كتبت في الأخبار يوم الجمعة قبل الفائت عن الخمسة وخميسة وقلت إنها تضفيرة مصرية أزعم أنني اجتهدت عبر سنين طوال من القراءة في مضمار العقائد لألتقطها، وذهبت إلي أن الخمسة التي يرفعها المصريون في وجه الحاسد ومعها أيضا الخميسة "خمسة وخميسة في عين اللي ما يصلي علي النبي" ربما تكون الأسر الخمس المقدسة التي زارت مصر بحثًا عن الأمن والأمان. وأيضا لأنه قدر سماوي لا فكاك منه أن تكون مصر في التوراة والإنجيل والقرآن ملاذًا ومنطلقًا للديانة السماوية. وذكرت أن الأسر الخمس هي أسرة خليل الله إبراهيم، ونبي الله يعقوب أي يوسف وإخوته وأبيه، وأسرة موسي عليه السلام وأسرة السيد المسيح له المجد، ثم آل بيت النبي رضوان الله عليها بعد المذبحة البشعة التي أريقت فيها دماؤهم، وربما كانت الخمسة هم النبي محمد صلي الله عليه وسلم ومعه آله الكرام علي كرم الله وجهه وفاطمة الزهراء، والحسن والحسين!، وذهبت إلي أن الخميسة هي الأسرة المقدسة أي المسيح له المجد والعذراء الطاهرة، وخطيبها يوسف النجار ومعهم امرأة كانت تخدم العذراء هي سالومي. واليوم أتجه إلي تضفيرة أخري لمعت في ذهني ضمن سياق لن أمل ولن يصيبني الكلل في متابعته ألا وهو سياق عبقرية الشعب المصري الإيمانية التي جمعت رموز الإيمان في مراحل تاريخية متصلة منذ قديم الزمن في منظومة وجدانية واحدة أظنها غاية في الروعة! المرأة هذه المرة هي قوام التضفيرة التي أشير إليها، حيث كانت المرأة وستبقي ذات مكانة خاصة في مصر مهما حاول البعض الحط من شأنها، سواء كان منطلقهم الفهم المشوه للدين، وهو فهم يكشف عوار عقولهم وأنفسهم وليس جوهر الدين بحال من الأحوال، أو كان منطلقهم الفهم المشوش لنظريات تقسيم العمل علي الأساس البيولوجي والفسيولوجي والنفسي! إننا إزاء مشهد تاريخي بديع تتعانق فيه إيزيس والعذراء مريم والسيدة زينب! فإيزيس والعذراء التي يفضل المصريون نطقها "العضرا" باستبدال الضاد بالذال، أي تفخيم الذال ويكنونها بأم النور لأن الكلمة التي حملت بها نور، كلتاهما عذراوتان لأنهما حملتا بغير مضاجعة من ذكر لأنثي، لأن إيزيس جمعت أشلاء أخيها وزوجها أوزوريس وتمددت إلي جوارها فحملت في حورس!، و"العضرا" لم يمسسها بشر وحملت في المسيح، ثم وياللدهشة استمد المصريون فكرة الطهر وخلعوها علي السيدة زينب فصارت عندنا جميعا السيدة زينب أم هاشم الطاهرة! ثم إن إيزيس والعضرا وأم هاشم تجمع ثلاثتهن المحنة الفادحة التي لا يتحملها أحد، فإيزيس عاينت تمزيق جسد أخيها وزوجها علي يد أخيه "ست" إله الشر ونثر أجزاء جسده في ربوع مصر أو في فروع النيل التي كانت آنذاك حوالي 42 فرعا! وبكت إيزيس ومن دموعها جاء فيضان النيل! وكذلك عانت العذراء أم النور وهي شفيعتي بالمناسبة لأنني ممن يسألون الله الشفاعة بمحمد صلي الله عليه وسلم وبالسيدة مريم وبآل البيت رضوان الله عليهم عانت عندما عاينت مشهد ابنها له المجد وهو ماضٍ في طريق الآلام حافيًا يمشي علي الشوك ويلبس تاجًا من الشوك متجهًا إلي ساحة الجلجلة! أما أم هاشم زينب الطاهرة فقد عاشت المحنة وأي محنة هي الأخري عندما رأت بأم عينيها مصرع أهلها آلٍ البيت في كربلاء وذبح أخيها سيد الشهداء ثم مضيها أسيرة مكبلة من وراء رأسه المحمول علي رمح حتي رأت الفاسق الملعون يزيد بن معاوية وهو يعبث بقضيب في يده بين شفتي رأس سيد الشهداء! أي صدفة هذه التي رتبها التاريخ لتجمع إيزيس بالعذراء بأم هاشم زينب الطاهرة، وأي عبقرية هذه التي ربطت بينهم في الوجدان الشعبي، وأي شعب هذا الذي جدل تضفيرة ميثولوجية تاريخية وجدانية صوفية بالغة الروعة! إنه الشعب الذي سيخرج عند اللحظة المناسبة ليقول لجحافل الجهلة غلاظ القلوب عقيمي العاطفة فارغي العقول: كفوا عن تمزيق الوطن لأنه حتي وإن صار أشلاء فإنه سيعود للحياة مهما طال الوقت.