بغير انفصال عن معالجاتٍ، تستهدف الانتصار للوطن وناسه، وبلا خروج عن فضح مخططات استهداف مصر والمصريين، وباعتراف صريح بأن كاتب هذه السطور عاش عمره يحلم بأن يكون رياضياً ولم يغادر هذا الحلم أرضه إلا بأجنحة تُحَلِقْ مُشاهَدَةً على البُعدْ، عبر هكذا عتبات للدخول، نطرق باب (أيوب المصري) أملاً فى الحصول على رؤية وطنية متبصرة بشأن حالة مصرية قررت أن تستحضر كل ميراث وطنها وتصيغه منصة قفز ينطلق منها نحو ملاعب التحقق والانتصار بعيداً عن ملعبنا الذى أعيته عقود المكائد والمفاسد والمحن فأحالته من انكسار لانكسار. (أيوب المصري) إنسان الوطن القديم الحي، الحافظ لسر الأرض وناسها، والواعى بقدر المواطن ووطنيته، والمتنبه لحجم الأخطار وأدواتها، يعرف ذلك الفتى غض الحلم وفَتِيّ العزم، المعجون من طمى دلتا النيل القديم، خرج للنور من نادى المقاولين العرب، والمدهش أنه أطل بأمله على الدنيا مطلع مايو 2010، كان ذلك والوطن على ميعاد مع ربيع عربى استحال خريفاً، بمجرد أن ظهر (محمد صلاح) انقلبت الأوضاع وانفلت الأمن وعرف الناس فى وطن (أيوب المصري) مصطلحات من نوعية (حظر تجول لجان شعبية مليونيات فلول ثوار حاكم مسلم مشروع نهضة حازمون) وغيرها من مصطلحات ما بعد الربيع العربي، وخلال سنوات سبع كان (محمد صلاح) يقبض على حلمه جمراً، ويسير نحو هدفه طوعاً وجبرا، قرر أن يكون حلمه وطنه، وأن يغدو انتصاره دليل مقدرة هذا الوطن. (أيوب المصري) يبتسم وهو يرمى ببصره إلى السماء فى امتنان، يتذكر مصر بكل أطماع المتربصين بها، ومختلف مخططات الهدم والفوضى و الإنهاك والإرباك و الإفشال، ورغم كل دوائر الشائعات التنظيمية التى تبثها قواعدٌ التطرف فى صفوف الناس لإشاعة الإحباط واليأس وانعدام القدرات، بين كل هذا يقرر الرحم المصرى أن يُنبت (محمد صلاح) والذى سار على سواعد أمله، غير منفصل عن رحم وطن أنبته، ولا عن أسرة أنجبته، ولا عن محيط مجتمع احتضنه رغم ما اجتمع على صدره من أوجاع، ينبت (محمد صلاح) المصرى راية إبداع وقدرة مصرية خالصة، تحلق فى أفق الدنيا ثم تحط على أرض الانجليز. يقهقه (أيوب المصري) وهو يخبط الأرض تحت (جميزته) المعمرة، يهتف (حكمتك يا رب الواد المصرى بقه الأول عند الإنجليز اللى كانوا محتلين مصر؟)، على أرض بلاد الإنجليز تدور فصول من سيناريوهات الاستهداف لهذا الوطن وناسه، من قلب لندن يعتمد نائب المرشد وأمين عام التنظيم الدولى (إبراهيم منير) خطط الاستهداف بكل أنواعها بداية من السياسى وصولاً للنوعي. يمر أطفال القرية المصرية بجوار (أيوب المصري)، تعلو أصوات نقاشهم الجماعي، (صلاح أول مصرى يأخذ أحسن لاعب انت مش فاهم حاجة دا الخطيب صلاح مراته محجبة مش مراته بس وأمه كمان شوفتوا أبو تريكة عمل إيه رفض يهنى صلاح ومنفسن منه أبداً يا وله دا منزله تهنئة)، يتذكر (أيوب المصري) بأسى ذلك الفتى الذى سأل (يابا علمنى التفاهة) فأجاب الأب الأصيل: التفاهة (تعالى فى الهايفة واتصدر)، لكن الواقع يؤكد أنها ليست تفاهة وإنما استهداف، ومجاراة الاستهداف هيافةً انسحاق يورث هزيمة، وحين يكون الوعى حمى فعلى حُماته أن يكونوا على قدر المسئولية تركيزا ومعالجة وتسويقاً، إن رفاهية المعالجات فى قضايا المصير خيانة لفروض المرحلة، وتسليماً لوعى أجيال معقود بناصيتها الأمل. يسمع (أيوب المصري) ما سطره (محمد صلاح) تعليقاً على ما حقق من إنجاز (حققت أحد أهم أحلامي، شكراً لكم جميعاً)، ويُقرر أن يسطرها جملةً نموذج، (مصر حين تصيغ أحلامها فعلاً تتحقق، وحين يكون الحلم الفردى مدعوماً من المجموع يزداد ألق تحققه مصرياً خالصاً). إن هذه الخلاصة التى ينتهى إليها الضمير المصرى فى قراءته لحدث مثل حصول (محمد صلاح على أحسن لاعب فى إفريقيا لعام 2017)، تمثل النموذج لدعم صناعة التحقق والانتصار فى ملعب واقع مفروض عليه أن تسود ثقافة الانهزام والتسطيح والتبعية وانعدام القدرة وتسفيه المنجز وفقد الأمل، وهنا تجدر الإشارة إلى أن محمد صلاح احتاج سبع سنوات ليصل، وهكذا مدة زمنية فى حياة الأفراد قادرة على أن تغرى كل صاحب حلم فى مجاله إن قرر، وقوائم الحالمين تتسع. ويتذكر (أيوب المصري) أن المنتخب ومدربه حصلا على أحسن فريق ومدرب، لكن الحفاوة الشعبية الأكبر كانت بما حقق (صلاح)، كونه فعلاً فردياً، وكونه منفصلاً عن عوار يطول الواقع المصري، وكونه فى بلاد الانجليز التى تربصت احتلالاً فى السابق ولا تزال، وكونه أجبر العالم على الإيمان بقدرة المصرى على صناعة الانتصار مهما استبدت الهزيمة بملاعبه. لمزيد من مقالات ◀ عبد الجليل الشرنوبى