أمل سرور طعم البعاد صبّار.. والغربة ليل بهتان، يا قلبى يا موجوع .. إياك تكون قلقان ده أنا ليا فيها النيل وليها فيا الروح.. ما اخترتش إني أروح أنا مش في بلدي عويل.. لكنى مش بتشاف.. زهرة سنيني عجاف مع إني ليا عزيز.. أفتوني فى رؤياي لكنى مش قلقان.. تذكرتى رايح جاى لا أملك سوي أن أبدأ سطوري بتلك الكلمات التي سطرها الشاعر «محمد سيد»، والتي تستطيع أن تشتم من بين سطورها رائحة الفرقة والحرقة والوجع وبالتأكيد الشجن الذي تحمله آلاف مؤلفة من صدور من كتب عليهم لقب المغتربين خارج حدود المحروسة قاهرة القلوب ومحررة العقول. معهم عشت وإلي شجونهم أنصت، وعبر أجنحتهم رفرفت لنكسر معاً سقف الأحلام، وبين ضلوع وحنايا قلوبهم سكنت فلم أجد شعراً يقطر ألم بل كما قال الراحل صلاح جاهين رسمت وردة وبيت وقلب وعلم. سطور تأتيكم من خارج الحدود تحمل معها زفرات من الحنين والحب والعتاب والحلم لأجساد تحلق روحها في سماء ِطيبة هائمة بين حكمة النيل وجنون البحر. إن اجتاحت صدرك تلك الرائحة وشعرت بأن أرواحنا المغتربة المنتظرة إشارة العودة تحوم حولك، فهذا كل ما أتمناه وإن فشلت فليبق لي شرف المحاولة. «لو بطلنا نحلم نموت» يبدو أن أغنية النجم الأسمر محمد منير قد تحولت إلي شعار رفعه أبناء مصر في دولة الإمارات الشقيقة، فمعظم من تحدثت معهم واستمعت إليهم كان لسان حالهم غالباً ما يبدأ أو يختم حديثه بها، وكأنها أصبحت فلسفة حياة يؤمن بها من يعيش بعيداً عن تراب هذا الوطن. «إسلام» حاصل على بكالوريوس تجارة جامعة القاهرة ويعمل محاسباً لدي إحدى الشركات الخاصة بدولة الإمارات بدأ حديثه معي هادئاً عندما قال: كلما سمعت كلمة مصر سرعان ما يتسرب لدي إحساس بالشجن والحزن والأسباب كثيرة أهمها أنني قد فُرض علي أن أعيش وأسرتي المكونة من زوجتي وثلاثة أطفال بعيداً عن وطني وأهلي، منذ خمس سنوات ونحن نتجرع عذاب الغربة والفرقة، أما عن الأسباب الأخري التي تجعلني أعيش حالة من الحزن هو أننا قمنا بثورتين عظيمتين الأولي 25 يناير التي ضربنا بها المثل في إسقاط ديكتاتور من طراز فريد، والثانية عندما استعدنا ثورتنا التي اختطفها منا الإخوان الإرهابيون، لكن هنا علينا أن نتوقف ونسأل أنفسنا ماذا حققنا وماذا نريد من الأساس؟ للأسف الشديد استسلم كثيراً للأقاويل التي تردد أن المصريين قد ضحكوا على أنفسهم، وأنهم كانوا كرة في ملعب يملكه اثنان المجلس العسكري والإخوان، ودعيني أتحدث عن أحلامي بدلاً من أن ندخل في تفاصيل اللعبة السياسية التي غالباً ما تكون ملوثة بالصالح والمصالح التي تتصالح، دعيني أقل لك إنني أتمني وأحلم بالعودة إلي مصر، وفكرت جدياً بعد ثورة 25 يناير ولكني تريثت في قراري حتى أرى المشهد كاملاً، والسؤال هنا ماذا أفعل في مصر؟ لقد خرجت منها وأنا علي باب الكريم، مثلي مثل الكثيرين، عملت في الإمارات وتزوجت الفتاة التي أحببتها ونجحت في تكوين أسرة، ولكن أين المستقبل؟ سؤال أفكر فيه يومياً، كل ما أتمناه أن أعود أدراجي إلي وطني أجد فرصة عمل توفر لي راتباً يجعلني أعيش بشكل جيد، وأدخل أطفالي مدارس يتعلمون فيها تعليماً جيداً وأوفر لهم الضروريات، وأريد أن أعترف لك بأنني على استعداد لعمل هذه الخطوة، وأعيش براتب أقل من راتبي الذي أتقاضاه في دولة الإمارات، ولكن أضمن أن أعيش وأسرتي مستورين. براء ة الحرامية "حمادة " هكذا ينادونه يعمل نقاشاً حراً بذل مجهوداً جباراَ لكي يحصل علي فيزا يحمل معها الإقامة في الإمارات، تحدث بحرقة ومرارة قائلاً: إزاي يعني مبارك يطلع براءة والعادلي وعلاء وجمال، أي ثورة دي اللى قامت واللي بيتكلموا عنها، يا أبلة ده إحنا قمنا بثورتين مش واحدة، عشان في الآخر الحرامية اللي نهبونا وخربوا البلد يطلعوا براءة، الله دة ناقص يدخلوا الشعب المصري كله السجن، وبعدين فين التغيير، بتسأليني عاوز إيه من السيسي اللي هو ريسنا واللي أنا بحبه ونزلت وقفت في الطوابير عشان أديله صوتي، والحق يتقال