جامعة بنها تنظم المهرجان الأول لتحالف جامعات إقليم القاهرة الكبري للفنون الشعبية    جامعة القاهرة تبدأ استعداداتها لاستقبال مكتب تنسيق القبول بالجامعات والمعاهد    الفريق أحمد خليفة يعود إلى أرض الوطن بعد انتهاء زيارته الرسمية لدولة تركيا    النائب تيسير مطر: برنامج تكافل وكرامة حقق نقلة نوعية في منظومة الحماية الاجتماعية    الهند: الخسائر جزء من القتال لكن جميع طيارينا عادوا إلى الوطن    مبابي يحقق رقماً قياسياً مع ريال مدريد في الكلاسيكو    جنى يسري تتألق وتحرز برونزية بطولة العالم للتايكوندو للناشئين تحت 14 سنة    بدء ماراثون الامتحانات..موعد اختبارات الترم الثاني 2025 لصفوف النقل    حين رفض صنع الله إبراهيم جائزة ملتقى الرواية.. جدل لا ينتهى حول موقف المثقف من جوائز الدولة    الصور الأولى من فيلم هيبتا: المناظرة الأخيرة    بعد ما نشرته " البوابة نيوز" .. الداخلية تكشف تفاصيل ضبط المعتدي على طفل الصالحية الجديدة    القاصد يشهد حفل ختام الأنشطة الطلابية بجامعة المنوفية الأهلية ويكرم المتميزين    مياه البحر الأحمر: العمل على مدار الساعة لسرعة الانتهاء من إصلاح خط الكريمات    "ليسيه الحرية" يشهد حفل افتتاح الدورة الرابعة من مهرجان المسرح العالمي    نائبة التنسيقية: قانون تنظيم الفتوى يضع حدًا لفوضى الفتاوى    وزير الصحة يؤكد دعم الدولة المصرية لمهنة التمريض: ذراع أساسي للمنظومة الطبية    تشكيل إنبي أمام سموحة في الدوري المصري    اقتراحات الملاك بجلسة الحوار المجتمعي بالنواب: تحرير عقد الإيجار بعد 3 سنوات وزيادة الأجرة بنفس قيمة مسكن مماثل    ضبط طالب تعدى على آخر بسلاح أبيض بسبب مشادة كلامية في الزاوية الحمراء    ضمن الموجة 26 بقنا.. إزالة 8 حالات تعدٍ على الأراضي الزراعية بمركز الوقف    خلف الزناتي: تنظيم دورات تدريبية للمعلمين العرب في مصر    وزير الخارجية الإسرائيلي: حرب غزة مستمرة للأبد إذا بقيت المساعدات بأيدي الفصائل الفلسطينية    انطلاق قافلة دعوية مشتركة بين الأزهر الشريف والأوقاف    محمد حفظي يكشف خطته للنجاح عالميا    الخلط والخطأ «2»    التصريح بدفن شاب لقى مصرعه غرقا في مياه نهر النيل بأطفيح    محافظ الشرقية يشهد حفل أداء القسم لأطباء الأسنان دفعة 2023    وفاة سيدة أثناء ولادة قيصرية بعيادة خاصة فى سوهاج    محافظة الإسكندرية تعلن طرح استغلال 3 شواطئ بالمزايدات العلنية العامة    نائب محافظ قنا يتفقد الأعمال الإنشائية بشادري الأربعين والأشراف    القنوات الناقلة لمباراة الاتحاد ضد الفيحاء في الدوري السعودي    كواليس أزمة عواد وصبحي في لقاء الزمالك وسيراميكا    الزمالك يتحرك للتعاقد مع حارس الأهلي    وزير الخارجية: إصلاح مجلس الأمن ضرورة ونتشبث بالموقفين الإفريقي والعربي    هل شريكك برج الثور؟.. إليك أكثر ما يخيفه    أجندة قصور الثقافة هذا الأسبوع.. عروض مسرحية مجانية وتكريم رموز القرى    نجم نيوكاسل ينافس محمد صلاح بقائمة "ملوك الأسيست" في الدوري الإنجليزي    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    محافظ الأقصر يتفقد أعمال فتح أكبر شارع بمنطقة حوض 18 بحى جنوب    خبر في الجول - عمر خضر يقترب من الغياب أمام