ياسر قورة نائبا لرئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد بالشيوخ    أكاديمية الشرطة تستقبل عدد من طلبة وطالبات المرحلة الثانوية    الفريق أسامة ربيع يبحث سبل التعاون مع ترسانة ONEX اليونانية في مجالات التصنيع المشترك والتدريب وتحويل السفن للعمل بالوقود النظيف    الوزير يبحث في لندن دعم التعاون مع 7 شركات بريطانية واتحاد وكلاء السفن في مجالي الصناعة والنقل    مفوضة الاتحاد الأوروبي تصل القاهرة للمشاركة بجهود إيصال المساعدات الإنسانية لغزة    واشنطن ترفض الفصائل المسلحة في الحكومة العراقية الجديدة    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية بإندونيسيا إلى 174 قتيلًا    الاتحاد الإيراني يقرر عدم حضور قرعة مونديال 2026 لهذا السبب    مؤتمر جوارديولا: لست محبطا من الخسارة ضد نيوكاسل.. وأرسنال خصم قوي للغاية    الداخلية تُسقط تشكيلًا عصابيًا غسل 250 مليون جنيه من تجارة المخدرات    مؤلف مسلسل "الكينج" يكشف ل"فيتو" حقيقة وجود إصابات بطاقم العمل في حريق ستوديو مصر    احتراق ديكور مسلسل.. كواليس نشوب حريق داخل استديو مصر بالهرم    تيودور بلهارس ينظم فعالية علمية حول السلامة الدوائية لتعزيز جودة الرعاية الصحية    المفوضة الأوروبية لإدارة الأزمات تتفقد مخازن المساعدات اللوجستية في العريش    بعثة بيراميدز تساند المصري أمام زيسكو يونايتد    ما حكم إخراج الزكاة بناء على التقويم الميلادى وبيان كيفية ذلك؟ دار الإفتاء تجيب    انعقاد 8 لجان وزارية وعليا بين مصر والجزائر والأردن ولبنان وتونس وسويسرا والعراق وأذربيجان والمجر    الصحة: جامعة حلوان تشهد حملة مكثفة للتبرع بالدم استمرت أسبوعًا كاملاً    بمشاركة 23 فنانًا مصريا.. افتتاح معرض "لوحة في كل بيت" بأتيليه جدة الأحد    خلال لقاء ودي بالنمسا.. البابا تواضروس يدعو رئيس أساقفة فيينا للكنيسة الكاثوليكية لزيارة مصر    بيلاي: صرخة العدالة تتصاعد.. والعدالة الرقمية تبرز مع اتساع فجوة عدم المساواة    لاعب كايزر تشيفز ل في الجول: تعلمنا من مباراة المصري.. وسنبذل قصارى جهدنا للفوز على الزمالك    الاتصالات: إطلاق برنامج ITIDA-DXC Dandelion لتدريب ذوى الاضطرابات العصبية للعمل بقطاع تكنولوجيا المعلومات    ديكور مسلسل شهير.. حريق هائل داخل استديو مصر بالهرم    تجهيزات خاصة وأجواء فاخرة لحفل زفاف الفنانة أروى جودة    وزير الخارجية يلتقى رئيسة مؤسسة «آنا ليند» للحوار بين الثقافات    ارتفاع سعر الجمبري واستقرار لباقي أنواع الأسماك في أسواق دمياط    طقس غد.. مفاجأة بدرجات الحرارة ومناطق تصل صفر وشبورة خطيرة والصغرى بالقاهرة 16    ضبط 3618 قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    لتغيبهما عن العمل.. إحالة طبيبين للشؤون القانونية بقنا    محافظ سوهاج: إزالة 7255 حالة تعدى على أملاك الدولة والأراضي الزراعية    تفريغ كاميرات المراقبة بواقعة دهس سيدة لطفلة بسبب خلاف مع نجلها بالشروق    الدفاع المدني السوري: عمليات الإنقاذ في بيت جن مستمرة رغم صعوبة الوصول    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابة    محافظة الجيزة تعلن