«إنها المهمة الكبرى لجيلنا» هكذا وصف الرئيس الكوستاريكى كارلوس ألفارادو أولوية قضية التغيرالمناخي، مشيرا إلى إنه لا يرى أى جدوى من انتظار قيام الدول الكبرى بذلك أولاً، لا سيما بعد أن استطاعت بلاده أن تضرب مثلا يحتذى بعد قيامها بتجربة ثرية وملهمة ليس لدولة أو قارة بعينها بل للعالم بكامله، فما حدث فى البلد الصغير يمكن وصفه بالمعجزة الخضراء خاصة بعد أن احتلت مؤخرا المرتبة الأولى فى مؤشرات البيئة العالمية، حيث تعتمد 95% من استخداماتها على الطاقة المتجددة. كانت هذه الدولة اللاتينية التى لا تتجاوز مساحتها 0٫03% من مساحة الكرة الأرضية قد انتهجت مبدأ التنمية المستدامة واتخذته مسارا لنموها الاقتصادى والاجتماعى والبيئى منذ عقود، وسلكت درب صناعة السياحة البيئية، وجعلتها مصدرا رئيسا للدخل، كما وضعت الحكومة هدف مكافحة ظاهرة الاحتباس الحرارى وتجنب العواقب الوخيمة الناتجة عنها من خلال قيامها بتبنى إستراتيجية أعلنتها الحكومة فى عام 2007 ، لجعل البلاد خالية من ثانى أكسيد الكربون بحلول عام 2021 ، على الرغم من أن الانبعاثات الكربونية لكوستاريكا قليلة جدا مقارنة بالبلدان الأخرى، وذلك بسبب قيامها بسن تشريعات بيئية تميزها عن غيرها من دول العالم فى مجال الاقتصاد الأخضر أو أى دولة تتطلع إلى أن تسير على خطاها، ومن أبرز هذه التشريعات إعفاء السيارات الكهربائية من الضرائب، والحد من أعداد السيارات التى تعمل بالوقود التقليدي، لتحمى بيئتها التى تشكل الغابات نسبة 51% من مساحتها، حيث ضاعفت البلاد من جهود إعادة تشجير الغابات خلال الثلاثين عاما الماضية، وذلك بعد مضى عقود كاملة من إزالتها والقضاء عليها. (مبادرة جديدة) وقد أشار التقرير الذى نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية إلى أن كوستاريكا لم تكتف بما حققته فى مجال الاقتصاد الأخضر بل وضعت هدفا آخر يتلخص فى الاستغناء عن الوقود الأحفورى بحلول عام 2050 ، وذلك من خلال الاعتماد الكلى على الطاقة المتجددة ،خاصة الكهرباء التى فى أغلب الاحيان يتم توليدها من خلال الطاقة غير المتجددة، ومن ثم عملت على الاعتماد كليا على الطاقة الكهرومائية، إلى جانب الاعتماد على طاقة الرياح والطاقة الشمسية. ويعد من أهداف الخطة الوطنية للتخلص من انبعاثات الكربون تشغيل كل القطارات باستخدام الطاقة الكهربائية فى عام 2022 كما أنه بموجب هذه الخطة، سوف تعمل جميع السيارات والحافلات بالكهرباء بحلول عام 2050 . ويضيف التقرير أن خطة التخلص من الوقود الأحفورى من شأنها أن تظهر للعالم أن دولة صغيرة مثل كوستاريكا يمكن أن تكون رائدة فى حل مشكلة مستعصية مثل القضاء الكامل على الانبعاثات الحرارية من خلال الاعتماد الكلى على مصادر الطاقة المتجددة. مما يمكنها من توفير خريطة طريق للآخرين، خاصة البلدان النامية التى تعمل على تنمية اقتصادها دون الاعتماد على مصادر الطاقة الملوثة. إلا أنه توجد العديد من المخاوف من فشل هذه التجربة، ويشير الخبراء إلى أنه إذا حدث ذلك، فسوف يكون لها عواقب وخيمة، ويقول فرانسيسكو ألبيزار الخبير الاقتصادى ومستشار المناخ فى الحكومة: «اذا قدر لهذه التجربة عدم النجاح بحلول عام 2050، فمن المحتمل ألا تتمكن أى دولة أخرى من التخلص من الاعتماد على الوقود الأحفورى مطلقا». وتتولى كلوديا دوبليس السيدة الأولى فى كوستاريكا، والتى