غانا بسبب الإصابة    تأجيل محاكمة 41 متهم ب "لجان العمليات النوعية بالنزهة" استهدفوا محكمة مصر الجديدة    جدول امتحانات الصف السادس الابتدائي في القليوبية 2025    وزير الخارجية يؤكد على موقف مصر الداعي لضرورة إصلاح مجلس الأمن    مرشح حزب سلطة الشعب بكوريا الجنوبية يسجل ترشحه للانتخابات الرئاسية    ارتفاع كميات القمح المحلي الموردة للشون والصوامع بأسيوط إلى 89 ألف طن    القاهرة الإخبارية: الاحتلال الإسرائيلى يواصل قصف الأحياء السكنية فى غزة    محافظ الدقهلية يحيل مدير مستشفى التأمين الصحي بجديلة ونائبه للتحقيق    ماذا يحدث للشرايين والقلب في ارتفاع الحرارة وطرق الوقاية    مدير تأمين صحى الفيوم يتفقد العيادات الخارجية ويوصى بتسهيل إجراءات المرضى    ضبط 575 سلعة منتهية الصلاحية خلال حملة تموينية ببورسعيد -صور    عاجل- البترول تعلن نتائج تحليل شكاوى البنزين: 5 عينات غير مطابقة وصرف تعويضات للمتضررين    استئناف المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين في جنيف    1500 فلسطيني فقدوا البصر و4000 مهددون بفقدانه جراء حرب غزة    أمين الفتوى يحذر من الحلف بالطلاق: اتقوا الله في النساء    كندا وجرينلاند ضمن قائمة أهدافه.. سر ولع ترامب بتغيير خريطة العالم    ما حكم من نسي الفاتحة أثناء الصلاة وقرأها بعد السورة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل للعصر سنة؟.. داعية يفاجئ الجميع    الدوري الفرنسي.. مارسيليا وموناكو يتأهلان إلى دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تُصْبِحون على وَطنٍ فنان

فى سُباتِ أمتنا الذى طال، ينزوى (أيوب المصري) فى ركُنِه الحميم، مُفَتِشًا عن كسرات (فايش) هاربةً من جِراب الخَزين، يَقْضمهُ بأسنانٍ تقاوم شيخوخة البدن، لتبدأ فور انتهاء جولة القضم جولات مضغ متتالية تسمح مع متابعتها بأن ترتاح الرأس على حائط الذكرى التى تنفع المؤمنين بوطن.
يلف رأس (أيوب) طوق عمامته المنسوجة من قطن مصرى طويل التيلة والأمل، وتحته طوق حنِين جارف لمصر التى كانت، رسمًا على معابدها العتيقة، وتابلوهات تُجسد الرقى عبادة وإبداعًا، ومنحوتات خلدت مجد إنسانٍ يستوجب التدبر وقت الحضارة وحال الانحدار، إنها حضارة النموذج التى خلدها الفن وأمر البديع كل البشر بالتدبر فى مشهدها {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِى الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، وبينما يُحقق (أيوب) انتصارًا صغيرًا بإخضاع قطع الفايش لهرس أسنانه، يبتسم يقينًا بإيمانه ويترجم لسانه الحال قولًا (الله جميل يحب الجمال ويأمر بالتأمُل فى مشهد الجمال فمن المُستفيد من أن تتحول العلامات الإسترشادية على درب الإيمان حياة إلى أصنامٍ يجب هدمها وصروح كفر يفرض الدين حربها؟).
يتطَلَّعُ (أيوب) إلى كسرة (الفايش) بين أصابعه يبْتسم وهو يسألها (هل توافقين على أن الفايش أحد ميراث أجدادنا المصريين القدماء؟)، يقول ذلك وهو يُقلبها بين أصابعه محاولًا البحث عن ثغرة تمكنه من اقتطاع أكبر حصة منها وحين يجدها يوجهها نحو فمه الذى يُتمتم (بالتأكيد كان الانتصار على الفايش هو أول انتصار حققه المصرى القديم وهو يرفع أول أحجار لبناء الأهرامات)!
فى جولات الصراع مع قضم قطعة (الفايش) الجديدة، كانت حلقات التاريخ المصرى تتابع مشاهدها على وعى (أيوب)، يُسْلِمه كل مشهد إلى تالٍ بصوت الراوى المصرى على ربابته يُنشد لابن عروس إيمانًا مصريًا خالصاً (أنا باوَحِّد اللى خلق الناس، خلق مسلمين ونصاري، وناس نامت على فَرش وِكْناس، وناس ع المعايش حياري)، كلُ مشاهد النهضة المصرية فى خلفيتها إبداعٌ مصرى أصيل يغذى وعى العموم بمِداد المحبة إيمان، ويُناجى أمل العامة وقت الأزمات (ولابد من يوم معلوم، ترتد فيه المظالم، أبيض على كل مظلوم، وأسود على كل ظالم)، ويحضُ على أصل النهضة والتحرر عمًلا مُنتِجًا واعيًا، ويُثرى الأمل مهما طغى المتربصون (سكت الهَوى والناموس طار، والسبع طأطأ بعينه، خليه دا النومِ أستار، لما الندل ياخد يومينه)، هكذا إذن يتصدر صوت الفن المصرى مشهد الذكرى فى حال أيوب المصرى وكل أيوب. إن أزمة (الفايش) كلما تعتق عمره، تتجاوز قدرة الأسنان على مصارعته، غير أن لأيوب المصرى أسنانًا اعتادت على مصارعة الخطوب عبر عمرها، يُمثل له الفايش تدريبًا على مقاومة أسباب الفناء والإفناء فى مواجهة كل تهديد للبقاء وللهوية حين يغدو استهدافهما على المحك ومن كل اتجاه وصولاً إلى فرض ثقافات غذائية منبتة عن ذائقتنا، ولا يجد (أيوب المصري) سبيلًا لأنس جولات صراعه مع الفايش إلا صوت الوطن الفنان، ورغم تتابع الأزمات على واقعه وقسوة الفايش المتصاعدة يظل أقسى ما يفت فى عزيمته هو تجريده من أنيس الصمود على جبهة الحياة، بعدما استحال الفن المصرى مستهدفًا بفعل اجتياح ثقافات أسياد العالم الجُدد، ومنافسة ذوى قربى يرون فى بقاء الفن المصرى عائقًا لإثبات حضورهم فى مشهد الفنون، واستخدام الإدارات المتعاقبة للإبداع باعتباره أداة إلهاء أوإخضاع، واستثمار تجار الحروب والأزمات لفنون التغيب والتسطيح والتخدير. تستعصى قضمات الفايش على أسنان (أيوب) بينما تتصاعد فى خلفيتها أصواتٌ مختلطة لتلاواتٍ قرآنية غير مستساغة الأصوات أو منضبطة الأحكام والمقامات، ولضجيج مهرجانات ترسخ للقبح ولخارج البيان والعبارات، ولدعايا وإعلانات ممجوجة الأداء وممتهنة الإشارات، ولإفيهات دراما قاسية السيناريو وسوقية الحوار، ولنجوم مراحل الأفول يتصدرون مشهد الأوجاع. يُلقى (أيوب المصري) بقطعة الفايش العصية من يده، ويقوم من ركنه المنزوى فى سبات أمتنا الذى طال، يقرر أن يستعين على لقم العيش العصية بما استعان به الأجداد، حين كانت مسدودة كل آفاق الحلم بوطن حيث المحتل يجثم على صدر مصر والحاكم الأجنبى متمكن من كرسى الحكم، وقتها كان الفايش أشد قسوة، وكان الجدب يأكل كل حقول الأمل، وكان سبات الأمة مفروضا عليها، لكنها على صوت شيخها الفنان سيد درويش قامت تُنشد (شد الحزام على وسطك غيره مايفيدك، لابد عن يوم برضه ويعدلها سيدك، إن كان شيل الحمول على ظهرك يكيدك، أهون عليك ياحر من مدت إيدك)، إنه الفن حين لا تخضعه حسابات مُبدعيه أو تأسره مزاداتُ مُدَعيه، أو تُوَجِهُهُ أمانى مستثمريه، الفن المصرى القادر إن آمنَّا بأن صبح أمتنا شمسه وطنٌ فنان.
لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.