غلق كلى ل شارع الهرم لمدة 3 أشهر لهذا السبب    تحقيق عاجل بعد انتشار فيديو استغاثة معلمة داخل فصل بمدرسة عبد السلام المحجوب    شادية.. أيقونة السينما المصرية الخالدة التي أسرت القلوب صوتاً وتمثيلاً    الصحة: فحص نحو 15 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية    «السبكي» يلتقي وزير صحة جنوب أفريقيا لبحث تعزيز السياحة العلاجية والاستثمار الصحي    خشوع وسكينة.. أجواء روحانية تملأ المساجد في صباح الجمعة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الأردني تطورات الأوضاع في غزة    استعدادات مكثفة في مساجد المنيا لاستقبال المصلين لصلاة الجمعة اليوم 28نوفمبر 2025 فى المنيا    صديقة الإعلامية هبة الزياد: الراحلة كانت مثقفة وحافظة لكتاب الله    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 28- 11- 2025 والقنوات الناقلة    "العمل" تجري اختبارات للمتقدمين لمهنة «عامل بناء» بالأردن    السيطرة على حريق شقة سكنية بساقلته في سوهاج    سعر كرتونه البيض الأبيض والأحمر اليوم الجمعه 28نوفمبر 2025 فى المنيا    صلاة الجنازة على 4 من أبناء الفيوم ضحايا حادث مروري بالسعودية قبل نقلهم إلى مصر    ارتفاع حصيلة ضحايا حريق هونج كونج إلى 94 شخصا    45 دقيقة تأخير على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 28 نوفمبر 2025    بيونج يانج: تدريبات سول وواشنطن العسكرية تستهدف ردع كوريا الشمالية    محمد الدماطي يحتفي بذكرى التتويج التاريخي للأهلي بالنجمة التاسعة ويؤكد: لن تتكرر فرحة "القاضية ممكن"    رمضان صبحي بين اتهامات المنشطات والتزوير.. وبيراميدز يعلن دعمه للاعب    عبير نعمة تختم حفل مهرجان «صدى الأهرامات» ب«اسلمي يا مصر»    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة للأقارب.. اعرف قالت إيه    إعلام فلسطيني: الاحتلال يشن غارات جوية على مدينة رفح جنوب قطاع غزة    سيناريست "كارثة طبيعية" يثير الوعي بمشكلة المسلسل في تعليق    أبوريدة: بيراميدز ليس له ذنب في غياب لاعبيه عن كأس العرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أطول مما ينبغي
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 08 - 2012

احدق في شاشة مزدحمة‏.‏ ارد علي رسائل في بريدي الالكتروني ظلت بلا رد لأطول مما ينبغي‏,‏ ثم انشغل باعادة كتابة موضوعي الجديد للجريدة للمرة الثانية‏,‏ وافكر أنه بعد الاضافات قد صار هو الآخر أطول مما ينبغي‏.‏ من ذا الذي اخترع ما ينبغي؟ هل كان ينبغي ان ترحل الجدة الكبري؟ هل كان ينبغي ان ترحل قبلها بعامين الا ليالي عشرا الجدة الصغري؟
كنت قد تأهبت للخبر. قالت لي امي ان الحمي قد اصابت الجدة الكبري وان تلك غالبا هي سكرات الموت. في كل مرة يفاجئني الموت دون ان انتظره او استعد له: أبي, جدتي, صديقتي هايدي ذات السبعة والعشرين ربيعا التي ماتت سعيدة في فراشها دون سابق مرض, صديقنا احمد الذي مات في سن وظروف مشابهة لهايدي بدون مقدمات.
هذه المرة انتظرت الموت. حين اسلمت الجدة الكبري الروح دون طول معاناة انشغل الجميع بالترتيبات وانشغلت انا في اعادة ضبط مواعيدي لاكون حاضرة في موعد العزاء.
لم افكر كثيرا في الأمر. توتا سعاد شارفت التسعين من العمر-يقولون عاشت أطول مما ينبغي- ورحيلها يجب ان يكون امرا طبيعيا ومتوقعا. كانت تكبر جدتي بما يناهز عشر سنوات, هي خالة امي فحسب, لكنها امتلكت مكانة روحية توارثناها في عائلتها بصفتها الشقيقة الكبري التي كانت في السابعة عشرة حين حلت محل الأم لأشقائها الستة. كانت جدتي تناديها أبلة سعاد حتي بعد ان تجاوزت كلتاهما السبعين من العمر.
هل كان ينبغي ان يرحل الراحلون وابقي انا هنا ادير معاركي مع طواحين الهواء؟
لا اعرف محددات لهذا الذي ينبغي, ولكنني اظن ان الموضوع الجديد طويل ومعقد ويفتقد الروح بشكل يشبه حياتي ربما؟
لم تكن حياة الجدات كذلك. كانتا تشبهان نجمات السينما في شبابهما المتجدد واناقتهما الدائمة. لا تحملان هموما ولا تتركان الحزن يحل حيث تقيمان. تضحكان طوال الوقت وتملآن الأمكنة بهجة وغناء وطعاما. كانتا تتنافسان احيانا, بل وتتصارعان. جدتي تقول ان ابلة سعاد لا تتقن صنع كعك العيد ابدا. تتندر علي الغريبة التي تعدها ناشفة كحجر اذا رميت حباتها الي حائط ارتدت اليك. تفخر بوصفات الكعك والغريبة الخاصة بها والتي لا تخيب ابدا. جدتي كانت امهر في اعداد الطعام. أبلة سعاد كانت اقدر علي حفظ كل الاغاني الكلثومية الطويلة التي قد تخطيء اختها بعض سطورها. كانتا تتشاجران وتتخاصمان ثم تنسيان لماذا كان خصامهما, فنضحك جميعا ثم نستأنف التنافس في مجالات بهجتنا.
علام التنافس الآن؟ لا اعرف بالضبط ولا اهتم حقيقة. كل ما اعرفه ان الحياة جافة جدا بعيدا عن تنافس الجدات في البهجة وحكاياتهن التي تطول دون ان نملها وذلك الشعور بالأمان المطلق في وجودهن. لا اذكر متي كانت آخر مرة زرت فيها الجدة الكبري. بعد رحيل جدتي, فجعت أبلة سعاد واصابتها شيخوخة لم تصبها من قبل, انتابها ذلك الشعور بانها عاشت اطول مما ينبغي حين سبقتها صغري الشقيقات ورحلت, عزفت عن الكلام وضاقت بالزيارات, ولكنها ظلت في عزلتها الاختيارية تغني احيانا مقاطع من اغانيها المفضلة. كل منا- نحن الابناء والاحفاد- استأنف حياته كما ينبغي بعد رحيل جدتي المفاجئ ثم تلاحقت الاحداث وتباعدت الزيارات ونسينا ان الجدة الكبري صارت تشتاق للرحيل.
انهيت الموضوع وارسلته للجريدة وانا غير مقتنعة تماما. اتممت استعدادات العزاء الروتينية دون ان اكون مستعدة تماما. في الجمع العائلي الموسع الذي لاحظت انه لم يلتئم له شمل منذ ان اجتمع في سرادق عزاء جدتي, وبينما الجميع يتراشقون الآراء السياسية الحادة, انسلخت عنهم وسافرت الي تلك الاركان الحميمية في منازل الجدات: بين سحر المطابخ ورحابة البلكونات. كيف كانت احضانهن تضم كل هؤلاء دون ان تضيق بأيهم!؟
الآن منازل الجدات ومطابخهن وبلكوناتهن واحضانهن اللاتي هجرنها رويدا رويدا بعيدة جدا عن جمعنا هذا. ترقرقت دموع في عيني فسكت الجمع لحظة عن جدلهم السياسي المحتدم, يقفز السؤال من فم لا اتبين ملامحه: أتبكين!؟ فأرد: توتا سعاد ايضا ماتت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.