الراجل ده اللى حمانا من مرسي وإخوانه، لكن هو أنا لسة هستني مشروع قناة السويس لما يفتحوه عشان اشوف تغيير، البلد جعانة والناس بتموت من البرد والأسعار في مصر بتولع ، أنا نزلت إجازة لعيالي رجعت منها مديون، الحال ما يسرش والناس صابرة لكن لازم يتعمل حاجة سريعة عشان الغلابة تلاقي تاكل. العدل لا مزيد "مني" ربة البيت السيناوية الأصل، والتي تعيش في مدينة دبي منذ عشر سنوات ومتزوجة من شاب يعمل في إحدي شركات البترول تحدثت عن فرحتها الغامرة بسقوط مبارك وتذكرت حزنها عندما تم تسليم الثورة – على حد تعبيرها – إلي الإخوان، أما عن ثورة 30 يونيو فتتذكر جيداً أنها طارت مع زوجها إلي مصر ووقفت في ميدان التحرير تهتف بكل قوة "يا أهالينا ويا أهالينا الإخوان بيبيعوا في سينا " "ويسقط يسقط الإخوان"، تتذكر أيضاً أنها قد قررت ألا تعود إلي الغربة واتفقت مع زوجها أن تستقر في القاهرة مع أولادها على أن يعود الزوج بعد عام لتنتهى سنوات الفراق، ولكنها أيضاً تتحدث عن قرارها بالعودة إلي الإمارات مرة أخرى تاركة مصر إلي أن تتضح الأمور المبهمة، وحتى يعود الحق لأصحابه - والكلام علي لسانها – ليس هرباً ولكن ما باليد حيلة، ليس غضباً ولكنه حزن وعتاب ولوم، أعرف أن الرئيس لا يملك عصا سحرية، وأفهم جيداً أن أزماتنا الكثيرة لن تحل بين يوم وليلة لأن مبارك ونظامه تركاها "خرابة"، لكني لا أستطيع أن أعي حالة الانفلات الأمني التي لا تزال تسيطر علي شوارع مصر، الخطف والقتل والتفجيرات وسرقة السيارات، لا أستطيع أن أفهم حالة الجوع والفقر الذي بات أصحابه في العشوائيات وحواري وأحياء مصر الشعبية أكثر فقراً، أسعار مجنونة تعلو بهستيريا، ودخول هزيلة ومبارك وأعوانه براءة، لا أستطيع أن أفهم حالة عدم الفهم في التعامل مع ملف يحمل أمننا القومي ألا وهو سيناء بكل هذا الكم من التعنت، حكومة فاشلة تحلب في أقواتنا وتصدر قرارات بالتهجير والإخلاء والهدم وهي لا تعلم أن التاريخ لن يرحمها وسيقف لها بالمرصاد، لم أكن أتوقع أن تتم معالجة الإرهاب الذي لا ينكره أحد بالهدم بل بالبناء، التنمية لأراضي سيناء كانت هي الحل، استيعاب الأهل علي هذه الأرض وهم الذين تجرعوا الذل علي يد نظام مبارك الذي ظلم مصر بشكل عام وسيناء بشكل خاص كان لابد من تعويضهم واستيعابهم، وليس معاملتهم بهذا الشكل ، تسأليني ماذا أنتظر وما حلمي؟ إجابتي تتلخص في مطلب واحد من رئيسنا الذي نحبه، والذي سلمناه أعناقنا أقول له: العدل لا مزيد سيدي الرئيس. قنبلة موقوتة "عيش، حرية، عدالة اجتماعية " ألم تكن هذه مطالبنا على مدار ثورتين أسقطنا فيهما نظامين مستبدين؟ ألم نذرف الدماء في ميادين مصر من أجل تلك المطالب؟ ألم ننتخب الرئيس السيسي من أجل تحقيق تلك المطالب البديهية لدولة تحترم شعبها وتقدره؟ أسئلة بدأ بها عصام حسيني الذي يعمل في الكويت حديثه – والسؤال الأهم هنا هل تحققت مطالبنا؟ هل نحن بالفعل نعيش في زمن الحريات؟ هل الداخلية تصالحت مع الشعب وأصبحت تعمل من أجل خدمته؟ هل استطعنا أن نقدم حلا بسيطا لقنبلة مصر الموقوتة التي تحمل كل صنوف الفقر والحرمان والإرهاب والمخدرات والتي تحمل لقب العشوائيات؟ هل يجد البشر العيش أم أنه أصبح بالكوبونات؟ أسئلة كثيرة أحلم بإجابتها، أتمني أن أرى بلدي مصر في أحسن حالاتها، لا أملك سوى الأمل ولا أملك غيره لكي أضع أحلامي بين يديه، لقد وضعت شجوني وأحزاني وأمنياتي بين يد الرئيس الذي أتمني أن يختار رجاله ورجال حكومته أو –بطانته - بشكل جيد، أما عن الحلم الأوحد فهو يتلخص في أن أعود إلي مصر أجد فيها فرصة عمل تكفيني وأسرتي وأراها واقفة على حيلها. تعددت الأحلام وكثر العتاب واللوم والمطلب واحد ألا وهو" العودة" إلي ذاك الحضن الذي لن تجد له مثيلاً في العالم، العودة ولو برواتب أقل ولكن بضمان فرصة عمل تكفي لعيش وتعليم وصحة تحترم الإنسان، وأخيراً يحلمون ونحلم معهم بجنة للإنسانية الناس سوا بيعيشوها بطيبة وبصفونية.