تكليف قبل أن تكون تشريفًا، ومن نظر إليها نظر التشريف فقط متشوقًا إليها متطلعًا لها ولو بإشراف نفس؛ غالبًا ما تجرفه مزالقها وتبعاتها، ومن أخذها بحقها مأخذ التكليف أو مأخذ الرسالة فله فيها من الله (عز وجل) عون، وفى هذا يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) لعبد الرحمن بن سمرة: «لاَ تَسْأَلِ الإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا, وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا» (متفق عليه)، ولما سأله سيدنا أبو ذر (رضى الله عنه): ألا تستعملنى يا رسول الله، قال له النبى (صلى الله عليه وسلم): «يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزى وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها» (رواه مسلم). على أن أمر المسئولية يتعاظم بتعاظم المهمة التى توكل إلى كل مسئول، فكلما اتسع نطاق المسئولية تطلب مواصفات خاصة أهمها: الكفاءة, والكفاية, والخبرة, والأمانة, والقدرة على القيام بمهام تلك المسئولية وتبعاتها، حيث يكون كل إنسان مسئولاً أمام نفسه، وأمام الناس، وأمام الله عما ولاه إياه، أحفظ أم ضيع؟ حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِى بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِى مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (متفق عليه), ويقول (صلى الله عليه وسلم): «إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفَظَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ» (رواه ابن حبان). ولا يخلو عاقل رشيد من أمر المسئولية، مهما تكن منزلته فى المجتمع، فكل شخص مسئول بقدر استطاعته ونطاق تحمله والمهام الموكلة إليه، وقد يترتب على الإهمال فيما يظنه البعض صغيرًا ما لا يحتمل من الضرر. ولا يصح ولا ينبغى أن يكون المسئول اتكاليًّا، أو غير متابع ولا مدقق لتفاصيل جميع المهام الواقعة فى نطاق مسئوليته, وعلينا أن ندرك جميعًا أن الثقة لا تعنى عدم المتابعة, وأن المتابعة لا تعنى عدم الثقة. كما أن كل مسئول فى نطاق مسئوليته مطالب بأن يختار من المعاونين القويَّ الأمين, وأن يختار الأكفأ فالأكفأ, فمن ولَّى رجلاً على جماعة وفيهم من هو أصلح للمهمة منه بكل ما تعنيه كلمة أصلح من معان؛ فقد خان الله ورسوله والوطن والأمانة التى يتحملها، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «مَا مِنْ رَجُلٍ يَلِى أَمْرَ عَشَرَةٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَّا أَتَى اللهَ مَغْلُولًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ, فَكَّهُ بِرُّهُ أَوْ أَوْبَقَهُ إِثْمُهُ» (مسند أحمد). وعلينا أن ندرك أنه سيأتى اليوم الذى يقال للجميع فيه: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» (الصافات: 24)، ويقول سبحانه: «يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ» (الحاقة: 18), صغر أمرها أو كبر، حيث يقول الحق سبحانه: «إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى السَّمَاوَاتِ أَوْ فِى الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ»(لقمان: 16). لمزيد من مقالات د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف