تعودنا كل شتاء أن نصف برودته بأنها عنيفة ولكنى أشهد بأن برودة هذا الشتاء غير محتملة وهذه الرؤية ليست عن درجات الحرارة فى الجو لكنها ايضا رؤية سياسية عن كرة أرضية فقدت قدرتها على استكشاف الهول الذى يصنعه كبار ساسة العالم لنا وكأنهم قرروا تحويل الكرة الأرضية إلى أحد أفران الغاز تنتج صقيعا. أقول ذلك متذكرا قول كوندوليزا رايس فى أثناء زيارتها للقاهرة: أنتم مقدمون على ربيع عربى تصنعه الفوضى الخلاقة. وبدت كعرافة قادرة على اختراق الحجب لتقدم لنا رؤية لما جرى بعد رحيلها من إحراق شاب تونسى لنفسه واشتعال الفوضى فى ربوع مصر رفضا لحالة اتساع الفجوة فى مستويات الحياة بين من يريدون هضم كل ثروات مصر وإلقاء شبابها فى مزبلة اليأس ولا مانع أن تفتتنا الفوضى باسم الدين. ومن الفوضى التى نشبت اظافرها فى العنق المصرى خرج من يلتحفون زورا بعباءة الدين يوزعون علينا اللعنات، ولنتذكر جيدا مسلسل حرق اقسام البوليس ومقار مصلحة الاحوال المدنية وملفات السيارات بمراكز تراخيص السيارات وفوق كل ذلك حرق كل ماله علاقة بتاريخ التحضر موجزا فى حريق المجمع العلمي، ثم وقوف الافعى المسماة يوسف القرضاوى ليقيم صلاة بميدان التحرير يرفعه إماما لها المدعو محمد البلتاجى الذى أراد أن يستولى على منصب وزير الداخلية بعد تمكن جماعته من خديعة بسطاء مصر بان يتولى حكم بلادهم باسم الإسلام عملاء الاستعمار الإنجليزى قديما والذين ورثهم المدعو أردوغان, ولولا يقظة الحكيم محمد حسين طنطاوى مشير المحروسة ومعه المجلس العسكرى لرحنا مفتتين كالشظايا يكره الواحد منا بعض أهل بيته. ولكن خرجنا من الكرب الملتهب لتتوالى مشاهد الفوضى فى ليبيا ثم سوريا ويقف المتأسلمون كالأفاعى المسمومة يقبلون رشاوى من رجال اعمال نهبوا ما ادخرته دولة يوليو لأجيال المستقبل ولمن يكذبنى عليه ان يراجع أسماء الذين أتاح لهم الانفتاح السداح مداح اغتصاب شركات القطاع العام ثم يبحث فى علاقات هؤلاء مع المتأسلمين. ولم يتوقف صهد الصقيع عند حد وطبعا صحا الذين أدمنوا ما قيل عن صناديق الانتخاب فراحوا ينادون على الديمقراطية كأنها البنت الصغيرة التى تاهت فى أوبريت الليلة الكبيرة لعبقرى شعراء يوليو صلاح جاهين وصديقه الشيخ سيد مكاوي. وجاء النداء على المؤسسة الوحيدة التى ظلت متماسكة, مؤسسة الجيش المصرى ليتولى بدء الإنقاذ فى الثلاثين من يونيو؛ ليضع قادته أسلوب عمل لا يغفر للمقصر مهما علت وظيفته وليبدأ جرد ما بقى من ثروة تحتاج لتنمية وفى نفس الوقت يمتد الخيال لبناء مستقبل مختلف. يحدث كل ذلك بما لا يعنى ان أيامنا صارت لبنا وعسلا, فكيف لمائة مليون فم من طعام، وكيف لمائة مليون رأس من مستقبل تعليمى وصحى وثقافي؟ تلك رحلة صعبة نخوضها حاليا مع ضغوط تراكم الدين العام الذى اوصلنا لتخفيض قيمة الجنية أمام الدولار، يحدث ذلك ونحن محاطون بفوضى يميننا حرب اليمن واضطرابات ثورة سوريا ومعهما المتلمظة الحريصة على تخلف الأرض العربية من خليجها إلى محيطها المسماة إسرائيل، وعلى يسارنا هدير الفوضى فى ليبيا ومحاولات تونس لإنقاذ نفسها من أنياب التأسلم الكذاب, أما جنوبا فهناك السودان الذى لانملك له إلا الدعاء؛ وفى شمالنا يحاول أردوغان ان يلعب دور البلطجى علينا وعلى اليونان وقبرص رغبة فى نهب جزء من كعكة الخير التى أهدتنا إياها السماء ألا وهى آبار الغاز فى البحر المتوسط؛ ولمن يريد معرفة ماذا فى ضمير اردوغان فليرجع إلى ما فعلته الإمبراطورية العثمانية فى بر المحروسة عندما دخلوا بعد الحملة الفرنسية من سرقة ونهب واعتداء على الاعراض وليقرأ ما كتبه عبقرى اليونان كازينتزاكس فى كتابه تقرير إلى اليونان، حين وصف همجية المرتزقة المسماة الانكشارية المتدربين على القتل باسم الإمبراطورية العثمانية. وبطبيعة الحال لم تسلم أوروبا من رياح الربيع العربى الملتهب المنفلت فرأينا البديل للانكشارية باسم جديد هو تنظيم الدولة الإسلامية، وشاهدنا مسلسل قطع الرقاب سواء فى ليبيا أو فى سوريا ولن نتوقف عند العراق الذى تقطعت أوصال ثروته بنهب منظم. وكأن قوانين السماء تؤكد أن رد فعل ما تآمرت به علينا مخابرات الغرب, فيتمرد فقراء فرنسا على لعبة الديمقراطية المخادعة رغم نجاح واحد من أبرز رجال اليمين المعاصرين هو ماكرون, وليكشف لنا أن من بيننا من كان ساذجا إلى حد السفه هو الراحل معمر القذافى الذى أمد رئيسا فرنسيا سابقا بقرابة 14 مليون يورو. وطبعا يقف برنارد ليفى فيلسوف صناعة القتل فى ليبيا، ولن أنسى ملامح أستاذنا محمد حسنين هيكل وهو يروى كيف كان برنارد ليفى يقسم لبعض رجال القبائل الليبية على المصحف كى يصدقوا نداءه بالمشاركة فى قتل العقيد معمر القذافي!. ولتتحول ليبيا إلى ممر للمهاجرين الأفارقة الزاحفين إلى أوروبا مثلهم مثل من هربوا من أفغانستانوالعراقوسوريا ليغرق بعضهم فى البحر المتوسط وليساوم أردوغان السيدة ميركل ليأخذ منها ملايين اليوروهات كى يوقف نزيف الهجرة لأوروبا. ويعلو صراخ دول وسط أوروبا تحت وطأة الخوف من المهاجرين، ويظهر هذا الخوف فى صناديق انتخابات إيطاليا وغيرها من بلدان اوروبا. ويأتى انتقام السماء باسم السترات الصفراء ليقلب مائدة ما يسمى بالديمقراطية الغربية على رؤوس أصحابها المنظرين لها ولتتوه فرنسا الحالية فى محاولة قراءة واقعها وفى الوقت نفسه محاولة الانتباه لمستعمراتها القديمة فنرى قوات لها فى سوريا ونشهد لها صوتا فى مناقشة تركيا حول النفوذ فى الشمال السوري. ونرى الديمقراطية وهى ترقص رقصة ملتاثة من عدم الفهم لما أفرزته صناديق الاستفتاء البريطانى عن الخروج من خيمة الاتحاد الاوروبى. وهناك عبر الاطلنطى يوجد ترامب الأمريكى الشبيه بيلتسن الذى أنهى دولة السوفيت فتتشتت الرؤية الامريكية. وسط كل ذلك نحاول نحن هنا فى ربوع مصر ان نتماسك لنغير من واقع الاحتياج إلى حد إرواء المطالب الأساسية. قلت من البداية أن زماننا هو عصر الصقيع الساخن واٍلعارم ومن يكذبنى عليه أن يقرأ من البداية. لمزيد من مقالات ◀ منير عامر