الذين يحاولون إغراقنا فى عواصف اليأس بعد حادث القطار بمحطة مصر يتجاهلون ما جرى قبل ذلك الحادث بيوم واحد حين اشتعلت سيارة تحمل بنزينا فى مدخل قرية ميت الشيخ بمحافظة الغربية, ولو كانت انفجرت لدمرت القرية بمجملها ولفاقت خسائرها ما جرى فى محطة السكة الحديد لكن شجاعة سائقها دفعته ليقودها إلى أرض فضاء وتفرغ ما فيها دون إصابة أى فرد باى أذي، وطبعا كان عند السائق إحساس بالمسئولية دفعه إلى المغامرة بما يمكن ان ينهى حياته احتراقا عكس ذلك المترهل سائق القطار الذى تركه ليتشاجر مع زميل له ويقبع الآن فى السجن هو وخمسة رآهم جهاز التحقيق انهم مسئولون عما جرى من احتراق قرابة العشرين إنسانا وإصابة العشرات بحروق ورغم ان المشاهد التى نقلتها الكاميرات تدمى القلب إلا انها كانت مصحوبة بتزاحم متراحم من عشرات المصريين على أبواب المستشفيات طالبين التبرع بالدم لإنقاذ من يمكن إنقاذه . لكن ما جرى أثار زوبعة من التكهنات والتخرصات خرجت ممن لا يتمنون أى خير لمصر والمصريين، ولم يكن غريبا أن تأتى التخرصات من فلول الهاربين إلى إسطنبول كمأوى للهرب من كراهية عموم المصريين لما عانينا اثناء حكم المتأسلمين للمحروسة لعام كامل ثم أسقطتهم جموع المصريين فى الثلاثين من يونيو ففروا هاربين ليركبوا أحصنة من وهم، أعدها لهم المغدور فى أحلامه المدعو اردوغان, هذا الذى لعب به خياله لسنوات حالما بإعادة الخلافة العثمانية وبنى لنفسه قصرا ضخما وغير ملابس حرس ذلك القصر مستعيدا شكل وملامح الإنكشاريين وهم الجنود المرتزقة الذين ازدحمت بهم تفاصيل الحياة اليومية إبان ازدهار الإمبراطورية العثمانية ثم ذابوا كما يذوب كل كذب فى رمال التاريخ، ،على الرغم من ان أردوغان صنع لهم رديفا اسمه تنظيم داعش بنفس وحشية الإنكشاريين، وحاول ان يجعل من داعش مقدمة لإمبراطوريته المتوهمة. وقد فوجئ الرجل بأن اوروبا التى وقف على بابها لسنوات طوال طالبا عضوية الاتحاد الاوروبي, بحكوماتها المتعددة تجتمع كقيادات مع قيادات العالم العربى فى شرم الشيخ لتنهى عذابا لم يستطع التأسلم الكاذب أن ينهيه من اوروبا فجاءت أوروبا لمؤتمر شرم الشيخ فكاد الإمبراطور المهزوم يفقد ما بقى له من صواب, فادعت بعض قنوات فلول المتأسلمين ان ماجرى فى محطة السكك الحديدية هو من صناعة بعض من عملائهم بالقاهرة. وطبعا كان حادث محطة القطارات بشعا، ولكن قدرتنا على هضم الكثير مما كان أبشع من ذلك الحادث فى تاريخنا. ولتأتى لحظة الإفاقة مع شجن ضرورة أن نهزم التخلف الذى أنتج بشرا مثل سائق القطار الأرعن. ولعل نجاح ذلك المؤتمر الأوروبى العربى فى شرم الشيخ كان واحدا من مقدمات قدرة مصر على فرد أشرعة الامل لمزيد من التعاون بين أوروبا وقضايا الشرق الأوسط وأهمها هزيمة الإرهاب، وجاءت حكومات الاتحاد الأوروبى لتتلمس رؤية الخلاص من الإرهاب الذى رعت بذوره بعض من الدول الاوروبية, فالإرهاب المتأسلم وجد لسنوات تشجيعا وترحيبا ورعاية من بعض الحكومات الغربية، ولا أحد منا ينسى أن المتأسلمين اتخذوا من لندن لسنوات مركزا ينشرون من خلاله آهات فشلهم فى السيطرة على مشاعر عموم المصريين. ولا أحد ينسى أن باريس هى من سمحت لبرنارد ليفى فيلسوف هدم ليبيا حتى وصل إلى قتل معمر القذافى ليبدأ صراع بين إيطالياوفرنسا, فإيطاليا التى سبق وكانت مستعمرة لليبيا, أما فرنسا فهى تريد الاستفادة من اشتعال الصراع بين الليبيين لعل وعسى أن يكون لها موقع قدم فى الدولة الغنية بالنفظ القليلة العدد. وها نحن نرى ان كان ما يسمى الربيع العربى قد وجد نهايته على يد عبد الفتاح السيسى الذى أمسك براية استقلال بلده كمقدمة لرفض إعادة الاستعمار مرة اخرى بواسطة اوروبا التى سال كثير من لعابها على ثروات عالمنا العربى وكانت محاولات التدخل تجرى على قدم وساق لكن الاقدام الاوروبية انزلقت تبحث عن نجاة من تيارات الإرهاب وموجات الهجرة غير الشرعية ولم تجد سوى يد مصر ممدودة لإنقاذها. وبقيت المرارة تخنق الإمبراطور الأرعن أردوغان. وأكاد ان أرى بعيونى المفتوحة كيف يستعيد فى خياله خطوات جيش إبراهيم باشا مؤسس الجيش المصرى فى عهد محمد على على أبواب القصر العثمانلي, هذا الجيش الذى جاء من سلالة قادته عبد الفتاح السيسى الذى ورث قيادة هذا المجتمع بعد أن أعاد الجيش المصرى الاعتبار لقيمة مصر سواء بثورة يوليو 1952 او بانتصار اكتوبر 1973؛ ثم بسرعة الاستجابة لنداء ضرورة التخلص من أكاذيب التأسلم فى الثلاثين من يونيو المجيد. إن حرص مصر على استقلالها قديم الجذور فى التاريخ المعاصر، ولمخضرم مثلى ادق باب عامى الثمانين مازالت تطل فى شاشة خيالى صورة جمال عبد الناصر وهو يرسم صورة ضرورة الاستقلال لشعوب العالم الثالث بداية من مؤتمر باندونج ،ثم ميلاد حركة الحياد الإيجابى ثم حيوية السعى لبناء عالم عدم الانحياز مع الرفض الذى يتجدد للمشاركة فى اى أحلاف عسكرية. باختصار اقول: على الذين يراهنون على هزيمة هذا الوطن ليرونه غارقا فى قاع التخلف عليهم ان يعلنوا خسارتهم من الآن، لأن هزيمة مصر هى الأمر المستحيل واسألوا التاريخ البعيد او القريب. انتصار مصر ليس مقصورا عليها وحدها ولكن لكل البلدان التى اكتوت بنيران الفوضى الخلاقة التى أريد بها إعادة الاستعمار فجاء ،من تفرجوا او شاركوا فى صناعة تلك الفوضى يرجون الخلاص بما تقدمه مصر من رؤى قادرة على صناعة النصر لحياة الشعوب. لمزيد من مقالات ◀ منير عامر