مُنْذ القِدم يحيا على أرض هذا الوطن المصرى (أيوبْ)، بينَهُ وبين الوطن علاقة إنباتٍ واستنبات، تحيل علاقة المصرى بأرضه إلى حالة عشقٍ متبادل، ويستحيل معها كل مصرى (أيوب) فلاحًا قديمًا جديدًا (أبو سويلم مثلاً)، لا ينتهى فيلمه حين يُقَرِرُ المستبد أن يخلعه عن أرضه، ويتحول مشهد السحل الذى تخور معه كل قوة فى التمسك بالأرض، إلى مشهدٍ يجسد الأرض متشبثةً بالمصرى الذى أنبتته واستنبتها. مُنذ القِدَم هام (أيوب المصري) عشقًا فى وطنه، أحاله محبوبة لها يصاحب ومعها يسهر وإليها يحن ومنها يغضب وعليها يغار، حتى صارت مصر محبوبة كل أيوب الذى منحها من الألقاب ما لا يشوبه شائبة قسوة (طيبة والمحروسة وخضرا وبهية)، وأنتجت محبة كل أيوب أيامًا أعيادًا، وشمات علامات، توارثها أبناء مصر جيلاً بعد جيل، تسلم رايات محبتها قلوب إلى قلوب. منذ القِدَمْ استحال الوطن الرمز (حواء)، وترجم وعى (أيوب المصري) بلغته هذه الرمزية اختصارًا (الست)، وهى الكلمة التى أنبتها وعينا القديم (سنت) ومعناها فى مصريتنا القديمة (المرأة العظيمة)، وفى هذا الصدد يسوق الباحث (عصام ستاتي) العديد من الأدلة على توارث المصريين لهذا الاختصار المازج بين الوطن والمرأة، عبر الاستشهاد بالعلاقة بين المصريين و كل من (إيزيس -السيدة مريم السيدة زينب)، جميعهن قيمة مصرية خالصة، ورموز إيمان فريد، وشرفات أمل مفتوحة على غدٍ المصرى مهما استحكمت ظلمة الواقع. منذ عرِفتْ الإنسانية طريقها إلى الخالق، كان أيوب المصرى قد وجد سبيله إليه، وكان النور دوما هو رمزه، بفطرية لها خصوصية تربةْ طيبة القديمة، كان الجزء الروحانى فى الإنسان المصرى حاضراً دومًا بمشهده على تنوع أدواره البشرية، يستوى فى ذلك الحكام والمحكومون، غير أن عموم المصريين المشار إليهم اختصارا (أيوب)، كانت علاقتهم إلى اليوم بالنور رمزًا للخالق مرتبطة بمُنْتَخبة (سيدة)، يؤمنون بها رمزًا مًتَجَردًا من كل استخدامٍ أو توجيه أو غرض، ويلوذون بنفحات أيامها اتقاءً للفحات أيامٍ قاسيات، ويُناجون فيها أمل صبح قادم لا يجوز الكفر به (ولِسَّهْ الصُبْح مِسْتَنِّى يِحَنِّى عتمة القناديل, يِوَصَلْنِّى لوطن جِنِّى .. مارد يخطف المواويل ويِغَنِّي: يا بلد حِنِّى على عاشق مالُهْشِ مثيل* أكم قنديل و مِسْتَنِّى .. يِفُوتْ ضَيُّهْ كما تراتيل). مُنذ بدأ إعادة رسم خريطة العالم فى أعقاب الحربين العالميتين واستزراع الكيان الصهيونى على أرض فلسطين، كان على أيوب المصرى أن يُطعَن فى فطرته التى جُبلَتْ على الإيمان، وأن يُشَكَكْ فى صحة عقيدته التى تسع كل الإنسانية، وأن تُفرض عليه أسئلة البداوة والتصحر والعداوة والبغضاء، وكان على أيوب المصرى أن يعاين من شغلتهم المظاهر عن المخابر، ومنْ اشتغلوا بالظواهر تكسبًا ليُشوهوا الجواهر استخدامًا، واستوى فى هذا الاشتغال من كان فى خانات الدراويش أو فى نظيراتها لدى الشاويش، جميعهم كان استخدام الدين لديهم أداة وكان توجيه الفِطَر النقية عندهم غاية. ومنذ بدأت مرحلة التخطيط لميلاد عالم جديد فى أعقاب إعلان النظام الدولى عن (الشرق الأوسط الجديد) ثم ما سمى الربيع العربي، بات واقع كل أيوب فى وطنى مستهدف الجذور والفروع، وخيَّم الشك على كل يَقين، وألقى بظلاله على عتبات الأمل، فارشًا خطابًا مشتتًا ومُحَزِبًا ومُعَصِبًا، وصار على كل أيوب أن يُفتش عن يقينه الخاص أملًا فى الوصول إلى بر يقين بوطن، وخلال السنوات التسع الماضيات قاده البحث إلى عتبات آل البيت أو إلى ليالى العذراء، أوصلته فطرته إلى طريق لجوء آمن، وبثٍ مُحَصنٍ من النقد والتشكيك، ونجوى مباشرة بغير وسائل تواصل إلكترونى أو تليفزيوني، حيث الشعار الأساسى الذى يرفع أيوب (خَلُّوا بينى وبين ربي، خلُّوا بينى وبين وطني). مُنذ استقبل أيوب المصرى (السيدة زينب) بحسب السيرة الشعبية، منحها لواء المحبة القديم الذى رفعته (إيزيس) وتسلمته (السيدة العذراء)، وانتخبها وعيه أُماً للمصريين وللغلابة وللمساكين ورئيسة للدواوين، انتخاباٌ شعبيا حر الإرادة ومتدفق المحبة وخالص المَنْح، ولا يقود إلا إلى اختصار يدمج بين الإيمان والوطن، ويجسدهما فى رمزٍ احتضان فى أوقات الرخاء ولجوءٍ فى حال الشدة والبلاء، هكذا يُمكن أن تُقرأ ملامح العابرين فى الشوارع المؤدية إلى مسجد (السيدة زينب) التى يحل اليوم موعد ليلة مولدها الكبيرة، بينهم وفيهم وحولهم مدعون ومحتالون وتجار ولصوص، لكن القلب الأصيل المُتحرك، شد رحال الأمل إلى الأعتاب تنسمًا لصوت أم الغلابة القديم يدعو مُخلصاً (يا أهل مصر نصرتمونا نصركم الله، وآويتمونا آواكم الله، وأعنتمونا أعانكم الله، وجعل لكم من كل مصيبة فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا) . لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى