معركة إسرائيل الجديدة ضد «حماس» فى غزة تعنى أن التاريخ سيتذكر رئيس الوزراء الإسرائيلى إيهود أولمرت بشن حربين دمويتين ومدمرتين لا طائل من ورائهما، فى غضون أقل من 3سنوات من صعوده إلى السلطة. الحرب الأولى كانت فى لبنان خلال صيف 2006، التى استهدفت «حزب الله» إلا أنها فشلت فى إلحاق الهزيمة به أو حتى إضعاف قواه العسكرية. ويبدو أن المعارك الدائرة الآن سيكون لها الأثر نفسه على «حماس»، فأغلب الظن أنها ستظل تفرض سيطرتها على قطاع غزة، وتحتفظ بقدرتها على ضرب إسرائيل بعدما يغادر أولمرت مكتبه فى غضون أشهر قليلة. ويقول الكاتب جاكسون ديل فى صحيفة «واشنطن بوست» إن الغريب فى الأمر أن أولمرت، الذى كان فى السابق متشدداً يؤمن ب»إسرائيل الكبرى»، كان أكثر تحمساً من أى رئيس وزراء إسرائيلى آخر لإنهاء صراعات إسرائيل مع سوريا ولبنان والفلسطينيين. وبعدما صعد إلى السلطة فى يناير 2006، أطلق أولمرت تعهداته بتنفيذ انسحاب أحادى الجانب للجنود والمستوطنين الإسرائيليين من معظم أراضى الضفة الغربية. وعندما تهدمت هذه التعهدات على حائط الحرب على لبنان، دخل أولمرت فى مفاوضات مشتركة مع الرئيس الفلسطينى محمود عباس «أبومازن»، التى ناقش خلالها بنود تسوية قائمة على حل الدولتين، كما بدأ محادثات غير مباشرة مع دمشق على الرغم من اعتراضات الإدارة الأمريكية. وتميز أولمرت برغبته فى التحول إلى حل الدولتين. فهو على قناعة بأنه ما لم تستطع إسرائيل أن تفصل نفسها عن الفلسطينيين فى الضفة الغربيةوغزة فى المستقبل القريب، فإنها قد تندثر ديموغرافياً كما أنها ستتنازل إما عن ديمقراطيتها أو كينونتها كدولة يهودية. وخلال زيارته الأخيرة لواشنطن فى أواخر نوفمبر، كان أولمرت لا يزال يدفع باتجاه التوصل إلى ما يشبه «اتفاق إطار» مع عباس من شأنه أن يحدد بنود اتفاق، ويحظى بمصادقة مجلس الأمن الدولى عليه، فى الوقت الذى تخلت فيه كل الأطراف المنخرطة فى المحادثات عن طموحاتها. وبدلاً من التوصل إلى اتفاق مع عباس أو الأسد يغير الأوضاع على الأرض، سيرحل أولمرت تاركاً وراءه أراضى محترقة فى غزة، وجبهة لبنانية تنتصب عليها صواريخ حزب الله وضفة غربية توسع فيها الاستيطان بدلاً من تراجعه مع مئات المنازل التى تبنى لليهود. وفوق كل هذا، ربما يعاقب أولمرت بالسجن فى تهم فساد أجبرته على ترك منصبه. ويبدو أن أولمرت أساء تقدير الأمور عندما شن هجوم 2006 على حزب الله، ويبدو أنه يقوم بالخطأ نفسه فى غزة، وهو ما قد يسفر عن إزهاق العديد من الأرواح وإدخال إسرائيل فى دائرة جديدة من الازدراء الدولى، وصرف الانتباه عن الخطر الإيرانى. وعلى الرغم من نوايا أولمرت الجريئة، فإنه أثبت أنه غير راغب أو غير قادر على مواجهة التوسع الاستيطانى فى الضفة الغربية، فيما فشلت حكومته فى تفكيك الكتل الاستيطانية التى أعلنت مراراً أنها غير قانونية. لكن لا يمكن توجيه اللوم لأولمرت فقط. فالرئيس الأمريكى المنتهية ولايته جورج بوش استضاف مؤتمر أنابوليس للسلام فى الشرق الأوسط العام الماضى، لكنه لم يتدخل مباشرة أبدًا لإنجاح التسوية بين الطرفين. فيما قامت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس بزيارة المنطقة 16 مرة فى 21 شهراً، إلا أنها أثبتت عجزها عن القيام بدور الوسيط. لذا، فإن أولمرت، مثله مثل إيهود باراك، سينهى فترة ولايته كرئيس وزراء بقصف الأراضى الفلسطينية بدلاً من تحريرها. وسيتم تذكره دوماً بالحروب التى شنها، ولكن ربما تمر أيضاً سنوات وسنوات حتى يجىء زعيم إسرائيلى لديه الرغبة فى صنع السلام.