كتبت-سهي زكي: قالوا لي, عليك كأرملة صغيرة, أن تقضي حياتك بطرق ثلاث, الأولي, أن تقتاتي علي الأحزان بسوادها حتي تموتين, والثانية أن تتزوجي من عابر سبيل, حتي يتدفأ السرير. وأخيرا, أن تذهبي لبلدة الأرامل تساعديهن في صنع أحبار الخطابات التي تكتب سرا للفتيات, تعجبت وسألتهن هل هناك بلدة للآرامل فقط؟! فلتقرأي ذلك الكتاب الذي يصف مكانهن و يحكي عن كبيرتهن, اذا لم يعجبك الاختيار الأول والثاني سيناسبك تماما ككاتبة ان تعيشي ضمن نسوة هذه البلدة, حقيقة اثارني الفضول, حددت موعد رحلتي, واخترت الليل توقيتا مناسبا, حصلت علي العنوان من الكتاب, ووصلت بسهولة, حيث الحلم دليل صريح, وصلت, منذ دخولي, لم ألمح واحدة منهن ترتدي ملابس حداد, الفراشات تلون سماءهن, سألت علي بيت كبيرتهن وقبل دخولي لمقابلتها, سمعتها وهي تقول لشابة جميلة تقف امامها.. - أخرجي من هنا, اذهبي فأنا لا اكتب الخطابات سرا, لا اكتب الا لحبيبي فقط. أذهبي انت واكتبي لحبيبك ما تشائين, فعليك ان تكتبي خطابك بنفسك, أعلني حبك له, عليك تحمل عقبات العلن كما تتحملين معاناة السر. بكاء الفتاة احزنني واغضبني من كبيرة الأرامل ثم أستمرت الأرملة الكبيرة في صراخها في وجه الفتاة - أتبكين ؟ انت إذا تنتمين لبلدة اخري فهنا الأرامل لا يجلسن فوق القبور في الظلام يبكين أزواجهن, وحظوظهن, إنما يعملن علي إمداد السماء بطاقة نور, حتي تستمر الحياة بنورهن, أيتها البلهاء لا تستجدي الأرملة مساعدة صديق, لزوجها لتنتهي الحكاية بتحرش تقبل به في النهاية علي سرير من قش, ولا تتكيء علي صديقة لها, فتغار منها علي زوجها أو حبيبها, هنا تعود عذراء كما كانت قبل الزواج, تنتظر حبيبا جديدا يطرق باب غرفتها المزينة بالورود والشموع الملونة, وعرائس محشوة بالنعام تراقص بعضها البعض, يفض غشاء بكارتها الذي رتقه الحزن, يا فتاة الحزن اذهبي من هنا, واطرقي باب تلك العجوز التي تنتطر احتضان الموت لتقابل شبحا لم ينتظرها, أذهبببببببببببببببي من هننننننننننننننننا فورا دخلت عليها وهي في حدتها ما هذا الجمال, كأنها فينوس تعدت الخمسين قليلا, لها جسد مشدود بض وملامح يقظة, لمعة عينيها تنافس الشموع من حولها, تحول غضبها لابتسامة وهي تطلب مني الجلوس, أترقبها, هل هذه الأرملة العجوز الذي يحكي عنها الكتاب؟ ليست هي بالتأكيد, فلا يمكن ان تكون هذه الفاتنة المثيرة ذات العيون النجمية عجوزا تنتظر لقاء سريا في إحدي المقابر, سألتني ما الذي أتي بك للسؤال عني ؟ قرأت عن بلدتكن ما اثار فضولي ولكنني لا اعرف احدا في عالمكم. - نعم ولكنهم زاروك في أحلامهم فكما تعلمين يمكن لعوالم كثيرة ان تلتقي في الحلم, بالله عليكي أخبريني عن بلدة الآرامل شيئا, فأنا حديثة العهد بالتعريف الجديد لحياتي, ولا أرغب في الانتماء لبلدتكم كما نصحني البعض, أنا لا أحب البكاء والعويل ولطم الخدود وشد الشعور. - ومن قال لك اننا نفعل, أننا نسير علي الارض بخفة النعامة ونرقص الباليه علي انغام الموسيقي النابعة من روحنا, كما تريد كل واحدة علي لحنها, نشاكس الورود والنحلات في أماكنهن حتي يقتربن بعسلهن يملئن به افواهنا فالنحلات كثيرا ما تخطيء الورد فتحط علي ثغورنا, تنجب عسلها علينا, هنا لابد ان تري قوس قزح وهو يدور حول بلدتنا يوميا وقت الغروب, وقتها ستعرفين إننا لسنا ممن ينتظرن الفرج بجوار أبواب العشش, بل إننا لا نربي حيوانات من الأصل, فالحيوانات والطيور تثير شفقتنا كثير ونحن لا نقبل الضعفاء مثيري الشفقة بيننا, إذا ما دخلت منزل اي أرملة في هذه البلدة ستجدينهن متشابهات فالقوة الروحية تصنع المستقبل والجرأة تحدي حقيقي للحزن الذي يسحب الجميلات نحو الفناء قبل الاوان فيتحولن لمجرد قطع سوداء يمسح فيهن عابرو السبيل قذارتهن وحقارتهن. صمت بابتسامة يملؤها فرح لا مبرر له إلا فرقعة العاب نارية في السماء وقت حلول الظلام - اعتذر لأني اغضبتك - أبدا أنا سعيدة انني استطعت ان أخبرك بحقيقة بلدتنا الصغيرة التي تنعم برعاية ربانية حيث تلتف الملائكة حولنا وحول أولادنا, تذهب الأشجار يوميا لشراء حاجياتنا من اسواق الجنة, كما نستعد دائما للقاءات مميزة في مساءات سعيدة يأتي في كل مساء رجل وسيم وجميل, يختطف إحداهن ويرحل بها بعيدا عن البلدة حتي لا تغار السيدة العجوز, تلك الأرملة الكبيرة تلك التي سمعت انت عنها في كتاب صديقك, فهي الوحيدة المقصودة ولا غيرها, فهي سيدة خرفاء بلهاء تعتقد انها تؤثر علي الشابات الصغيرات بخطاباتها السحرية الشيطانية ولكنهن فهمن لعبتها وفررن منها وإذا ذهبت لها الان ستجدينها وحيدة هي وخطاباتها وسيفزعك مشهدها فهي لم تتعدي الاربعين وتبدو وكأنها في الثمانين, تملأ تعرجات الزمن وتجاعيده وجهها الكريه وينحني جسدها النحيل في ترهل خرقة بالية عجنها طين الشارع, ولكن نصيحتي لا تذهبي الي هذا المكان المقفر عندها فما ان يطرق بابها احد حتي تلتصق به في محاولة لاثارة شفقته ليبقي بجوارها لتكتب له خطابا سريا جديدا, أما أنا يا عزيزتي وكل من هنا في بلدتنا الأسطورية لا نكتب الخطابات سرا