تعمل مهندسة معمارية، زمام الأمور فى الإشراف على تحقيق هذا التوجه الإستراتيجى الجديد للبلاد، والذى قالت بخصوصه:«لقد قدمنا خطة إزالة الكربون الوطنية، ويعد من الإجراءات الأساسية لتحقيق هذه الخطة إصلاح قطاع النقل لدينا، حيث يعتبر استخدام تقنيات الانبعاثات الصفرية مثل السيارات الكهربائية هو مفتاح التخلى عن الوقود». مضيفة أن الدولة ستحارب «الإحساس بالسلبية والفوضى» فى مواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري.فإصلاح نظام النقل وتحويله برمته إلى العمل بالطاقة الكهربائية من الأولويات الرئيسية لزوجة الرئيس الكوستاريكى، بما فى ذلك إحلال مشروع القطار الكهربائى، الذى تحدثت بشأنه مؤخرا بعد إعلان القيام بإحلال ثمانية قطارات جديدة تعمل بالكهرباء بدلا من التى تعمل بالوقود التقليدى. «تجربة مليئة بالتحديات» ويعزز الخوف من فشل هذه التجربة وجود العديد من المعوقات التى تواجه كوستاريكا ومن أبرزها وجود أزمة حقيقية وهى ازدحام شوارعها بالسيارات الملوثة للبيئة والدراجات النارية التى تعد أكبر مصدر لانبعاثات الغازات فى البلاد، فقد نشرت وزارة البيئة تقريرا يفيد بأن قطاع النقل يشكل 66% من استهلاك المحروقات فى كوستاريكا وهو مسئول عن54% من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون. كما أنه وفقا لمسح أجرته «حالة الأمة» وهى جهة غير حكومية فإن الازدحام يمثل مشكلة كبيرة على طرقات كوستاريكا، ويمكن القول إن تجديد منظومة النقل يحتاج تكلفة باهظة مما يتطلب إصلاح الميزانية الخاصة بالبلاد، وذلك من أجل أن تكون قادرة على تأمين القروض الأجنبية الكبيرة لتمويل مثل هذا المشروع الطموح، وخفض معدلات البطالة، والذى يعد مطلبا سياسيا ملحا، إضافة الى ذلك توجد مشكلة أخرى فى حال إحلال السيارات التى تعمل بالكهرباء محل السيارات التى تعمل بالوقود التقليدى، وهى تقليل حصيلة الحكومة من الضرائب، حيث تمثل الضرائب المرتبطة بالوقود، أكثر من 20% من الإيرادات العامة، وهو أمر لا تستطيع البلاد تحمله الآن. وعلى الرغم من ذلك توجد العديد من المؤشرات المضيئة على طريق تحقيق هذه التجربة حيث تعمل حاليا حوالى 600 سيارة كهربائية من أصل1.4 مليون سيارة على طرقات البلاد ،ومن المحتمل أن يتضاعف عددها خلال سنة. علاوة على ذلك فقد أظهرت دراسة أعدتها جامعة كوستاريكا أن عدد هذه السيارات قد يصل إلى 40 ألفا فى غضون خمس سنوات لا سيما أنه من ضمن أهداف هذا الإحلال إظهار السيارات الكهربائية بأنها مناسبة لطبيعة البلاد الجبلية وتضاريسها المتعرجة ، لذا فقد تقرر توسيع الإعفاءات الضريبية على هذا النوع من السيارات . وأخيرا، تظل طموحات كوستاريكا الخضراء علامة استفهام، حيث تشير التقديرات الأولية إلى أن التجربة سوف تتكلف نحو 6.5 مليار دولار خلال ال 11 عاما المقبلة فقط، وهى تكلفة كبيرة جدا، وعلى الرغم من إعلان الحكومة أن تحقيق هذه الاستراتيجية سوف يتم بمشاركة القطاع الخاص فإن ضعف نظام التحصيل الضريبى وإعفاء الصناعات الكبيرة من الضرائب وارتفاع الدين الحكومى تقف عثرة أمام تحقيق هذه التجربة, ليبقى السؤال الذى سوف تجيب عليه السنوات المقبلة، هو هل تستطيع كوستاريكا المضى قدما نحو تحقيق أهدافها وتخطى كل هذه المعوقات؟ أم أن الفشل سوف يلاحقها مما ينذر بإخفاق العديد من التجارب التى تسير على خطاها.