنحية القدس عن المفاوضات مع الرئيس الفلسطيني يهدف الى ايجاد وقائع جديدة ديموغرافية وجغرافية في القدس (الموحدّة) التي يراد لها ان تكون العاصمة الابدية لاسرائيل (وفقاً للطرح الاسرائيلي)، كما ان التحالف الحكومي الاسرائيلي الحالي سينفرط إذا ما أخضعت القدس للمباحثات، وذلك بتهديد من حركة شاس، التي أعلنت ذلك صراحةً الامر الذي سيسقط حكومة اولمرت الحالية، وذلك بعد خروج حزب (اسرائيل بيتنا) من التحالف احتجاجاً على عملية المفاوضات مع الفلسطينيين. اما بالنسبة للحقوق الوطنية الفلسطينية الاخرى، فقد حددت اسرائيل مواقفها منها منذ إنشاء دولتها في عام 1948، ب (لا) كبيرة لحق عودة اللاجئين، ومباشرة بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والاراضي العربية الاخرى في العام 1967 اعلنت اسرائيل رفضها الانسحاب لحدود ما قبل الحرب، ورفضت قرار الاممالمتحدة (242) الذي دعى الى الانسحاب الى تلك الحدود. كما اقرّ الكنيست في نوفمبر 67 قانونا بتوحيد مدينة القدس واعتبارها عاصمة اسرائيل الابدية. بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد في عام 1979، اعلنت اسرائيل رفضها التام للانسحاب من الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، كما حددت مواصفاتها للدولة الفلسطينية المستقلة، الامر الذي يجعل من هذه الدولة فعلياً منطقة للحكم الذاتي لا اكثر! فليس لها سيادة على معابرها الحدودية، ولا على اجوائها وما تحت ارضها ومياهها البحرية، ولا على الداخلين اليها (بمن فيهم ضيوفها) والخارجين منها، إلا بموافقة اسرائيلية. فيما بعد ولدواع امنية اسرائيلية، تفتقت الذهنية الصهيونية عن اهمية تواجد عسكري اسرائيلي في مناطق الغور على الخط المحاذي والذي يشكل حدود الدولة العتيدة مع الاردن، الامر الذي يصنع منها (دويلة) تابعة اوتوماتيكيا لاسرائيل. فيما بعد، وإثر بنائها للجدار العازل، حوّلت اسرائيل الضفة الغربية الى كانتونات مقطعة الاوصال بالكامل، مما يشي باستحالة قيام دولة فلسطينية مستقلة بالمعنى الفعلي في الضفة الغربية واضافة الى الانقطاع الجغرافي فيما بينها وبين قطاع غزة. الاسرائيليون بكافة ألوان طيفهم السياسي الحزبي يعتبرون هذه الرؤية للتسوية خطوطاً حمراء، لا يمكن لأية حكومة اسرائيلية حالية او لاحقة تجاوزها، وهي أصبحت بمثابة (قوانين) نتيجة لقرارات الكنيست التي سنتها بصددها. كما ان الاسرائيليين أخذوا بها رسالة ضمانات استراتيجية اميركية في عام 2006 من خلال الوثيقة التي ارسلها الرئيس بوش الى رئيس الحكومة الاسرائيلية وقتذاك: ارييل شارون والتي قرأها في ختام الاجتماع الاخير لمؤتمر هرتسيليا السادس هذه الخطوط الحمراء الاسرائيلية يتفق عليها اليسار واليمين الاسرائيلي، انطلاقاً من ضروريات سياسية دولية، ومن دوافع ديموغرافية اسرائيلية تقتضي التخلص من المناطق السكانية ذات الكثافة العربية! متعلقة بنقاء الدولة اليهودية كهدف مطروح على الاجندة الاسرائيلية. اما يمين اليمين الاسرائيلي المتمثل في الاحزاب المتطرفة واليمينية الدينية فتطرح ترانسفير العرب من كل مناطق (اسرائيل التاريخية) كمقدمة لانشاء دولة (اسرائيل الكبرى). لا نطرح هذه الحقائق من زاوية استعراضها.. فهي اكثر من معروفة لكل فلسطيني وعربي مهتمين بالصراع العربي الصهيوني، ولكن من زاوية التذكير (ان نفعت الذكرى) بها! بمعنى آخر: نطرح حدود التسوية بمعناها الاقصى الذي قد تصل اليه اسرائيل حالياً ومستقبلاً الامر الذي يبين مدى الفائدة او الضرر الذي يلحق بالمشروع الوطني الفلسطيني من اللقاءات والمباحثات الدورية مع اسرائيل! وبخاصة في ظل الافتقاد الى تغييرات جوهرية في المواقف الاسرائيلية. من زاوية ثانية، فالذي يساعد اسرائيل على التمسك بمواقفها من التسوية هي مواقف كثيرة لعل من ابرزها: ميزان القوى الحالي بين الجانبين: الفلسطيني/ العربي من جهة، واسرائيل من الجهة الثانية. مواقف الولاياتالمتحدة ودول غربية اخرى كثيرة ودول عالم ثالثية ايضا والمتبنية بالكامل للأطروحات الاسرائيلية الى حد التبني التام لمواقفها. الانقسام الفلسطيني الفلسطيني وحالة التباري والتنازع على من يمثل الشعب الفلسطيني، والتداعيات (جميعها) المرتبطة بذلك، في ظل تفاوت في النظرة الاستراتيجية للفصائل الفلسطينية لطبيعة الصراع مع اسرائيل، وتفاوت كبير يصل حدود الخلل في التصورين الاستراتيجيين: الفلسطيني العربي من جهة والاسرائيلي من جهة أخرى. بعد كل ذلك .. هل من فائدة ترجى من استمرار لقاءات عباس اولمرت، ومن استمرار المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية؟ * كاتب فلسطيني